| الاخيــرة
انشغلت الشعوب المعاصرة بالحديث حول مصطلحات فكرية جديدة مثل الحداثة، العولمة، العلمانية، الديمقراطية، التجريدية، البنيوية.
وانقسم الناس حولها بين مؤيد ورافض، أو بين الأمرين، ولست بصدد الحديث عن كنهها تجنباً للوقوع فيما أنوي التحذير منه، ولقصور فهمي حول بعض خفايا بعضها. ولأني أربأ بنفسي عن أن أضيع وقتي في الجدل حول ما لا يفيد.
وعامة الناس تحتاج إلى الفكر الذي يحقق لها عيشة كريمة، من خلال توفير فرص الاستثمار والعمل، ولا أظن أن الجدل حول هذه الفلسفات قادر على تحقيق المآرب، أو أنها السبيل لتحقيقه. وقد تلتمس لبعض شعوب العالم عذراً في جدلها حول هذه المصطلحات لأنها قد حققت مبتغاها في توفير الحد الأدنى من التقدم المادي، فطرقت هذا الباب ليسير جنباً إلى جنب في خضم التطور الفكري المتوازن بين العمل المادي والجدل الفكري.
إن العمل المادي المستمر هو ذلك الذي يوفر المأكل والمشرب والمأوى والملبس ووسيلة النقل وسواها، وهو الذي تحتاجه كثير من شعوب العالم حتى لا تبقى لاهثة وراء من يمد لها يد العون.
ولا أظن دندنتها حول تلك الأحكام بمجدية حتى لملء الفراغ الفكري. لكون الفكر يحتاج إلى قوت ينمّي العضلة ويرفع من الحضور الذهني. وألذّ القوت وأشهاه ما جاء بعد العرق والجهد والبحث بين طيبات الكتب لزيادة في الإنتاج وخفض في التكاليف وقدرة على المنافسة في سوق عالمي كبير.
عندما توسعت العباسية واستقر أمرها، وتمازجت الحضارات مع بعضها، وتوفرت لقمة العيش الكريمة للكثير من الناس، ظهرت بعض الأفكار الجدلية مثل المنعزلة، والجبرية، والمعطلة، والأشعرية، وسواها. ثم ما لبثت أن سادت قليلاً ثم غفت، وبعد أن أخذت الدولة العباسية في الأفول، بقيت تلك المصطلحات في سبات عميقة ولعلها تبقى كذلك. وفي عصرنا الحاضر أصبحت وسائل الإعلام من صحافة، وتلفاز، ودور نشر تطرق الأبواب ليل نهار، تبحث عن مستمع وقارئ، وكان لهذه المصطلحات الحديثة وجود على موائد ساخنة تقدم في أطباق يسلب بريقها وبهاؤها الألباب. فاكتفت بعض شعوب العالم بالغرف من معينها بما لا يشبع جائع ولا يبل رمق ظامىء، بل إن بعضاً من مفكري تلك الشعوب، أخذ يمزج بين موائد تلك الأطباق بمقادير غير متوازنة فكانت اللقمة المتاحة مُرْة المذاق لا طعم فيها ولا رائحة. وأخذ البعض منهم يشغل نفسه وغيره بذلك المزيج الغريب.
إن كثيراً من الشعوب تحتاج إلى معرفة المعارف ذات الطابع الإنتاجي، وتوظيفها للإنتاج حتى تكون قادرة على العيش بكرامة في ظل المعايير العالمية الحديثة. كما أنها تحتاج إلى ترك إشغال نفسها بهذه المصطلحات الجدلية التي لا طائل منها في ظل أوضاعهم السائدة.
وغذاء الروح والفكر ميسر ومتاح في تعاليم الإسلام التي لا تحتاج إلى الجدل لكونها متمشية مع الفطرة الإنسانية، ولكونها سبيلاً بلا ريب لأن يعيش الإنسان عيشة كريمة مع غذاء روحي نقي لا شائبة فيه.
|
|
|
|
|