| عزيزتـي الجزيرة
دخل إلى مكتب سعادة المدير العام مسرعاً وفي يده بعض الأوراق التي تخصه كان يود أن ينهي اجراءاتها مبكراً.. فلم يبق على موعد الدورة التي سيلتحق بها سوى ثلاثة أيام فقط.. وما أن دخل المكتب حتى سارع إلى قبضة باب سعادة المدير يريد الدخول ومن ثم عرض معاملته على سعادته ولكنه سمع صوتاً أجش يناديه وكأنه ينهره.. انتظر لحظة يا أخ! فنظر إلى جهة الصوت فإذا بشخص يجلس على مكتب مرموق .. تحيط به التليفونات من كل جانب .. عندها سأله ذلك الرجل ماذا تريد؟ فقال له ماذا تريد أنت؟ فأنا هنا من يسأل وأنت من يجيب.. فقال له أبداً لدي معاملة أريد توقيعها من سعادة المدير .. فأجابه مدير المكتب بأن المدير العام الآن لديه اجتماع ولا يمكن لأحد الدخول عليه ولكن انتظر واجلس لعل وعسى ! فأجاب بالسمع والطاعة.. جلس المغلوب على أمره على أقرب كرسي بجانبه وانتظر .. مرت النصف ساعة الأولى.. أخذ يتململ فلديه أعمال كثيرة يريد أن ينهيها قبل صلاة الظهر.. وهي خاصة أيضاً بإجراءات معاملته.. عندها قطع الصمت بسؤال وجهه لمدير المكتب .. اعتقد بأن الاجتماع سيطول؟ فأجابه: لا أعرف... ربما فمثل هذه الاجتماعات ليس لها وقت محدد.. عاود الصمت يلف المكان ولم يقطعه إلا جرس الهاتف الذي يدوي في مكتب مدير مكتب سعادة المدير العام.. ترفع السماعة ويتمتم مدير المكتب بكلمات غير مسموعة للحظات ثم يقفل الخط.. ويعود الصمت وتتقابل العيون بالنظرات.. وتمر ساعة وربع الساعة والمراجع ينتظر وينظر في ساعته باستمرار وكأنه يشعر بأنها واقفة لا تتحرك... فجأة يفتح باب مكتب سعادة المدير العام ويخرج منه شخص واحد فقط.. ويقفل الباب من ورائه .. يشعر المراجع بالسرور لأنه بالتأكيد قد جاء دوره للدخول ..فيهم بالوقوف من أجل ذلك ولكن يعترضه مدير المكتب مرة أخرى ويقول له انتظر لحظة ويدخل إلى مكتب سعادته ويبقى للحظات ثم يخرج ويقول للمراجع.. المدير مشغول الآن لديه مكالمة تليفونية هامة وبعدها سينظر في بعض المعاملات التي لا تحتمل التأخير فقال المراجع يا أخي أنا معاملتي مهمة أيضاً ولا تحتمل التأخير .. فرد عليه مدير المكتب ولكن المعاملات التي في يد سعادته أهم بكثير مما معك.. فقال المراجع حسبي الله ونعم الوكيل ليس لي إذن سوى الصبر.. بعد دقائق معدودة ارتفع صوت المؤذن لأداء صلاة الظهر.. عندها وقف مدير المكتب وهم بالخروج وقال للمراجع يمكنك العودة بعد اداء الصلاة إن شئت فلم يجد المراجع بداً من ذلك وحمل أوراقه وانصرف .. وبعد نصف ساعة عاد المراجع ولكنه لم يجد مدير المكتب فربما هو لم ينه صلاته بعد!! بعد ربع ساعة أخرى حضر مدير المكتب وجلس على كرسيه القابع خلف مكتبه المرموق... وبعد لحظات التفت إلى المراجع قائلاً نعم ماذا تريد يا أخ؟ فقال له هل نسيتني؟ أنا من جاء إليك قبل الصلاة وطلب منك الدخول على سعادة المدير العام ...فقال له عفواً لم اتذكرك قال لا بأس ولكن هل تمكنني الآن من الدخول إلى سعادته .. فقال مدير المكتب انتظر لحظة حتى أرى.. دخل المدير إلى داخل مكتب سعادته وعاد بعد عدة دقائق.. وأخبر المراجع بأن المدير العام لديه أحد الضيوف وسيفرغ له بعد قليل.. عندها اندهش المراجع لأنه لم ير أحداً يدخل إلى مكتب سعادته منذ حضوره .. ومتى وكيف ومن أين جاء هذا الضيف؟!
ولم يعلم هذا المسكين بأن هناك باباً آخر لسعادته وضيوفه يدخلون ويخرجون منه دون أن يراهم أحد.. انتظر المراجع كثيراً ومرت الدقائق تلو الدقائق حتى قاربت الساعة على الثانية ظهراً.. وبعد لحظات دلف شخص من الباب وكان فارع الطول انيق المظهر يرتدي نظارات سوداء ويحمل على ذراعه «بشتاً» أسود.. دخل وألقى السلام فهب مدير المكتب واقفاً ورد على التحية بمثلها.. عندها توجه ذلك الرجل إلى باب مكتب سعادة المدير العام وطرق الباب طرقة خفيفة ثم فتح الباب ودخل دون أن ينبس ببنت شفة.. عندها تلون وجه مدير المكتب خجلاً من ذلك الرجل القابع على كرسي الانتظار منذ عدة ساعات وحدث ما توقع مدير المكتب حيث بادره ذلك المراجع بالسؤال.. ألم تقل بأن لدى سعادة المدير ضيوفاً ولا يمكن الدخول عليه؟ فأجاب مدير المكتب بسرعة وكأنه قد تعود على مثل هذه الأمور... هذا الرجل الذي دخل إلى مكتب سعادته يكون...؟ والمدير أعطى له الصلاحيات بالدخول إليه متى أراد وفي أي وقت .. عندها كظم المراجع غيظه وسكت في الوقت الذي كانت تشير فيه عقارب الساعة إلى الثانية وعشر دقائق .. وفجأة وقف مدير المكتب وهم بالإنصراف قائلاً للمراجع ليس لك إلا أن تنصرف وتعود يوم السبت فلا أعتقد أن بإمكانك أن تدخل على سعادته اليوم! فقال المغلوب على أمره ولكن معاملتي مستعجلة ولا تحتمل التأخير .. فأجابه مدير المكتب يا رجل ما لا ينجز اليوم ينجز غداً والصبر مفتاح الفرج .. فقال المراجع حسناً ولكن هذا الكلام لن ينجز معاملتي.. فلم يجبه مدير المكتب بشيء وتركه وانصرف.. فأخذ المراجع يضرب كفاً بكف.. فأمامه يومان لمقابلة سعادته وأوراقه لابد وأن تنجز قبل يوم الأحد .. مرَّّ اليومان بصورة ثقيلة جداً وما أن جاء يوم السبت صباحاً حتى حط المراجع رحاله في مكتب سعادة المدير العام.. ألقى التحية على مدير المكتب فرد عليه بالمثل فسأله المراجع.. أعرفتني .. فرد عليه بالتأكيد أنت من يريد الدخول على سعادته لتخليص معاملتك .. فقال له المراجع نعم.. فهل لديه أحد اليوم؟ فأجاب مدير المكتب لا.. ولن يكون هناك أحد اليوم.. سر المراجع كثيراً وقال لنفسه ضمنت الدخول اذن.. وقبل أن يكمل تمتماته بادره مدير المكتب قائلاً له في الحقيقة لا أدري ماذا أقول لك؟! فقال المراجع: خيراً إن شاء الله عسى المدير لم يحصل له شيء ولم يتعرض لأذى .. فأجابه المدير لا أبداً ولكنه لن يحضر اليوم ولا غداً .. لان لديه انتداباً لمدة يومين خارج المدينة لتخليص بعض الأمور المتعلقة بالعمل.. عندها أسقط في يد الرجل ولكنه سأل وأليس من المفروض في مثل هذه الظروف أن يقوم أحدهم بالعمل نيابة عن سعادته خصوصاً وان هناك معاملات مهمة ومهمة جداً ولا تحتمل التأخير حتى عودة المدير العام؟ وكالعادة لم يتلق أي اجابة.. فأعاد المراجع السؤال وما العمل الآن؟ فأجاب مدير المكتب ليس لك إلا الانتظار ونراك إن شاء الله يوم الأثنين القادم.... فبادره المراجع ولكن يا أخي يوم الأثنين يكون انتهى كل شيء.. فأجاب مدير المكتب «معليش خيرها في غيرها»، فقال المراجع هكذا وبكل بساطة؟! فقال مدير المكتب ماذا نستطيع أن نفعل اذن؟ ارجع إلينا كما قلت لك وبإذن الله ستتمكن من الدخول.. فأجاب المراجع المغلوب على أمره ألم أقل لك لا فائدة من ذلك.. ناهيك على أنني مشغول جداً يوم الأثنين فبادره مدير المكتب بالسؤال وما الذي سيشغلك عن الحضور في ذلك اليوم فقال سأكون مشغولاً بالبحث عن «بشت»؟!
وانصرف المسكين يجر اذيال الخيبة والمرارة .. وهو في طريقه للخروج من مكتب سعادته لمح لوحة صغيرة على جانب جدار مكتب سعادة المدير العام كتب عليها من الساعة 1 2 ظهراً مقابلة جمهور .. فنظر إليها وضحك ضحكة صفراء تنم عما بداخله من ألم دفين .. ثم نظر إلى مدير المكتب نظرة جعلته يطرق برأسه إلى الأسفل وكأنه يقول له: لا تصدق!!
عبدالرحمن عقيل المساوي
|
|
|
|
|