| مقـالات
ربما كانت مسائل العدل نسبية ولكن لها أيضا حداً أدنى لا يقبل المساومة، ويرفض التلاعب بكرامته وحرياته وان اي استغلال مناف للحقوق الشرعية يعتبر انتهاكاً لكل ماتعنيه الكرامة الإنسانية من معنى. وأنا بصدد عمل اخلاقي تربوي ضد ظاهرة اجتماعية على نطاق واسع يعنى بمشاكل الطلاق. فمن خلال عملي كأخصائية نفسية، يتطلب مني الخوض في مشاكل الآخرين لحل مشاكلهم وذلك للمضي قدما نحو نشاط موجه وسوي، فلم تكن تستهويني قضايا المرأة الفكرية أو الأدبية، مثل عمل المرأة ودورها في المجتمع والمساواة مع الرجل وأشياء أخرى تدخل في سياق الفروقات الجنسية، لأنني على علم بأن المرأة والرجل نصفان يكمل أحدهما الآخر، وهكذا حللت الإشكال بهذه الفكرة البسيطة وأدركت ان العلاقة بينهما علاقة وظائف مختلفة وضرورية على عاتقهما، ومن هنا نظرت إلى العلاقات الزوجية مثلما ينظر إلى خلية النحل حيث العمل في انسجام تام، ولكل دوره المنوط إليه بعيدا عن ثرثرة الغوغائيين وتشدق البعض بالحكمة وسهرات المهاترات التلفزيونية، لأننا بذلك نصنع الفرق فعلا والجدير بالملاحظة أنني أجد أغلب قضايا الطلاق كانت وليدة الزيجات العشوائية، ان صح التعبير بالطريقة التقليدية والتي كانت تصلح ربما في أزمنة مختلفة وفي عشائر مترابطة كانت فيها الالتزامات الأخلاقية تأخذ منعطفاً آخر، فالرجل يعرف بأنه من العار التخلي عن إكرام الضيف ونصرة المظلوم وما إلى ذلك من تقاليد عالية الهمة وإلا سيكون عارا على المجتمع الذي نشأ به، أما الآن فربما قد أخذ الرجل البعض من اشكال المبادئ القديمة ولكن دون الالتزام بماهية العهد فما كان دارجا سلفا ربما لاينجح في ظل التغيرات الاجتماعية والأحوال البيئية، ففي الزمن القديم كان الناس يتباركون بالقليل وكانت النفوس هادئة المزاج وكان التفاهم سهلا بين جميع الأطراف ولكن اليوم أصبح الفرد منعزلا ضائعا في زحمة الحياة العصرية، الأمر الذي لايقيده كثيرا بصفات الرجولة الحقيقية ففي الزمان الذي كنت تطرق فيه باب جارك بدون موعد وتتعشى معه ويقدم لك كل ما لديه من خير، أصبح الأمر الآن شديد التعقيد فربما كان الموعد مع جارك اكثر تعقيدا من مقابلة الوزير! ولو اتصل عليك قريب ربما تتساءل بدهشة ماذا يريد هذا؟ وأصبح من السهل ان يتبجح البعض ولايرد على اتصالاتك في المناسبات ويخبرك بعدها بقوله لك خلك (فري) أي عادي! والزيجات التقليدية المعروفة ليس لدي اعتراض عليها، فالمبدأ واضح والنية مقرونة على الخير والحمد لله إنما النية تحتاج إلى العمل الجاد للعيش في حياة اكثر عدلا ورحمة ونورا والمقياس في المنظور الإسلامي قائم على العدل والمساواة فكل اعطي حقه في الارث والتكليف والأحكام تطبق على الطرفين بمبدأ العين بالعين والسن بالسن، فمن العدل أيضا ان يتشارك الطرفان الثواب والعقاب، وهذه القيم الجوهرية تدل على حقوق الأفراد من الجنسين وأخص بهذا المقال النسوة المطلقات فالواضح ان المجتمع له مقاييس خاصة للتزاوج حيث تفضل في غالب الأحيان الفتاة الصغيرة في سن مبكرة وهذا الفعل يعزونه إلى العصمة في كنف رجل يحميها من بدع وضلالة شر الأيام، وغالبا ما تكون أسرة تلك الفتاة الصغيرة قليلة الوعي، وترضى الفتاة بأي شخصية تفرض عليها، لمجرد ان تجرب النقلة الحياتية من عزباء إلى متزوجة وبعد ذلك تبدأ بحملها الأول وهي في سن مبكرة وهذا أمر مقبول، والحقيقة ان تلك الفتاة غالبا ما تبدأ الاعتماد على هذا الرجل لحمايتها والانفاق عليها وفي ذلك الانفاق درجة القوامة، مما يجعلها امرأة لا تفقه شيئا خارج البيت وهذه المرأة مطلوبة بشكل كبير في المجتمعات العربية ولا بأس في ذلك فالرجل العتيد يرغب في المرأة الطيبة المستكينة، إذا صح التعبير لكن ما يحدث ويثير الجدل ان سنوات الصبا والشباب غالبا ما تذبل بسرعة وهذا هو قانون الزمن فلا شيء يبقى على حاله، وبعد ان يذهب بريق الجمال أو الصبا لدى المرأة تفقد اهتمام الزوج وقد مات ذووها، كما هو مقدر سلفا، وطلقها زوجها الذي لن يكون مسؤولا عنها بعد اليوم فهي غير مناسبة له فقد تحمل جهلها واستكانتها وطاعتها العمياء ورتابتها فترة طويلة يجهل هو أسباب تحمله إياها ولا يتذكر انه الجاني عليها والسبب في تخلفها وأخذ بعد ذلك يتمنى إحدى المذيعات في القنوات التجارية لما تحمله من شخصية وأناقة وثقافة ويتحسر على نفسه وشبابه (علما بأنها قبيل الزواج كانت مبتكرة وطموحة ومتفائلة) وقرر الطلاق فجأة، وارسالها إلى بيت خالها وربما عمها وربما أخيها من الرضاعة، وفي النهاية تخلص من كابوسه المفزع فقد قرر عليها الإقامة الجبرية طيلة عنفوان شبابها ولم يكن يسمح لها بالاختلاط بالقريبات والصديقات فهو رجل غيور من الطراز الأول وهو الآمر الناهي لتجد المسكينة نفسها ضحية التخلف والوحدة والكآبة والفاقة والخوف والأمراض النفسية التي ليس لها حل نفسي بقدر ماهو حل مادي، أما هو بطبيعة حالته الاقتصادية فإنه لا يستطيع ان يفتح بيتين ليكتفي بما أطعمها خلال بضع سنين خلت، ولن يجد هذا الزوج (عذرا فلا أقصد جميع الرجال بل ان هناك نماذج مشرفة ومساندة للمرأة وهم خير رجال وهم الأغلب ولكني أقصد هنا بعضاً منهم) وهذا الزوج موضوع المقال لن يجد رادعاً له أو حسيباً أو رقيباً وهنا منطق عجيب فعندما كانت زوجة له كان قد عزلها تماما فلم تتلق التعليم المناسب ولم تندمج مع أسرتها ولم تخطط لمستقبلها بل اكتفت بالانصياع والطاعة لأوامر الزوج وهي بذلك قد حققت شرط المرأة الصالحة وتحياتنا لها فيما ابلت له ومن أجله بلاء حسنا، فالقصد أساسا من التزاوج هو كفالة المرأة في عهد رجل ولكن عندما يتخلى هذا الرجل عن كفالته لها ببساطة متناهية في وقت أصبحت فيه أحلام المرأة تلك مرتبطة ارتباطا وثيقا بهذا الرجل فهو يفكر عنها ويتصرف بدلا منها وقد سلبها عقلها تماما مع الوقت. واليوم يستبدل الزوجة القديمة بزوجة حديثة وكأنه خلع ثياباً قديمة وارتدى ثيابا جديدة لا أقل ولا أكثر ناهيك عن هذا الرجل لو أنه كان متسلطا أو سادياً أو صلفا أو مجنونا أو أنانيا وغالبا ما يكون متبجحا مغترا بعضلاته المفتولة وصوته العالي وأغلب النساء يتحملن ذلك لأجل تربية الأطفال في كنف أبيهم ولونصحها ناصح بتركه لأشفقت على أطفالها من الشتات ولخافت من أن تحرم منهم والأدهى والأمر في ان لا تجد لنفسها ملاذا آخر. إنها مسألة أخلاقية محضة تتعلق بإنسانية الإنسان وخوفه من ربه وعدله مع نفسه وإنصافه في عمله، وهذه الأخلاقيات نسبية ولكن لها حد أدنى وللوعي فيها دور كبير وضرورة حتمية، وحرصا على إنصاف عام يتعدي حدود التلاعب بمقدرات الأنفس المعطاءة قليلة الحيلة، يتوجب على المنصفين حماية المغلوب على أمرهن حيث ان التدخل بين زوجين مسألة صعبة المراس لما تحتويه من لغط وتقول وكذب وتلفيق في بعض الأحيان وجحود وتخاذل في أحيان أخرى، فالفراغ العاطفي والذهني كفيلان بأن يصنعا العداوة والبغضاء أما الشرف الذاتي (اخترت هذه الكلمة للدلالة على رقي النفس وتهذيبها تلقاء نفسها) فهو النظرة الثاقبة للضمير الحي الذي عمل وفق معايير دينية وانسانية سمحة وكريمة فالشاهد الوحيد في إهانة النفس إلى النفس هو رب العالمين وهو الحسب ونعم الوكيل. لذا كان الامر مطروحا لمراجعة النفس ولذوي العدل والإنصاف وذلك بتخصيص منازل خاصة للمطلقات تحميهن من القهر والسؤال فعندما تطلق المرأة في ظل الظروف التعسة بدون وجود عائل أو مكان خاص لها يساهم في حفظ ماء وجهها وليس لها مرشد ولا نصير تخيلوا اي مصير ستؤول إليه؟ هل تنتقل للعمل كخادمة في أحد بيوت الأقارب أم تتزوج بمن هو أسوأ من الأول أم تتسول في الشوارع أم ماذا؟ فكل شيء في المرأة عورة. أوليس العورة وكل العورة في الحاجة الماسة للأمن والاستقرار؟ والثقة بالعالم والأشياء الجميلة التي منبعها التوازن النفسي فان انعدم الأمن انعدمت معه بهجة الحياة ونشأت الأحقاد ونشأ معها جيل لايثق بالاخاء والمحبة وربما نشأ جيل مشوه لايعير للحياة أي احترام. واطرح بين أيديكم هذه القضية علها تجد صدورا رحبة لدعمها من رجال آباء ونساء فاضلات لترسيخ العدل في ظل سماحة شريعتنا الغراء...
*اخصائية نفسية
email:nadaaleasa@yahoo.com
|
|
|
|
|