| عزيزتـي الجزيرة
هذه صفحتي وهذا جرحي انثره امامكم على الورق.. من الأرق.. بلا خجل.. او وجل فالكتابة عن الحب والفراق والخيبة والحرمان.. استرخاء مثير ومعذب في آن واحد.. ولكني الآن سأبحر عبر بحر مليء بالملاحظات والمفارقات العجيبة.. ولكم ان تدعوني اعيش الحزن في سرد بعض المواقف التي ركبت فيها بحر المجتمع.. مع اخي القارئ عمر سليمان الشلاش في مقاله «الخلافات بين الأخوة من أين تنشأ» في يوم الجمعة 27/5 في عدد الجزيرة «10550» وهنا أرفع علم التربية على هذا المركب عالياً خفاقاً ومعقباً على موضوع الاخ جزاه الله خيرا والذي اجاد في عرض جزئيات تعالج سلوكيات تربية الابناء.. اما أنا فأعيش هذا المجتمع واعتصر ألما لمشاهداتي الموجعة.. والتربية الناجحة مطلوبة في كل مجال.. وتحت سقف كل مجتمع.. ومن وجهة نظري الشخصية ان التربية الناجحة هي التي تؤثر تأثيراً كبيراً في سعادة المجتمع وتماسك بنيانه.. ولعلي هنا اتطرق الى تربية الاولاد واتطرق اليها من ابواب عدة.. في نظري انه يجب اعتبار عدة امور في التربية منها:
1 كيف أعمل على تقوية شخصية الطفل بحيث يجد الجو الآمن والذي يساعده علي تنمية مواهبه وصقلها.
2 كيف أعمل على تنمية الجرأة الأدبية في نفس هذا الطفل بحيث اعيش مع طفل شجاع جريء في آرائه ولكن في حدود الأدب الإنساني والخير.
3 كيف أقوي روح التعاون والحب في نفس هذا الطفل نحو اخوانه في هذا المجتمع ومن وجهة نظري الشخصية ان هذه هي اسس التربية الصحيحة في كل بيت ولنكن صرحاء بعض الشيء هل تسلك بيوتنا السبيل الصحيح والمؤدي الى التربية المثالية؟
وهل يقوم الآباء والأمهات بواجبهم نحو اولادهم بتحقيق التربية المثالية؟ كلا لعلي هنا اعرض لكم بعض ملاحظاتي والتي رصدتها لتؤيد رأيي الشخصي لعل اول مايقابلنا سوء فهم نفسية الطفل وتجاهل عواطفه فنحن لا نقدر المراحل السنية والتي يمر بها الطفل حتى يصبح رجلاً.. فمن الخطأ أن نعامله معاملة الاطفال ونستمر على ذلك في الوقت الذي تقدم به السن ونضج عقله واصبح رجلاً مما يؤثر على نفسيته وتصرفاته.. وبذلك نتجاهل ان عالم الاطفال غير عالم الرجال.. الامر الذي يدعنا نعاقبهم على الزلة بالقسوة احيانا والتشهير احيانا وقد يصل الامر الى التحقير والازدراء فلا عجب ان نسمع ان أماً تثور وتغضب لماذا؟ لأن طفلها الصغير قضى حاجته في لباسه مرتين متتاليتين؟ أو أن نسمع أن أما ضربت ابنها لماذا؟ لأنه كسر آنية زجاجية اثناء لعبه؟ وهذا هو الواقع ان اكثر الامهات يفعلن ذلك وسبق ان واجهت موقفاً بنفسي لأم مع ابنها تحاول ان تضربه لأنه قضى حاجته في لباسه اكرمكم الله واحتجت بأن عليه ان يخبرها قبل ان يقضي حاجته وان يذهب بنفسه لدورة المياه حاولت اقناعها بخطأ ماتفعل وان الطفل بمثل هذا السن انى له ان يدرك مثل ذلك؟ فأبت ان تقتنع فقلت لها «أسألي امك الم تكوني تفعلين مثلما يفعل ولدك حين كنت في عمره؟ فتضاحكت وادركت خطأها حين تجاهلت قوانين الطفولة ايضا من مظاهر التربية الخاطئة ان تلجأ الى ضرب الاطفال حين يهربون من البيت مثلا او يتأخرون في العودة اليه او يعتدون على من دونهم في العمر اخواتهم.. فمن وجهة نظري ان مخالفة الطفل لاوامر ابويه لايعد خبثاً ولا يعد من تمكن الشرفي نفسه فقد يكون هذا التصرف ايجابيا اذا ماعلمنا انه مظهر حيوية ونشاط وقوة شخصية عندها يجب ان نتعهده بالرعاية وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم «عرامة الصبي في صغره زيادة في عقله في كبره»"1" وكثيراً مايتعذر الطفل باعذار عند هروبه وتأخره ولو استطاع ان يحسن الحديث والابانة عن سبب هروبه او تأخره بلغتنا نحن الكبار لكنا فهمناه وايدناه.. وهذا هو الواقع.
ايضا من الملاحظات على اسلوبنا في التربية تخويف الاطفال حين يبكون.. ليسكتوا.. فقد تخوفهم بالغول.. البعبع «بالحرامي» الجني العفريت ونهم بضمهم الى صدورنا حين نذكر هذه الاسماء وكأننا ننقذهم منها وهذا امر خاطئ ولعل من أسوأ أنواع التخويف ان نخوفهم بالاستاذ او الطبيب او المعلمة او المدرسة وهنا ينشأ الولد جباناً يخاف مما لايخاف منه، ويخشى اشياء ينبغي ان يقدم عليها وكثيراً ما اتضايق عندما نجزع اذ واقع الطفل على الارض فسال من وجهه الدم او يده او من ركبته فتلطم الام صدرها وتصرخ وتطلب النجدة وبذلك يزداد الطفل بكاءً ويعتاد على الخوف من رؤية الدم او الشعور بالالم وكان الاجدر بها ان تبتسم وتهدئ من روع ولدها.. وتهون من الامر وتشعره بان ماحصل له امر بسيط وانه قد يتعرض لمثل هذا في مستقبل ايامه بقضاء الله وقدره ايضا لايفوتنا اننا نخطئ في تربية اولادنا ونرفض استقامة اولادنا وبناتنا وذلك باحاطتهم بكل مايؤدي بهم الى الانحراف فنسمح له برفقاء السوء وندفع بهم الى بعض المدارس الاجنبية التي لاتقيم للقيم الاخلاقية في شريعتنا وزنا ولا شأنا ونضع بين ايديهم المجلات الماجنة هذه هي الامور التي نحيط بها اولادنا ثم نطمع ان يكونوا مثلا للاستقامة ومثلا اعلى في العفة والامانة فانا اقولها لكم ومن منبر «عزيزتي» لا ألوم اولادنا وبناتنا اذا وقعوا في الفساد طالما نحن من احاطهم.. بموجدات هذا الفساد وهذا ما ألحظه بالفعل من استهتار بعض الآباء وتهاونهم وعدم متابعتهم لأولادهم فاذا وقع الفأس في الرأس اخذ الاب يحاسب ابناءه يضرب ويلطم ويمارس صنوفا من الوان العذاب والعقاب على ابنائه هذا ممن لديه غيرة على محارمه واما غير ذلك فلا حول ولا قوة إلا بالله.
تلك هي اهم ملاحظاتي على اسلوبنا في التربية اقولها بحق ما اسرعنا الى الشكوى منهم حين نراهم منحرفين او عاقين او متمردين وقد غرسنا بايدينا في نفوسهم وهم صغار بذور هذا الانحراف او العقوق او التمرد..
ومما شدني في ذلك الموضوع قصة سارق حكمت إحدى المحاكم عليه بالعقوبة وكان حكم الله في كتابه بقطع يده فلما جاء وقت التنفيذ قال لهم باعلى صوته «قبل ان تقطعوا يدي اقطعوا لسان امي» فقد سرقت اول مرة في حياتي بيضة من جيراننا فلم تؤنبني ولم تطلب الي ارجاعها الى الجيران بل زغردت وقالت: الحمدلله لقد اصبح ابني رجلا فلولا لسان امي الذي زغرد للجريمة لما كنت في المجتمع سارقاً!!
ولعل هذه الصورة تكون دليلا واقعيا قاطعا صارخا تحت سقف هذا المجتمع لتحكي واقعنا.. وواقع اساليب التربية المحكومة في هذا العصر.. وفي الختام اوجهكم واذكركم بمسؤوليتنا نحو ابنائنا وبناتنا ولنذكر قول الله تبارك وتعالى« يا أيها الذين آمنوا قوا انفسكم واهليكم نارا»«2» وقول المصطفى عليه افضل الصلاة والتسليم :«علموا أنفسكم واهليكم الخير وادبوهم»«3» وقوله: «الزموا اولادكم واحسنوا ادبهم»«4».
والله من وراء القصد
سليمان بن ناصر عبدالله العقيلي
القصيم المذنب
(1): عُرامة: أي طبيعته وحيويته رواه الترمذي الحكيم في نوادره. (2): سورة التحريم الآية «6». (3): اخرجه عبدالرزاق وسعيد بن منصور وغيرهما. (4): رواه ابن ماجه.
|
|
|
|
|