| مقـالات
عندما أحس أنني سأكتب شيئاً أجدني مدفوعاً بأحاسيس غريبة لا أدري مصدرها، ولا كيف تكون، ولا كيف أيضاً تتكون. أجدني أركض مع الحرف، مع الورق، أسابق قدمي نحو مكتبي الصغير في مكتبتي الصغيرة، ثم أحس بفرحة غامرة، وتبدأ الأفكار تتزاحم، وقد تحرن مثلما يحرن الحيوان عندما يحاول صاحبه أن يجره إلى الأمام فلا يتقدم خطوة واحدة، وهو أي الحيوان يفعل هذا، وهو يحس أنه أقوى من صاحبه، فلو فرضنا أن هذا الحيوان جمل فكيف لرجل أضعف منه أن يجره عنوة، ولذلك جاء من منن خالقنا العظيم علينا أن سخر هذا الحيوان الضخم.. فقال: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت...) والسؤال هنا تقريري في اطار الامتنان والنعمة. إنه فعلاً حيوان مثير للفكر بضخامة جسمه، بطول رقبته، بكبر رأسه، باتساع شدقيه بهدارته عندما يستفحل بطول قدميه ورجليه، وعندما يغضب فإنه أشد انتقاماً من الإنسان صاحبه، لذلك فقد تحرن هذه الأفكار، وإذا ما حرنت.. فإنني أجدني أحير من ضب.. وجاء هذا المثل ليبين لنا كيف أن الضب إذا ما أضاع بيته وهاجمه أحد فإنه يذهب يمنة ويسرة. وسرعان ما يصاد بسهولة. لكن ما عادة هذا الحيوان أن يضع اتجاهه دائماً عندما يخرج للرعي من بيته. أن يضعه تجاه بيته فإذا ما أعجبه الكلأ وتمادى في الابتعاد.. ضل بيته فاحتار أن يذهب فصاده الصياد، والأفكار قد لا تحرن. لكنها تأتي متعثرة متجزأة يدفع بعضها بعضاً في كسل مصدره العقل. فتأتي وكأنها ولدت خداجاً فلا يكون لها صدى، ولا يكون لها لذة، ولا تكون موضوعاً هاماً وذا فائدة لكن تظل الفرحة تراودني وأنا أعشق هذه الأفكار وأحاول تجميعها وتأليفها وخلق زبدة منها.. فأخرج من فكرة إلى أخرى كما أفعل هنا في هذه الزاوية وأخيراً أجدني قد «نيشت» صدر هذه الزاوية بنيشان لا أدري مدى أصالته. حتى هذا الفعل «نيشت» جاءت هكذا، ولا أدري مدى صحة هذا الاشتقاق.. لكن مما يزين لغتنا العربية انها قابلة للتكيف مع المفكرين والأدباء وذوي الاختصاص.. أجدني أخيراً قد صغت زاوية قد ترضي البعض، وقد تغضب الآخرين.. لكن قد يجد فيها البعض فوائد لم تكن معروفة لديهم عن الجمل، والضب.. وعن حالة الكاتب عندما يريد كتابة زاوية.. فهو مثل مجود النص.. قد يقرأه مراراً ويحفظه لكنه أحياناً يحتاج إلى من يفتح عليه فيه، ومثل عالم اللغة قد يرفع المنصوب وينصب المرفوع فيقال هذا سبق لسان وهكذا.. فإن كمال القدرة والكمال كله لله رب العالمين.
|
|
|
|
|