| أفاق اسلامية
إعداد يوسف بن ناصر البواردي:
أكد فضيلة الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام أن من أهم الوسائل الموصلة إلى الراحة الأمنية من كافة جوانبها، دون كلفة أو تجنيد وإعداد، هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم. موضحاً فضيلته أن ذلك عماد الدين الذي فضلت به أمة الإسلام على سائر الأمم، والذي يسد من خلاله خوخات كثيرة من مداخل الشر على العباد. فبالنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتكاتف الجهود، ويلم الشعث، ويرأب الصدع، وتتقى أسباب الهلاك، وتدفع البلايا عن البشر.
جاء ذلك في الخطبة التي ألقاها فضيلته عن حقيقة الأمن وأنواعه، ونظراً لارتباطها بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صمام أمان المجتمعات الإسلامية الذي تطرق فضيلته لأهميتها أحببنا أن نعرضها ليستفاد منها.
فقد أشار الشيخ الشريم في خطبته أنه في ظل الأمن والأمان تحلو العبادة، ويصير النوم سباتاً، والطعام هنيئاً، والشراب مريئاً، الأمن والأمان هما عماد كل جهد تنموي، وهدف مرتقب لكل المجتمعات على اختلاف مشاربها، بل هو مطلب الشعوب كافة بلا استثناء، ويشتد الأمر بخاصة في المجتمعات المسلمة التي إذا آمنت أمنت، وإذا أمنت نمت، فانبثق عنها أمن وإيمان ونماء إذ لا أمن بلا إيمان، ولا نماء بلا ضمانات واقعية ضد ما يعكر الصفو في أجواء الحياة اليومية.
وأضاف فضيلته قائلاً: إطراء الحياة الآمنة هو ديدن كافة المنابر، لما للأمن من وقع في حس الناس، من حيث تعلقه بحرصهم على أنفسهم فضلاً عن كونه هبة الله لعباده، ونعمة يغبط عليها كل من وهبها، ولا غرو في ذلك. فقد صح عنه أنه قال: من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها»، بضعف الأمن وانحلاله تظهر آثار خبث الشيطان، وألاعيبه هو وجنده من الجن والإنس، وإقعاده بكل صراط يوعد بالأغرار من البشر، ويستخفهم فيطيعونه، فيبين حذقه وإغواؤه، محققاً توعده بقوله: «لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم ثم لآتينَّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين»، «الأعراف: 16 17».
مشيراً الشيخ الشريم أن المزايدة على الأمن والأمان في مجتمعات المسلمين بعامة، لهو مدعاة للسخرية والفوضى، المفرزين للممارسات الشاذة والإخلال المرفوض بداهة، والمهدد لسفينة الأمان الماخرة، كل ذلك غير مستساغ شرعاً ولا عقلاً، ولا قبول له تحت أي مبرر كان، بل كل مزايدة في اختلال الأمن والأمان، إنما هو من نسيج الأعداء المتربصين بنا، وإن استعملوا في نفاذ اختلاله، اللهازم من أبناء أمتنا وأغرارهم، من أجل سلب أمن الأمة المسلمة ومقدراتها بكل ما تعنيه الكلمة.
إن المرء المسلم في فسحة من دينه عن أن يزج بنفسه في مهاوي الرذيلة ومحال الريب، ومزعزع الأمن ومخلخله إنما هو بادي الرأي يزعزع أمن نفسه ووالديه وبقية أسرته قبل أن يزعزع أمن غيره من الناس. كل هذا يبدو واضحاً جلياً، في مثل كأس خمر، أو قتل نفس، أو جرعة مخدر، أو هتك عرض، أو إحلال فساد بين الخلق، بمثل ذلك ينسلخ مواقع مثل هذه الأمور عن إنسانيته وإسلاميته، ويتقمص شخصية الإجرام والفتك، والفاحشة والإضلال بالمسلمين، فيشل الحياة، ويهدم صرح الأمة، ويوقع مجتمعه وبني ملته في وهدة الذل والدمار، فيخل بالأمن ويروع المجتمع، ويبدد أمنهم شذر مذر، إنه متى امتد شذوذ المرء ليشمل الآخرين، ويمس من أهله ومجتمعه فإنه لا محالة يعرض نفسه لحتفه بالغاً ما بلغ من العنفوان والشجاعة، وإلا فلو فكر مزعزع الأمن ملياً في مصير والده ووالدته حينما تأخذهما الحسرات كل مأخذ، وهما اللذان ربياه صغيراً، يتساءلان في دهشة وذهول أمن المعقول أن يكون من ولدناه تحت ناظرنا معول هدم لأمن المجتمع وصرحه؟!! أما يفكر مزعزع الأمن في زوجه وأولاده الذين يخشى عليهم الضياع من بعده والأسى من فقده؟! ألا يشعر بأن زوجه أرملة ولو كان حياً؟! أو ما يشعر بأن أولاده أيتام ولو كان له عرق ينبض؟! «ولْيَخْشَ الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً»، «النساء : 9».
أو لا يفكر مزعزع الأمن كيف يحل عليه الضعف محل القوة، والهم من نفسه محل الفرح، والكدر مكان الصفاء؟! حيث لم يعد يؤنسه جليس ولا يريحه حديث، قلق متوجس، كثير الالتفات، فكيف يصل إلى منشوده ومبتغاه؟! بعد أن يسأم الحياة بفعله الشاذ، الذي سيجعله قابعاً في غياهب السجون بسبب جرمه فضلاً عما يخالج أنفاسه وأحاسيسه، من ارتقاب العقوبة كامنة عند كل طرقة باب، ولاسيما إن كان في هذه العقوبة حتفه وتغييبه من هذه الحياة.
ولا غرو في ذلك، فإن في قتل مجرم واحد حياة هنيئة لأمة بأكملها «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون»، «البقرة :179». وقديماً قي: القتل أنفى للقتل.
الغارة الاستعمارية:
ويستطرد فضيلته مؤكداً أن من أجل استتباب الأمن في المجتمعات جاءت الشريعة الغراء بالعقوبات الصارمة، وحفظت للأمة في قضاياها ما يتعلق بالحق العام والحق الخاص، بل إن من المسلم في الشريعة قطع أبواب التهاون في تطبيقها أياً كان هذا التهاون سواء كان في تنشيط الوسطاء في إلغائها، أو في الاستحياء من الوقوع في وصمة نقد المجتمعات المتحضرة، فحفظاً للأمن والأمان، غضب النبي على من شفع في حد من حدود الله بعدما بلغ السلطان، وأكد على ذلك بقوله: «وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، وما ذاك إلا من باب سد الذريعة المفضية إلى التهاون بالحدود والتعزيرات، أو التقليل من شأنها. وإنه حين يدب في الأمة داء التسلل الأمني، فإن أفراده بذلك يهيلون التراب على تراث المسلمين، ويقطعون شرايين الحياة عن الأجيال الحاضرة، والآمال المرتقبة. وهم يخدمون بمثل هذا عن وعي أو عن غباء الغارة الاستعمارية على ديار المسلمين من خلال أعمال خرقاء تزيد السقم علة، والطين بلة، فيطاح بالمسلمين ، وتوصد أبوابهم أمام الحياة الهانئة الآمنة.
ومثل هذا ظاهر جلي في طرح الدعوات الصارخة لما يسمى بمبادئ حقوق الإنسان، التي تجعل من فتح الحريات وعتق الرغبات رفضاً باتا للفطر السليمة، وسبباً مباشراً تدمر به الأخلاق المستقيمة، ومن ثم يزعمون أن من خالف ذلك فهو ضد الإنسان والإنسانية وضد الحقوق الشخصية والرغبات الفردية، وهي في الحقيقة ليست من الإنسانية في شيء، ولا هي من بابتها، فلا تمت لها بخيط رقيق، ولا حبل متين، بل إن ما ينمق حول ذلك ويزوق مُرَّ العاقبة وإن حلا ظاهره، وصعب المرتقى وإن سهل ترويجه، وذميم الطرح مهما بدت للاهثين دماثته.
ويؤكد فضيلته أن دعوات حقوق الإنسان قد سفهت أحكام الشريعة، فوصفت إقامة الحدود بالسفه والحطة والغلظة. ودعاً أهلها إلى حفظ حقوق الإنسان فقتلوه من حيث أرادوا حفظ حقه، أخرجوه من القيود الشرعية حرصاً عليه، فإذا بهم في نهاية المطاف يدركون أنهم إنما كانوا ينادون بحفظ حقوق الإنسان المجرم فإلى الله المشتكى.
واشار الشيخ الشريم أن القاعدة المقررة (إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره)، ولأجل أن نعرف حقيقة الأمن وصورته فلابد أن تكون هذه المعرفة متصفة بالشمولية، وألا تكون ضيقة العطن، مستهجنة الطرح، من خلال قصر بعض الأفهام حقيقة الأمن على ناحية حماية المجتمع من الجرائم فحسب، وأن يقصر مفهوم حمايته على جناب الشرط والدوريات الأمنية في المجتمعات بعامة. كلا، فالحديث عن الأمن ليس مقصوراً على هذا التصور البسيط، إذ الحقيقة أشد من ذلك والخطب أعظم، بل إن المواطن نفسه رجلاً كان أو امرأة ينبغي أن يكون رجل أمن، ورجل الأمن ما هو إلا مواطن صرف، فإذا استحضرنا هذا التصور بما فيه الكفاية، وجب علينا بعد ذلك أن نعلم شمولية مفهوم الأمن، وأنه ينطلق بادئ الأمر من عقيدة المجتمع، وارتباطه الوثيق بربه، والبعد عن كل ما من شأنه أن يوقع أفراده في الخوف بدل الأمن والزعزعة بدل الاستقرار، فأول الواجبات الأمنية: البعد عن الشرك بالله في ربوبيته أو ألوهيته، أو حكمه، أو الكفر بدينه، أو تنحية شرعه عن واقع الحياة، أو مزاحمة شرع غير شرعه معه بالغة ما بلغت المبررات المغلوطة. «الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون»، «الأنعام:82»، الأمن بهذه الصورة هو المطلب الأول، وهو الذي تحقق به الصلة بالله جل وعلا، والتي بسببها يعم الأمن أرجاء المجتمعات، ويتحقق وعد الله لها بقوله: «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً»، «النور:55»، فكان الجواب التالي لذلك «يعبدونني لا يشركون بي شيئاً»، «النور: 55»، والشرك هنا غير مقصور على مجرد عبادة الأصنام، كما يتصوره البعض، فيخرجون معنى هذه الآية عن صور شتى في هذه الأزمنة فكلمة «شيئاً» نكرة في سياق النهي، فتعم جميع صور الشرك مهما قلت، ألا تسمعون قول الله تعالى: «فَلْيَحْذَرِ الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم»، «النور: 63»، وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله :أن الفتنة هنا هي الشرك.
الأمن الفكري:
ويؤكد فضيلته أن ما ينبغي علينا تجاه مفهوم الأمن ألا ننحيه عن مراكز القوى في مجتمعاتنا، أو نتجاهل أثر هذه المراكز في تحقيق معنى الأمن بصورته الأساس. فهناك ما يسمى بالأمن الغذائي، وما يسمى بالأمن الصحي الوقائي، وهنا ما يتعلق بالضوابط الأمنية في مجال التكافل الاجتماعي، وتهيئة فرص العمل والإنتاج، والقضاء على البطالة المثمرة الخلل والفوضى، إضافة إلى النواحي الأمنية المنبثقة من دراسة الظواهر الأسرية وما يعتريها من ثقوب واهتزاز في بنيتها التحتية، لأن الأمن بين الجنسين وبالأخص بين الزوجين هو سبب ولا شك من أسباب أمن العشيرة، وأمن العشيرة أمن للأمة المؤلفة من العشائر المؤلفة من الأزواج، فهذا الأمن المترابط هو الذي يتكون منه مزاج الأمة الأمني، كما يجب علينا ألا نغفل عما لا يقل أهمية عما مضى بل إنه في هذه العصور يعد هاجساً أمنياً لكل مجتمع ألا وهو الأمن الفكري، الأمن الفكري الذي يحمي عقول المجتمعات ويحفظها من الوقوع في الفوضى، والعب من الشهوات بنهم، أو الولوغ في أتون الانسلاخ الأخلاقي الممزق للحياء الفطري والشرعي.
وأضاف فضيلته: الأمن الفكري ينبغي أن يتوج بحفظ عنصرين عظيمين، ألا وهما: عنصر الفكر التعليمي وعنصر الأمن الإعلامي، إذ يجب على الأمة من خلال هذين العنصرين ألا تقع في مزالق الانحدار والتغريب، التي هي بدورها تطمس هوية المسلم وتفقده توازنه الأمني والاعتزاز بتمسكه بدينه، إذ إن الأمن على العقول، لا يقل أهميته عن أمن الأرواح والأموال، فكما أن للبيوت لصوصاً ومختلسين وللأموال كذلك، فإن للعقول لصوصاً ومختلسين بل إن لصوص العقول أشد خطراً وأنكى جرحاً من سائر اللصوص. فحماية التعليم بين المسلمين من أن يتسلل لواذاً عن هويته وحماية التعليم في إيجاد الآلية الفعالة في توفير سبل العلم النافع الداعي إلى العمل الصالح، والبعد عن التبعية المقيتة، أو التقليل من شأن العلوم النافعة والتي لها مساس أساس في حياة الأمم من الحيثية الشرعية الدينية، التي يعرف بها المرء ربه، وواجبه المفروض عليه، أو التهوين من شأن علوم الدين أو استثقالها على النفوس، لمن شأن ذلك كله أن تضعف المجتمعات بسببه، وأن تندرس معالم الأمن الفكري فيه إبَّان عصر التحكم المعرفي، والاتصالات العلمية والثقافية التي غلبت على أدوار الأسر والبيئات التي تنشد الصلاح العام.
أما الفكر الإعلامي فهو مقبض رحى المجتمعات المعاصرة.. به يبصر الناس وبه يغربون، به تخدم قضايا المسلمين وتنصر به وبه تطمس حقائقها وتهدر. بالفكر الإعلامي تعرف المجتمعات الجادة من المجتمعات المستهترة، المجتمعات المثلى من المجتمعات الناكبة. فما يكون في الفكر الإعلامي من اعتدال وكمال، يكون كمالاً في بنية الأمن الإعلامي واعتدالاً ، وقرة عين لمجموع الأمة بأكملها، وما يطرأ عليه من فساد واعتلال فإنه يكون مرضاً للأمة، يوردها موارد الهلكة والتيه. وحاصل الأمر أنه بنبغي علينا جميعاً أن ننظر إلى الحقيقة الأمنية من أوسع أبوابها، وأقرب الطرق الموصلة إليها، بل لا نبعد النعجة إن قلنا: ينبغي على المسلمين جميعاً ألا يغفلوا جانب أسلمة الأمن الفكري.
فالإسلام هو دين السلام، «ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين»، «آل عمران: 85». ولله، ما أعظم قول النبي لعظيم الروم: «أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم تسلم».
أفأمنوا مكر الله
وبعد الخطبة الأولى استفتح فضيلته الخطبة الثانية بحمد الله والثناء عليه ثم بين أن من أهم الوسائل الموصلة إلى الراحة الأمنية من كافة جوانبها، دون كلفة أو تجنيد وإعداد، هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، فإن ذلك عماد الدين الذي فضلت به أمة الإسلام على سائر الأمم، والذي يسد من خلاله خوخات كثيرة من مداخل الشر على العباد. بالنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتكاتف الجهود، ويلم الشعث، ويرأب الصدع، وتتقى أسباب الهلاك، وتدفع البلايا عن البشر، وبفقد ذلك أو تزعزعه من نفوس الناس، يعني بداهة حلول الفوضى وانتشار غير المبالاة المولدة للأمن العكسي، وهو الأمن من مكر الله، «أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون»، «الأعراف: 99».
بالأمر والنهي يصلح المجتمع، ويقوم الفرض الكفائي الذي يسقط التبعة والإثم عن بقية المجتمع، وإلا تحقق فينا قول الباري جل شأنه: «وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصحلون»، «هود: 117»، ولم يقل وأهلها صالحون، فإن مجرد الصلاح ليس كفيلاً في النجاة من العقوبة الالهية الرادعة.
وأضاف فضيلته الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر بين المسلمين، إنما هم في الحقيقة يقومون بمهام الرسل في أقوامهم وذويهم فبقدر الاستجابة لنصحهم تكون الحجة والنجاة والعكس بالعكس، «وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون»، «القصص:59».
مشيراً الشيخ الشريم إلى أن انعدام النصح بين المسلمين سمة من سمات اليهود، ومعرة من معراتهم الخالدة، فقد كانت مواقفهم في الصيد يوم السبت عن طريق الحيلة مشهورة، حتى أعلن الفسقة منهم بصيده، فنهضت فرقة منهم ونهت عن ذلك، وجاهرت بالنهي واعتزلت ،وفرقة أخرى لم تعص ولم تنه، بل قالوا للناهين: «لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديدً»، «الأعراف: 164»، فلما لم يستجب العاصون أخذهم الله بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فنص الله على نجاة الناهين بقوله: «فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء»، «الأعراف: 165»، وسكت عن الساكتين. روى ابن جرير بسنده عن عكرمة قال: دخلت على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والمصحف في حجره، وهو يبكي فقلت: ما يبكيك يا ابن عباس؟ جعلني الله فداك، فقال: «هؤلاء الورقات»، وإذا هو في سورة الأعراف، فقال: «ويلك ، تعرف القرية التي كانت حاضرة البحر؟ فقلت: تلك أيلة، فقال ابن عباس: لا أسمع الفرقة الثالثة ذكرت! نخاف أن نكون مثلهم، نرى فلا ننكر، فقلت: أما تسمع الله يقول: «فلما عتوا عن ما نهوا عنه»،؟ «الأعراف: 166»، فسري عنه، وكساني حلة».
مؤكداً فضيلته في ختام خطبته أنه ينبغي لأفراد الناس عموماً وأهل العلم بخاصة، أن يقوموا بواجب النصح لمجتمعاتهم وأسرهم ومنتدياتهم على الوجوه التي جاءت بها الشريعة الإسلامية حكمة وموعظة حسنة ومجادلة بالتي هي أحسن وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ثم إنه لا يمنع من التمادي في الوعظ والنصح والإصرار عليه عدم قبول الحق منه لأنه فرض فرضه الله علينا جميعاً، قبل أو لم يقبل، فإن هذا هو الذي يحفظ للأمة كيانها بأمر الله، وبه تكون المعذرة إلى الله ويكون الخروج من التبعية وسوء المغبة.
|
|
|
|
|