| الريـاضيـة
كنت اتصفح (الجزيرة) صباح يوم الثلاثاء وكعادتي كل يوم، فكانت المفاجأة المدوية كالصاعقة بعنوان يقول: (محمد يوسف الدوسري) الى رحمة الله، وسألت نفسي هل مات محمد الدوسري فعلا؟ هل غاب ابو يوسف الى الابد؟ هل لن نراه ثانية؟ لكنها سنة الله في الحياة، ولكن السؤال المهم ما هو الرصيد الحقيقي الذي تركه هذا الرجل؟ انه الأدب الجم.. انه الخلق الرفيع.. انه الاحسان الى الجميع من عرف ومن لم يعرف.. لم ينل طوال حياته سوءا.. طيب المعشر.. لا تراه دائما الا مبتسماً حتى في مرضه، فرحم الله أبا يوسف رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
اتصلت عليه (رحمه الله) بعد اجراء العملية الجراحية المعقدة قبل اشهر في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، وفاجأني بالسؤال عن حالي قبل ان أسأله عن حاله، وكان يحاول ان ينتزع الكلمات انتزاعا حتى لا يشعر المتصل انه يتألم، فهكذا كان محمد يوسف الدوسري، ثم خرج وغادر سريعا الى الدمام وعندما هاتفته ثانية قال انا بخير وهذا عارض بسيط سأعود الى العمل قريبا، وفعلا عاد ابو يوسف ليفرح محبيه لكنه كان يتألم من الداخل والخبيث يفتك به يوما بعد آخر، وهو يقول لكل من سأل: أنا بخير، انها عزيمة الرجال رحمه الله.
تمالكت نفسي وأنا في مكتبي لأحجز دمعة ليست غالية على مثل هذا الرجل الذي صنع رصيدا من الاصدقاء والزملاء لا يملكون له الا الدعاء بالرحمة والمغفرة.
حينما فرغت من قراءة خبر وفاته رحمه الله عادت بي الذاكرة الى الوراء قبل ثمانية عشر عاما حينما كنت مسؤولا عن الشؤون الرياضية بمكتب (الجزيرة) في بريدة، وحتمت علي مواصلة الدراسات العليا أن أكون مع الزملاء في المركز الرئيسي وبقيت عاما كاملا، وكان الزميل محمد العوام رئيس القسم الرياضي حينها (نائب رئيس تحرير جريدة الشرق الاوسط حاليا) كان قد كلفني بمتابعة الصفحة الرياضية يومي الاحد والثلاثاء مع الصف والإخراج والمونتاج حتى صدور الجريدة في طبعتها الاولى وكان القسم يضم كوكبة من الزملاء كان منهم الاستاذ علي السمحان، أحمد الرشيد، احمد العلولا، عبدالرحمن الزيد، محمد السياط، كما كان يجاورنا بعض المسائيين في بداية صدورها وفي مقدمتهم الاستاذ خالد الدلاك، سعد المهدي، واسماعيل الصالح، وكنا نتابع مع مكتب الجريدة في المناطق مشاركات الزملاء، ومنهم عمر باهذيلة من جدة، وحمود السلوة من حائل، وعبدالله الملحم من الاحساء، وصالح الحمادي من ابها، وعلي الاحمدي من المدينة المنورة، ومحمد يوسف الدوسري (رحمه الله) من الدمام، وكان (ابونواف) الزميل محمد العوام رئيس القسم يعامل ابا يوسف معاملة خاصة وكنا نغبطه رحمه الله على ذلك كما كان يسميه الثلاثي الذهبي لأنه كان لا يرضى ان يُذكر اسمه ثنائيا مهما كان السبب، كما انه هو الوحيد الذي يملي اخباره من الدمام بالهاتف ولا يقتنع بالفاكس نهائيا، وقد كلفني ابو نواف بالكتابة معه بالهاتف، حتى كنت اكتب معه احيانا اكثر من عشرين صفحة ولا امل من ذلك لأنه (رحمه الله) يمضي الوقت بالدعابة ويتضايق اذا احس انه اثقل على احد حتى انه احيانا يقول لي انتهى ما لدي وهو يحمل اخبارا هامة، كل ذلك خشية ان يثقل علي، فكان ابو نواف بحسه الصحفي يتصل عليه ثانية ويطلبها منه، ولذلك عرف ابو يوسف بين الجميع بأنه يكره الأنانية وحب الذات كما كان يحب الخير للجميع، ولا انسى انه الوحيد الذي لا تُراجع أخباره بل الى الصف مباشرة بتوجيه من أبي نواف حينها.
والحديث عنه لن يوفيه حقه حتى لو سودت جميع الصفحات ولكن عزاؤنا هذا الجمع الكبير الذي حضر جنازته. رحم الله الأخ محمد يوسف الدوسري وجبر مصيبتنا فيه وألهم زوجته وأولاده وذويه الصبر والسلوان انه سميع مجيب، ولا نقول إلا ان العين لتدمع وإن القلب ليخشع وإنا لفراقك يا ابا يوسف لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي الرب (إنا لله وإنا اليه راجعون).
عبدالرحمن الفراج
بريدة
zeberah@hotmail.com
|
|
|
|
|