أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 27th August,2001 العدد:10560الطبعةالاولـي الأثنين 8 ,جمادى الآخرة 1422

مقـالات

رسالة إلى فخامة الرئيس ياسر عرفات
إعلام «الانتفاضة الثانية» يترنح
د. علي بن شويل القرني
هل نحن العرب فعلا كما قال موشي ديان« شعب لا يقرأ» أو كما قاله غيره قبل ذلك وبعد ذلك بأننا لا نقرأ او نستفيد من معطيات الاعلام والمعلومات المتوفرة امامنا وحولنا..
ربما يكون هذا صحيحا، وربما لا يكون، ولكن الحقيقة دائما أننا نقف بعيدا عن التعاملات الصحيحة مع الإعلام، دون أن يتأسس لنا رغم تجاربنا المريرة قاعدة قوية وأسس متينة من المعارف المتمكنة والممارسات المتقنة في ميدان الإعلام.
نحن العرب لدينا قضية، ولكن لا نستطيع أن ندافع عنها.. هذا باختصار هو جوهر مشكلتنا مع الرأي العام العالمي.. فقضايانا صحيحة، ومواقفنا صادقة ولكننا غير قادرين على أن ندافع عن تلك القضايا او نعبر عن تلك المواقف.. وهذا ما نراه متجسدا في إعلام «الانتفاضة الثانية».. المواجهة اللاندية بين شعب فلسطيني أعزل محاصر يحاول أن يخرج من طوق العزلة ويستعيد أرضه ومقدساته وحقوقه، وبين مؤسسة عسكرية إسرائيلية متغطرسة محتلة ترفض ليس فقط أن تعيد حقوق الفلسطينيين، ولكن ترفض حتى التحدث اليهم والتفاوض على جزئيات من هوامش القضية.. هذا الموقف المضيء كأشعة الشمس، الناصع كبياض الثلج، الساطع كسيف الحقيقة لم يكن بمقدور العرب عامة والفلسطينيين خاصة أن يعكسوه إعلاميا ويحولوه الى موقف ورأي عام عالمي..
المعادلة التي نشاهدها اليوم على صفحات الإعلام العالمي نتيجة جهودنا الإعلامية هي أقل بكثير من المستوى المطلوب، وهي لا تمثل الا رهانا خاسرا وسباقا متواضعا امام المنجزات الإعلامية التي تكرسها اسرائيل وتعمق صورتها وتبني رؤيتها في الساحة الدولية والمخيلة العالمية.. إن أقوى دليل على أننا نقف في مستوى أقل وبدور أدنى هو المكانة التي لم نصل اليها في موضعة قضيتنا وترسيم موقفنا على الساحة الدولية.
نحن ربما نجحنا في الوصول الى الرأي العام العربي والى درجة أقل الرأي العام الإسلامي، اما الرأي العام العالمي عامة والأمريكي خاصة فنحن لا نزال بعيدين عن ذلك.. كما أن امكانية اختراق الرأي العام الإسرائيلي هي صعبة للغاية حكما من المعطيات العامة التي نشاهدها..
وقد صدمتني القرارات التي تمخض عنها اجتماع وزراء الإعلام العرب الذي عقد مؤخرا في القاهرة، حيث توقعت الشعوب العربية أن تحدث هزة في مستوى الأداء العربي نتيجة هذا الاجتماع الحاسم، الا أننا فوجئنا بأن القرار الرئيسي هو ارسال الدكتورة حنان عشراوي الى بعض العواصم العالمية لشرح القضية الفلسطينية.. وأعتقد بأن الكرة التي أراد الفلسطينيون أن يرموها الى الساحة العربية أعادها العرب الى الساحة الفلسطينية.. ونحن هنا لا نقلل من المساحة المهمة التي تحتلها الدكتورة عشراوي كمتحدث باسم السلطة او الانتفاضة، ولكن نرى أن هذه الخطوة غير كافية لتجسيد المعاناة وتنوير الرأي العام العالمي بما يدور في شئون القضية الفلسطينية والعربية..
ويظل السؤال الرئيس في هذه المسألة ماذا يمكن أن نصنعه في ميدان الإعلام لصالح الانتفاضة الفلسطينية؟ ونحن كإختصاصيين في مجال الإعلام وتكوين الصورة الذهنية نرى بأن المساحة تظل مفتوحة والفرص هي مواتية لصناعة إعلام الانتفاضة بما يتمشى مع تحقيق الأهداف وتعزيز مكانة القضية وتكريس مفاهيم وخصوصية الوضع الانتفاضي للقضية. وربما نسعى في هذه العجالة الى إيضاح بعض الأخطاء أو الاجتهادات الإعلامية التي كرستها تجربة العشرة أشهر الماضية:
1 لا توجد هناك جهة مركزية عامة تخطط للنشر والبث عن أخبار الانتفاضة.. فيوجد متحدثون رسميون وغير رسميين يلوكون أخبار الانتفاضة بكل الطرق التي يجتهدون فيها.. ولربما إذا عددنا الأشخاص الذين تكلموا باسم الانتفاضة يمكن تسمية مئات بل ألوف منهم.. بينما تحتاج العملية الى جهة واحدة تتخذ قرارا اعلاميا واحدا، وليس جهات عديدة لا يمكن التنبؤ بما تقوله وتبثه..
2 هناك رسائل إعلامية متضاربة حول حدث واحد وموضوع واحد، فهذا ينفي وذاك يثبت.. وهذا يعلن وذاك يشجب.. فهذه الرسائل المتضاربة تأتي بطبيعة الحال نتيجة تعددية المصادر الاعلامية التي تتوزع على مختلف الفصائل والجماعات، ومختلف المكاتب السياسية والعسكرية..
3 لا توجد هناك دراسات او تقييم علمي للوضع الإعلامي الذي تعيشه الانتفاضة، ولو تم ذلك لكان بالإمكان تصحيح بعض الأخطاء الإعلامية وتسييرها الى الوضع الأنجح لخدمة القضية الفلسطينية والعربية.
4 المعلومات التي تتناقلها وسائل الإعلام ووكالات الأنباء عادة ما تصبح سلاحا سياسيا وعسكريا توظفه اسرائيل لخدمة آلتها السياسية والعسكرية وشحن الرأي العام الداخلي والخارجي لديها لخدمة مخططاتها التوسيعة المستمرة.. فما نشاهده اليوم من تغطيات اعلامية للنشاط الانتفاضي هو رجع صدى وتغذية مرتدة مطلوب للعسكريين الإسرائيليين.، وتساعدهم دائما على تحديد الخطوة القادمة التي يضربون بها السلطة او الجامعات الإسلامية او الوطنية او الشعب الفلسطيني عامة.
5 لاتوجد هناك طريقة عرض مناسبة من قبل الفلسطينيين لتقديم ملخص العمل الميداني الانتفاضي، فتارة تأتي من شخص في مكتبه، وتارة على شكل تصريح صحافي بمناسبة زيارة رسمية، وتارة ثالثة مقابلة إعلامية، وتارة أخرى تغطيات حدثية مباشرة من الشارع او الميدان.. فلا توجد لحظة توقع اعلامية لتلخيص ما يدور على الأرض.
6 على الرغم من وجود تغطيات مبعثرة ومتناثرة، الا أنه لا توجد تسجيلات مصورة لوقائع وأحداث مؤثرة ميدانيا. فلحظة «محمد الدرة» لم تتمكن كمرات الصحافة والتلفزة ان تسجل غيرها، على الرغم من ادراكنا بانه توجد الكثير من هذه المواقف والأحداث التي يواجهها الشعب الفلسطيني، ولكن لم تتح الفرصة لأن نراها عبر الشاشات الفضية.. فالذي يحدث في الواقع يجب أن ينعكس عبر عدسات التلفزة والتصوير العالمية.
7 هناك أكثر من سلاح يمكن توظيفه لخدمة الانتفاضة، الا أن سلاح الإعلام لم ينجح كثيرا في خدمة الانتفاضة بالشكل الذي نتمناه.. وربما نصيحتنا الأولى والرئيسة هي اطلقوا وسائل الإعلام «صحافيين ومصورين ومحللين» في الشوارع والبيوت والأسواق وكل مكان حتى يمكنهم أن يسجلوا لحظات الألم الفلسطيني، ولربما تكون هناك «درة أخرى» توقظ الرأي العام العالمي.
8 لا توجد صناعة إعلامية محترفة في إعداد الرسالة الانتفاضية الموجهة الى العالم، فهي تخلو من استراتيجيات اعلامية واضحة، فلا توجد شعارات اعلامية تؤسس لفكرة وجوهر المشكلة.. وتعيد انتباه العالم الى الأصل وتبعده عن هوامش القضية. الإعلام مهما حاولنا أن نبتعد به هو شعارات ولكن ليست مثل تلك التي تعودنا عليها في وسائل إعلامنا العربي، فنحن بحاجة الى شعارات ذات قولبة سياسية تحقق هدفا واضحا، ولربما لوقت محدد، ثم الانتقال الى مرحلة أخرى من مراحل الشعار السياسي/ الإعلامي لمواجهة وضعية معينة في هذا الصراع.
9 الرأي العام العالمي لا يستطيع ان يقضي وقتا طويلا امام شاشات التلفزة ليتعرف على ما يدور بين الإسرائيلين والفلسطينيين، ولكن يمكن ان نبلغه رسالة قوية يعكسها شعار محدد لمدة معينة.. وربما يكون هذا الشعار الذي قد يكون في كلمتين او ثلاث او أربع او حتى جملة هي التي تظل ترن في ذهنية المتلقي الدولي..
10 الوضع الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية يمكن اعتبارها حالة حرب، ولهذا نحتاج أن يتحدد للإعلاميين وقت ثابت يوميا او مرتين في اليوم لإعطائهم ملخصا عن أهم ما يدور على الأرض، ويكون ذلك معززا بصور ولقطات وأرقام وربما احصائيات نغذي بها وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية..
11 الذي لم تنجح فيه الانتفاضة الإعلامية حتى اليوم هو عدم استطاعتها تجسيد الألم الفلسطيني، اينما كان.. ولربما أن أكثر من يشعر بهذا الألم هو الطفل الفلسطيني والمرأة الفلسطينية والأسرة الفلسطينية عامة.. ولا توجد أي نجاحات على هذا الصعيد الإنساني.. ونحن نعرف أن هذه اللقطات وهذه المدامع الإنسانية هي التي تبكي العالم، وتجعله ينتقض امام تجسيدات الموت والمعاناة.
12 ربما نحتاج الى تشجيع كل من يغطي وقائع الانتفاضة من الإعلاميين، ولو سعت جهة عربية او دولية بمساندة عربية أن تقوم بوضع جوائز او شهادات تقدير عن أفضل سبل التغطيات المقروءة والمرئية لكان ذلك مجالا مهما لتعزيز دور الاعلام في خدمة الانتفاضة.. فلربما لو يتم ذلك كل اسبوع او شهر، ويتم حصر كل التغطيات الإعلامية، وفق تصنيفات متخصصة، ويتم الإعلان عن أفضل صورة، افضل تقرير صحافي، أفضل لقطة تلفزيونية، أفضل برنامج، أفضل مشهد حدثي،الخ.. مثل هذه الأحداث تشجع الإعلاميين كثيرا على أن يبادروا على متابعة أحداث ونشاطات الانتفاضة.. وتسلط الأضواء العالمية على منتخبات إعلامية من التغطية الحديثة المنافسة.. وربما تقتحم وسائط إعلامية وجنود ومؤسسات صحافية وتلفزيونية جديدة من مناطق ودول ومجتمعات أخرى إلى ميدان الشارع الفلسطيني ومستويات المعاناة الشعبية..
وأخيرا ربما نحتاج الى وقفة متأنية وخلف كواليس الإعلام المتخصص في ندوات او ورش عمل تسعى الى تأسيس طريقة وقاعدة لكيفية التعامل مع الإعلام العالمي، وبما يخدم قضيتنا وموقفنا العربي.. ونحن بحاجة الى أن تدعو جهة من الجهات الإعلامية او مؤسسة من المؤسسات الإعلامية الى تنظيم مثل هذا اللقاء يجمع الممارسين الإعلاميين مع الأكاديميين المهتمين مع شركات الإعلام والعلاقات العامة المتخصصة، تحت سقف واحد، وذلك بهدف بلورة رأي متخصص وصياغة مشروع إعلامي انتفاضي يساهم في تأكيد المشروعية الفلسطينية والدفاع عن قضايانا ضد الاحتلال والغطرسة الإسرائيلية..

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved