| الثقافية
إن لأوائلنا قصب السبق في جميع ميادين الأدب.. والمتتبع لذلك يدرك أنهم قد أعملوا أفكارهم وجردوا أقلامهم فزبروا لنا تراثاً نعتز به ونفاخر.. والذي سألمح عنه في هذه العجالة عن الجهود التي خلفت لنا تراثاً أدبياً هو الدمع فقد ألف صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي كتيباً سماه «تشنيف السمع بانسكاب الدمع»، وهو كتيب لم يخرج فيه الصفدي عن ذكر الدمع ودواعي انسكابه وحيرته واندفاعه .. وقد اورد من الشواهد الشعرية ما يعد نموذجاً من ناحية الكم في هذا الموضوع والكيف من ناحية الجودة وحسن الاختيار. وهو بحق عمل يترجم معنى التخصص في البحث.
وقد جاء في مقدمته وأعني ذلك الكتيب تفسيراً لغوياً لمعنى الدمع ونصه: «الدمع»، ماء تقذفه العين من الرطوبة عندما يحصل للقلب رقة إما من خوف أو رجفة أو استغراق في الضحك أو عقيب التثاؤب وغير ذلك. وجمعه دموع في الكثرة وأدمع في القلة. مثل فلس وفلوس وأفلس. ونفس ونفوس وأنفس.. والمدامع جمع مدمع وهو مجرى الدمع نفسه مثل مركب ومراكب. والغرب مجرى الدمع ويجمع على غروب. وللعين غربان مقدمها ومؤخرها.. قال الأصمعي: يقال بعينه غروب إذا كانت تسيل ولا تنقطع دموعها. والغروب في الدمع مجازاً.
وقال في موضع آخر مبيناً تقسيم الماء من أماكنه: الماء من السحاب . سح. ومن الينبوع نبع. ومن الحجر انبجس ومن النهر فاض ومن السقف . وكف. ومن القربة سرب ومن الاناء رشح. ومن العين انسكب. ومن المذاكير. نطف. ومن الجرح ثغ. قال وقد يتجاوز في كل ذلك ويستعمل في الدمع فيقال: رشح وانسفح وهطل وهمل وهمي وهمع ووكف وذرف وقطر وانهمر وجرى وسال وانبجس وصاب وهثن واسبل واستهل وفاض وانسرب وانسكب وانسجم وتحلب وتدفق وأزنق.. ومما أورده من شواهد على الدمع قول إبراهيم الغزي:
سكرى الفؤاد وإن صحوا مرضى الهوى
والحب ما لمريضه إفراق
نطقوا بأعينهم وأفصح ناطق
دمع يفض ختامه الأشواق |
وقول مهذب الدين بن قلاقس:
حجب الدمع مقلتي فعداها
أن ترى ما يروقها ما يريق
ولآلئ دموع عيني طواف
فلما ذا غواصهن غريق |
وقول حسام الدين عيسى بن بهرام الحاجري:
ولما التقينا ومنّ الزمان
رأى دمع عيني دماً في المآقي
فقال وعهدي به لؤلؤاً
أيجري عقيقا وهذا التلاقي
فقلت حبيبتي لا تعجبين
جعلت فداءك ميتاً وباقي
فتلك أوائل دمع الوداع
وهذي أواخر دمع الفراق |
للتواصل: ص.ب 40138 الرياض 11499
|
|
|
|
|