| مقـالات
الرئيس العراقي صدام حسين عندما تخلى عن المبادىء الإسلامية وتبرأ من القيم والثوابت العربية وفكر في غزو الكويت لابساً عباءة السفاحين والوصوليين من أمثال موسوليني وهتلر لا أعتقد أنه قرأ كتاب الأمير لمؤفه نيقولو مكيافللي. ذلك الكتاب الذي منع في ايطاليا عام 1559م وقررت محاكم التفتيش احراقه واحراق جميع كتب مؤلفه ولقب بالكتاب الملعون. والذي اصبح كتاباً مشهوراً وذا أهمية بالغة عند المؤرخين وعلماء السياسة في القرنين التاسع عشر والعشرين. إن الرموز من الطغاة والجبابرة الذين اقتدى بهم صدام حسين تتلمذوا على هذا الكتاب واستفادوا منه في سيرتهم وطبقوا أفكاره وقادهم إلى نجاح محدود في عصرهم. لقد اختار موسوليني هذا الكتاب موضوعاً لرسالته التي حصل بها على درجة الدكتوراه ثم علق على الكتاب في عام 1924م ونشر ذلك التعليق في مجلة جراركيا. ومما قاله في ذلك التعليق «لقد قرأت كتاب الأمير وغيره من مؤلفات مكيافللي قراءة واعية واردت أن أضع بيني وبينه أقل عدد من الوسطاء القدامى أو المحدثين الايطاليين والأجانب، كي لا أفسد عملية الاتصال المباشر بين مذهبه وحياتي التي عشتها». أما هتلر قدوة صدام ومثله الأعلى فكان يضع هذا الكتاب على مقربة من سريره فيقرأ فيه كل ليلة قبل أن ينام. ويقول ماكس ليرز في مقدمته لكتاب «أحاديث» إن لينين وستالين قد تتلمذا على نيقولو مكيافللي. إن صدام حسين لم يقرأ الكتاب لا لما يتصف به من الغطرسة والغرور ذلك أنه يرى في نفسه المعلم الأول والأستاذ الكبير ولا لأنه لا يحب القراءة وإنما لأن نصائح الكتاب ومؤلفه يتعارض مع الخطوة التي أقدم عليها. ان صدام بلا شك لو قرأ الكتاب لما تجرأ حتى على التفكير في غزو الكويت ولما سمح حتى لخاطرة تمر في ذهنه للقيام بهذا العمل. لقد أكد مكيافللي على أن الدول التي تتحد بفعل الضم بالقوة مع دولة قائمة من قبل قد تكون أو لا تكون تحمل نفس القومية وتتحدثان بنفس اللغة، فمن السهولة الاحتفاظ بالضم إذا كانت الدولة المضمومة غير متعودة على الحرية والحاكم الجديد يحمل حرية وسعادة للدولة المحتلة. فما هي الحرية التي يحملها صدام لشعب الكويت؟ وما السعادة التي سوف يجلبها للكويت عندما فكر في الاحتلال؟!
إن مقارنة بسيطة بين الكويت قبل الغزو وبين وضع العراق تنبىء عن جهل وحماقة هذا الدكتاتور، فالكويت تنعم بحرية سياسية متمثلة في برلمان يعتبر من أفضل السلطات الشعبية الدولية، وباقتصاد حر لا تعيقه ضرائب ولا تنهكه مساومات؛ وبإعلام ينطق باسم المصلحة العامة للأمة. أما العراق فسيف الجلاد على رقبة كل معارض حتى أقرب الأقارب، لم يسلم منه أطفال حلبجة أو عجائزها، مضمون وسائل الإعلام واحد هو تبجيل الفرد وتحسين صورته مع الاستخفاف بعقلية الشعب. الاقتصاد انهكه السلب والنهب ينعم به الحاكم والمقربون. إن الحرية والسعادة التي ينصح بها كتاب الأمير لا يعرفها شعب العراق ولا يؤمن بها حاكمه لهذا فاقد الشيء لا يعطيه. إن صدام لم يقرأ كتاب الأمير ولكنه تأثر بالسفاحين وارتكب اخطاءهم فقلد هتلر وموسوليني وستالين ومارس القتل وعمليات التطهير دون أن يستفيد من تجاربهم أو يفكر في المبادىء والقيم العربية التي تختلف عن مبادىء هؤلاء فأصبح مشلولاً لم يستطع أن يكون بطلاً قومياً أو حتى رمزاً فاشياً.
للتواصل: maalbesher@yahoo.com
|
|
|
|
|