| مقـالات
أدعو الله من صميم قلبي أن يكون تولي السيد عمرو موسى وزير الخارجية المصري السابق منصب الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية بشرى ببداية عهد عربي جديد تتعمق فيه روح التضامن العربي وتتحد فيه كلمة وإرادة وآمال العرب وتظهر فيه إلى حيز الوجود جبهة عربية قادرة على قطع يد كل من يحاول النيل من وحدتها والتصدي لكل من يسعى جاهداً لزرع بذور الفتنة والشقاق والتمزق بين الدول العربية التي تمثل أسرة واحدة لديها من مبررات القوة والوحدة والتضامن ما تقهر به كل من يتآمر ضدها. وعمرو موسى هو الأمين العام السادس للجامعة العربية طوال عهدها الذي بدأ في عام 1945 والتي رأسها بعد إنشائها عبدالرحمن عزام باشا وتبعه عبدالخالق حسونة ثم محمود رياض حتى انتقل مقرها الدائم من العاصمة المصرية القاهرة إلى تونس بفعل المقاطعة العربية لمصر بعد معاهدة السلام مع اسرائيل وعين الشاذلي القليبي أميناً عاماً لها.. وإثر استقالته بعد تداعيات أحداث الغزو العراقي للكويت في عام 1990 وحرب الخليج الثانية وإعادة الجامعة إلى مقرها الدائم في مصر اختير الدكتور عصمت عبدالمجيد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية المصري آنذاك أميناً عاماً لها. ثم جاء اختيار عمرو موسى أميناً عاماً لها وهو الاختيار الذي أثار ردود فعل وشائعات كثيرة عكست اجماعاً عربياً على اختيار ذلك الرجل.. وقد تجلى ذلك في قمة عمان الأخيرة ويبدو هذا الاجماع في جوهره إرادة عربية قوية لتدعيم دور الجامعة وميثاقها وتفعيله وإجراء تغييرات جذرية تطال أجهزتها وتعيد هيكلتها وتخلق لها دورا ظلت تبحث عنه طيلة أكثر من نصف قرن.. لقد تكلم عمرو موسى 64عاماً عن فلسفة تحديث الجامعة.. ولا خلاف على إحياء الجامعة لآلية الانعقاد الدوري لمؤتمر القمة العربية بعد أن تحقق ذلك في قمة عمان. إذن.. فنحن أمام عصر جديد لجامعة الدول العربية بقيادة عمرو موسى.. ولكن التحديات التي واجهت الجامعة منذ عقود طويلة مازالت قائمة وليس هناك حتى الآن نظام عربي عام يمكن به التغلب على كل هذه التحديات بعد أن ترهلت الجامعة وغاب دورها الفعّال لسنوات طويلة.. ولهذا فإنه يجب أن نعرف أن المتغير الوحيد في أوضاع الجامعة الآن ليس هو شخصية أمينها العام.. وإذا أمعنا النظر في المتغيرات العالمية والاقليمية والعربية فإننا نجد أننا نقف على أعتاب عهد جديد ننتظره من عمرو موسى خاصة أن المتغيرات العالمية ليست في صالح العرب إلى جانب أن التسوية السياسية مع اسرائيل قد وصلت إلى مأزق يفرض على جامعة الدول العربية تحركاً مختلفاً يفرض عليها البدء أولا في إجراء تغييرات سريعة في البنية الأساسية للجامعة التي مازال لها القدرة على إحياء دورها من جديد إذا استطاعت أن تجند كل الامكانات العربية لخدمة تطلعات الأمة العربية. والجامعة العربية مازالت قائمة تنتظر تحقيق ما أنشئت من أجله بعد الصعوبات التي واجهتها منذ نشأتها في عام 1945م وخاصة في السنوات العشر الأخيرة وكان منها مثلا محاولات إلغائها وتأسيس بديل لها، وقد جاء عمرو موسى في ظروف أفضل كثيراً من الظروف التي جاء فيها الأمين السابق لها وهو الدكتور عصمت عبدالمجيد.. فليس هناك الآن انقسامات عربية ولاحروب ولكن هناك التفاف حول الجامعة بعد أن تجمدت القمة العربية لمدة ست سنوات على الأقل وكذلك اجتماعات وزراء الخارجية العرب. لقد جاء عمرو موسى إلى جامعة الدول العربية في ظروف أفضل.. كما أنه قد تحلل الآن من قيود اتفاقيات كامب ديفيد الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط وكذلك تحلل أيضا من القيود والمعوقات الأخرى التي كانت تحد من عمله كوزير لخارجية مصر.. وبعد ذلك الاجماع الشعبي العربي على تولي عمرو موسى لهذا المنصب فإن أي فشل يحدث في السنوات القادمة سينسب له ولن ينسب للجامعة العربية.. وهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه عمرو موسى الآن والذي جعله يعلن صراحة أنه سيبدأ في بناء منظمة إقليمية «محترمة» كما وصفها هو بنفسه. ولعل الذي يساعد عمرو موسى على البدء في إنجاز دوره المنتظر هو أنه لا توجد معوقات كثيرة أمامه الآن.. فليس هناك دولة عربية تقف ضده أضف إلى ذلك أنه يتمتع بشعبية كبيرة.. وهو يعلم جيداً أن العلاقات البينية العربية مازالت في حاجة إلى مزيد من الدعم وإزالة ما بقي من الشوائب فيها.. أضف إلى ذلك أن الصراع العربي الاسرائيلي مازال معضلة تنتظر قدرة فائقة على تحريكه في الاتجاه الصحيح.. أضف إلى ذلك أن هناك مؤامرات أجنبية تستهدف «تجميد» دور الجامعة وإرباكها.. وهذه قضية تنتظر «معجزات» موسى. وعلينا جميعاً نحن العرب أن نتكاتف لدفع سفينة الجامعة العربية إلى الأمام أكثر وأكثر.. فهي في حاجة ماسة إلى إعادة هيكلتها.. وهي أيضاً تشتكي من الفقر وتأخر بعض الدول الأعضاء فيها من تسديد مئة مليون دولار من مستحقاتها وتضم كماً هائلاً من الموظفين الذين يعتبرون عبئاً ثقيلاً عليها ولذلك يجب أن تزول هذه البطالة المقنعة من الجامعة والاستعانة بكفاءات جديدة قادرة على المبادرة بالحلول الفعّالة.. كما أن الجامعة العربية يجب أن تكون بنكاً للمعلومات التي تهم كل الدول الأعضاء فيها وكذلك الدول الأخرى أيضاً وذلك عن طريق مكاتبها الموجودة في العواصم الغربية ذات الثقل السياسي الملحوظ. وهناك تزامن بين تعيين عمرو موسى أميناً عاماً لجامعة الدول العربية والقرار الذي صدر عن القمة العربية مؤخراً والذي تقرر به انعقاد مؤتمر عربي دوري يقرر فيه قادة العرب ما فيه الخير والفلاح لهم حتى يتم تفعيل دور الأمانة العامة للجامعة وتأهيلها لما هو أكبر وأكثر فاعلية. وبإمكان عمرو موسى وكل المخلصين الذين سيضعون أيديهم في يده أن يقيم روابط قوية مع المنظمات العربية غير الحكومية والتفكير في إنشاء برلمان عربي أسوة بالبرلمان الأوروبي وتكون الدول الأعضاء في الجامعة هي صاحبة الحق في ترشيح من تحتاج إليه من الأعضاء ويجب على الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية أن يعرف ان هذه هي آخر وظيفة يتربع عليها وهذا يحتم عليه أن يختم حياته السياسية التي كانت حافلة بالكثير من المواقف التي عبرت عن سعة أفقه وتألقه بعمل عربي ودولي كبير نتذكره به دائماً ونشهد له به بعبقريته وقدرته على إظهار الحق وهدم الباطل.
|
|
|
|
|