أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 27th August,2001 العدد:10560الطبعةالاولـي الأثنين 8 ,جمادى الآخرة 1422

الاخيــرة

الرئة الثالثة
تأملات.. حول الشعر والسياسة!
عبدالرحمن السدحان
* أزعم بدءاً أن هناك شيئاً من شَبَهٍ بين الشعر والسياسة، رغم البون العريض بينهما، مجالاً واختصاصاً ومزاحاً، أقول هذا فيما القلمُّ يهتز بين أناملي فَزَعاً من الشعراء والسياسيين معاً الذين قد يقرأ أحدُهم هذا الحديث، فيساورُه الظنُّ في صواب إدراكي، وقد يحمله على رجْمي بالجهل، أو الفضول بالخوض في حديث لا اختصاصَ لي فيه ولا شأنَ!
* *
* هنا أقرُّ، وأنا بكامل إدراكي وإرادتي،أن خبرتي في السياسة تَتسَاوى مع معرفة المتنبي في علم الجينات، بل أكاد أجزم أنني لا أفقه الكثيرَ ممّا يُكتب أو يقال عن السياسة هذه الأيام، ولا أدري إن كان ذلك ثمرة قصورٍ في إدراكي، وهو ما لا أنكره، أم غموض في (كيمياء) العمل السياسي، تاريخاً وجغرافيةً ووقائعَ، وهو ما أرجّحه يقيناً!
* وأقول مثل ذلك عن الشعر، فهو ينكرني بقدر ما أجهله صياغةً ووزناً، لكنني رغم ذلك، أعشقُ منه أعذبَه، قديمَه وحديثَه!
* *
وقد قررت اليوم رغم كل مخاوفي أن أخوض مع الخائضين بالحديث عن السياسة، لا لأنني سآتي فيه بما لم يأت به الأوائل، ولا لأنني سأردّد ما قاله (ارشميدس) يوماً، فأعلن على الملأ أنني وجدت (المفتاح السحري) لخزانة السياسة، فصارت لي سراً مباحاً، وعلماً متاحاً، لكنني بكل تواضع، استأذن القارئ الكريم بالحديث عن السياسة حديثاً اطمع أن ينصفني من غموضها، أو يعتذر لي عن جهلي بها، وهذا أحلى المُرّين!
* *
أقول، مسلِّماً ومستسلماً للعواقب، إن بعض ممارسي السياسة الدولية في زمننا هذا، يشبهون بعض الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون، وعسى ألاّ تغُضبَ هذه المقارنة السياسيين والشعراء مجتمعين، وان كنتُ مطمئنَّ الفؤاد حيال الشعراء، مستهدياً في ذلك بالنص القرآني العظيم الذي وصفهم أجمل وصف وأبلغه! ورغم ذلك، أجزم أن لكل منهم الحقَّ فيما اصطفاه لنفسه، وفي قدر من الكبرياء المقترنة بذلك لا يجوز أن تلغيها أو تهمّشها مقارنةٌ ساخرة كهذه!
* *
الشاعر لا يرضى أن تقترن (مهنة) التغريد بالعواطف، بما يدور في سراديب السياسة ودهاليزها، الظاهرة والباطنة، فهو يصافح الشمس دفْئاً، ويعانق القمر رقّةً، ويحاكي البحر شفافيةً وشمولاً، فأين السياسة والسياسيون من كل هذا؟!
* *
والسياسيُّ بدوره يكره أن تُقَارنَ مهنةُ (تقرير المصائر) بالعزف على أوتار القلوب، لأن السياسة، مضمونا ومنهجا، تخاطب العقل وتتعامل معه، وتبدأ به وتنتهي إليه، فأين دورُ القلب في السياسة!
* *
رغم هذا كله أقول:
1 إن قراءتي المتواضعة للتاريخ علّمتني أن بعض من تضمّهم ساحة السياسة الدولية يقولون ما لا يفعلون، وأنّ لهم في كل واد شأناً يهيمون به ويلعبون، مثلهم في ذلك مثل معظم الشعراء!
* *
2 وعلّمتني أيضاً ان السياسة في بعض وقائعها وايقاعاتها، كالشعر، لا يقوم لها أثر، ولا يستقر لها معنى، ما لم تقترنْ بشيءٍ من غلو، وشيءٍ من غموض، وشيء من ترف القول أحياناً، وإذا كان بعض نقّاد الأدب يقولون إن أعذب الشعر أكذبه، فإن الخبراء بشئون السياسة الدولية يقولون إن السياسي المبدع هو الذي لا يقول سوى نصف الحقيقة، ورغم ذلك يبالغ فيما يقول إلى حد الذي قد يحمل الدهماءَ من الناس على الاعتقاد بأنه يقول الحقيقة كاملةَ!

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved