| مقـالات
أول هبات السفر ومتعه هي منحة الدهشة، ذلك الوقع الجميل والآسر والجديد في الوقت نفسه للكون فوق شبكية العين، ذلك الوادي الطازج النضر الذي يستفز أسئلتك وفضولك ويؤجج الوقع الرتيب «العاقل» الذي كنت تستقبل العالم من خلاله ويحوله إلى صناديق تلتف بغواية السر والغموض ونزعات المغامرة.
هو اقتحام أو التفاف متسول من عالم الكبار إلى عالم الصغار الممتلئ بما سيكون وبما هو قادم!!.
ولأن كل الأشياء في لبنان ما برحت ملوثة بلوثة الحرب، فإنك لا تستطيع أن تذهب هناك دون أن تنخرط في تلك الدوامة العارمة التي تلتهم أهلها وزوارهم معاً.
ولن تحتاج إلا إلى أيام قليلة لتكتشف الجانب الآخر للقصة والدهاليز الداخلية للمنزل، والتي يستبسل أهلها من أجل إخفائها عن سواحهم المبجلين حيث يدفعونهم باتجاه الضفاف القصية والمطاعم والقهاوي والأراجيل، وتنهدات البحر بين يدي الروشة، وغوايته في «المعاملتين»!! ذلك الاستبسال الذي يصنع من كل لبناني تصادفه إلى سفير أمين ومخلص جندي باسل يحاول أن يثبت لك أن لبنان «راقت» ولبنان أجمل البلدان!!!.
لكن تلك الواجهة المرممة بعناية لن تستطيع أن تحجب عنك وطن يتهاوى بفعل أزماته الاقتصادية، ووطن يرزح تحت ديون تبلغ قيمتها عشرات المليارات بحيث لو قسمت تلك الديون على عموم اللبنانين لأصبح نصيب كل مواطن عشرة آلاف دولار، على حين ان غالبية الناس هناك تعتصر بتلك الضائقة التي هي الوقود الأمثل للطائفية المذهبية والتخلص من شحن القهر والحرمان عبر نظريات ومثل وعقائد قد يكون فيه تعاليل وبلسم لحريق اللاجدوى وقلة الحيلة، في بلد تلتهم نفسها وأولادها وأعلام صغيرة تود ان تعبد طرق الغد.
هل هو الوضع الأمثل للدول الكبرى لتمرير حلولها الملائمة للمنطقة؟؟ بحيث تتحول السكاكين التي تترصد بالرؤوس إلى دولارات وأجنحة خضراء لتوطين فلسطيني لبنان «مشروع كيسنجر»، ورفع الديون عن وطن يختنق بضائقته الاقتصادية؟؟؟. ولأن الجميع في لبنان يتحدث في السياسة، ويدلي برأيه بشكل مستفز وناقم فلابد لك كسائح أن تتلمس مواقع الحروف قبل أن تشارك بحديث من هذا النوع، وأن تسأل الطرف المقابل عن اسمه كي تحدد من خلاله انتماءاته الطائفية، وبعد هذا تختار الحديث الأكثر لياقة وتهذيباً كسائح سيلتقط صورته الخاصة فقط من ثم لا يلبث إلا أن يغادر بمحفظة خاوية.وإسرائيل عندما تضرب البقاع يكون شارع الحمراء مزدحماً إلى أقصاه في مهرجان تخفيضات الأحذية الصيفي، وعصير الفواكه لم يعد أحد يهتم أو يريد أن يهتم..!! لقمة العيش أشد مرارة من أي فجعية، الجميع يريد أن يعيش ولكن لا مكان هناك. هناك يشترك الدولار مع العملة اللبنانية، هذه هي الواجهة وللدهاليز خارطتها الخاصة.. يتبع.
Email: omaimakhamis@yahoo.com
|
|
|
|
|