| مقـالات
لبنان ازدواج ذاكرتين، ذاكرة بيضاء فارغة وأخرى مزدحمة لكنها تقع خارجي، هناك بداخل الصحف، وأحاديث أهل أمي، والفضائيات، والمصطافين، ونثار طفيف من ذاكرة ما قبل الحرب، الأحياء البيروتية، وعشرات الروايات (بيروت 75/ حكاية زهرة/ رائحة الصابون/ باب الشمس) بيروت ذاكرة بيضاء تتورط بذاكرة مزدحمة!!
مدخل بيروت عقب المطار من الضاحية الجنوبية، لون الفقر الكابي القاتم لا يتلاءم مع احتفالات التحرير، تحرير الجنوب في عامه الأول، البوابة الأولى للدخول، يثير انتباهي الأحجام الكبيرة للصور وللرموز البشرية هناك، عندما يجدب الواقع ويتصخر يسرف بنو البشر في تعظيم رموزهم كنوع من الخلاص، فالأسطورة لا تفنى فقط تبدل ارديتها بما يتواءم مع الزمان والمكان.
الجبل اللبناني يتدثر بضبابه ويلعق جروحه الرطبة، (عاليه).. طيبة الدروز وبساطتهم الجبلية، كلما توغل في تفاصيل الزمان والمكان، كلما يرفض الجبل اللبناني ان يمنحك حقيقة قاطعة بارزة ونهائية، التعددية تصنع تفاصيل حياتهم، والتعددية تصنع حروبهم الأهلية بين قرن وآخر، والتعددية هي التي تعطي لبنان ملمسه الحقيقي، أوراق الهويات الثبوتية في لبنان تلغي الانتماء الطائفي والمذهبي من الهويات، لكن هذا التحرك كان مثاليا لا يتلاءم مع الواقع، فاستبدلوا الهويات بطريقة ارتداء الملابس والرموز الدينية ينثرونها حولهم والتي تشير بدورها الى الهويات المغيبة.
انفجار كبير يكسر إغفاءة الجبل الواهمة ذات صباح، إسرائيل تكسر حاجز الصوت بخطين يخترقان السماء خطيها المزعومين من النيل الى الفرات، تلويحة صغيرة من الوحش الإسرائيلي يخبر فيها الجميع.. نحن هنا، أهل لبنان يستجيبون بنوع من اللامبالاة والسخرية، لقمة العيش الشحيحة والنادرة أضحت أهم.
بيروت الفينقية الشقية بعروبتها، تمنح سائحها الخليجي نجمة ذهبية وامتيازات لا متناهية، المال الخليجي في لبنان قد يقدم بعض الحلول ولكن ليس جميعها، وعلى الرغم من هذا يصرون على توزيع نجومهم الذهبية بدماثة لا متناهية.
صيدا.. صيدون.. بوزيدون.. رب البحر الأغريقي، إنها مدينته!!! في لبنان وقوافل التاريخ المتعددة التي مرت والتي بقيت والتي ساهمت في صنع وجوهه المتعددة.
البلد العتيقة في صيدا تشبه (الأنفوشي) في الإسكندرية، سواحل البحر المتوسط نفس النسيج ونفس الخصائص ونفس النكهة، قبل أن يختطف الوحش الصهيوني فلسطين.. يصنع هناك أسواراً مكهربة وحوائط للمنع وحوائط للبكاء.
في البحر وفي أحشاء (بوزيدون) علامات نافرة حينما سألنا عنها، قالوا هذه إشارات لمواقع السفن التي دمرتها إسرائيل، كم من البشاعة تصنع هناك.
لكن (الأتوستراد) الجديد الذي يمر بصيدا بدأ يقيلها من عثرات التاريخ، (الأتوسترادات) هي طريق الحرير الجديد، هو الشبكة التي تربط العالم، يبتدىء في (نيويورك) ويطوف أرجاء العالم.
يتبع
email:omaimakhamis@yahoo.com
|
|
|
|
|