| مقـالات
ليس غريبا ان تقوم اي مؤسسة حكومية كانت او تجارية باصدار منشورات او اعمال صحفية دورية، الا ان الغالب على هذه الاعمال الصحفية التي تصدرها هذه المؤسسات انها تكون مقتصرة على الحديث عن المؤسسة التي تصدرها، تتابع اخبارها اولا بأول وتلحظ ما يهم هذه المؤسسة من اخبار ومصالح فتنقله عبر العمل الصحفي الذي تصدره، فيكون توجه هذا العمل الصحفي على حسب توجه المؤسسة واختصاصاتها، لكن حينما ترى مؤسسة حكومية ذات خصائص محددة تصدر عملا ثقافيا هدفه نشر الثقافة والوعي بين المجتمع، فإنك تقف مشدودا تجاه علو همة القائمين على هذه المؤسسة ورغبتهم في المشاركة في مجال الثقافة.
اقول هذا الكلام بعد ان طالعات ثلاثة وعشرين عددا من مجلة تصدرها امانة مدينة الرياض بعنوان: مدينة الرياض، صدر العدد الاول منها في شهر شوال عام: 1419ه، ولازالت تستمر الى الآن، وفي الحقيقة فقد كنت اظن انها ستكون مجلة قاصرة على تحركات الامانة وجهودها في نهضة هذه المدينة، لكني وجدتها مجلة تعنى بالامور الثقافية والعلمية المتعلقة بمدينة الرياض وتلقي الضوء على النهضة السريعة في مدينة الرياض من شتى الجوانب، في مواضيع شتى تتطرق لها هذه المجلة، التي من الصعب جداً ان استطيع في هذا المقال استعراض هذه الاعداد كلها ولكن سأكتفي هنا بالاشارة الى جانبين مهمين يمكن الحكم بهما على المجلة عموما، وهما:
الجانب الاول: اشتمال هذه المجلة على جملة من المقالات التراثية ذات الطابع العلمي وسأمثل هنا بثلاثة امثلة اخترتها من اعداد متفرقة من المجلة لأشرك القارئ معي في الاطلاع على ما تحويه المجلة من فوائد علمية:
اما المثال الاول: ففي العدد الاول من المجلة: وهو مقال جميل كتبه الشيخ حمد الجاسر رحمه الله عن مدينة الرياض، تحدث فيه عن الاسماء التي كانت تطلق على هذه المدينة منذ القدم الى اليوم وما مرت به هذه المدينة خلال الازمنة الماضية إلى ان استقرت في هذا العهد، وهو مقال نفيس لن يعدم قارئه من الفائدة، وكان مما لفت نظري في هذا المقال ذلك المقطع الذي ختم به الشيخ الجاسر مقاله، فإنه قال ما نصه: تلك لمحات موجزة اقتبستها من كتاب «مدينة الرياض عبر اطوار التاريخ» الذي الفته قبل اكثر من ثلاثين عاما، فأصبح مصدرا بعد ذلك لكل من تصدى للبحث في تاريخ هذه المدينة، فمنهم من عبر عن الاستفادة منه بذكره وقليل ماهم والآخرون هم الاكثرون فالله المستعان وهو يتولى الصالحين أ.ه، فأقول تعقيبا على هذا الكلام: هذا كلام حمد الجاسر وهو حي، وكثير من هؤلاء الاكثرين يستحيون من حمد الجاسر او قل: يخافون اما الآن وقد توفي فما اكثر من سيسطو على كتب الشيخ وكتاباته، والانصاف قليل والامانة العلمية تضعف فالله هو المستعان.
اما المثال الثاني: فهو ما جاء في العدد الرابع عشر وهو التحقيق الذي كتب عن «الصالونات الادبية» التي تعقد في بيوت بعض المثقفين بمدينة الرياض، وفي الحقيقة فهذه المجالس هي جزء من الحركة العلمية التي تخطو بالمجتمع الى ثراء ثقافي وعلمي، وليست هذه المجالس وليدة هذا العصر بل كان العلماء المتقدمون يعقدون مجالس للمناظرة، والبحث، كتب التاريخ والتراجم حافلة بالامثلة الكثيرة، اما هذا التحقيق فقد القى الضوء على بعض المجالس التي تعقد بالرياض وان كان المقام هنا ليس مقام تفصيل عن هذا الموضوع الا ان لي مع ما كتب فيه ملحوظتين: الأولى: اظن ان كلا الكلمتين اللتين كانتا عنوانا للتحقيق محل نظر، فكلمة «الصالونات» ليست من الكلام العربي الذي اظن ان كثيرا من هذه المجالس عقدت واكبر اهدافها الدفاع عن اللغة العربية، ولو استبدلت هذه الكلمة بكلمة «المجالس» لكان اليق واولى، واما الكلمة الثانية فهي كلمة «الادبية» فهي كلمة قاصرة على جزء محدود مما تشتمل عليه المجالس، فان المتابع لهذه المجالس يرى انها تعقد للحديث عن امور شرعية واحيانا تاريخية بل حتى عن مواضيع سياسية، فقصر تسمية هذه المجالس على الجانب الادبي اراه قصورا في التعبير، فلو قيل «المجالس العلمية» لكان التعبير سليما من المؤاخذات.
اما الملحوظة الثانية التي بدت لي على هذا التحقيق فهو انه لم يذكر الا نماذج قليلة من مجالس كثيرة تعقد في مدينة الرياض، ولكن لعل الهدف من هذا التحقيق هو التمثيل فقط دون التفصيل، وان كنت اود ان التحقيق اشتمل على سرد لغالب تلك المجالس ومواعيدها، حتى تكتمل عناصر هذا الموضوع.
اما المثال الثالث الذي امثل به على الجانب العلمي الذي تحويه مجلة «مدينة الرياض» فهو ما ورد في العدد الحادي والعشرين من المجلة وهو ما كتبه الاستاذ: محمد الحمدان بعنوان: «الاصدارات الثقافية في مدينة الرياض» تحدث فيه عن جملة من الصحف والمجلات التي صدرت في مدينة الرياض وبعضها لايزال مستمراً ذكر في مقاله جملة من هذه الاصدارات وغاب عنه اصدارات كثيرة منها على سبيل المثال مجلة كلية الشريعة، ومجلة كلية اصول الدين، ومجلة الجندي المسلم، وغيرها.
هذه الامثلة الثلاثة التي ذكرتها من اعداد متباعدة من مجلة «مدينة الرياض»، ليست هي كل الموجود وانما ذكرتها للدلالة على وجود مثيلات لها احتوت عليها اعداد كثيرة من المجلة.اما الجانب الثاني الذي اردت من ذكره بيان اهمية مجلة «مدينة الرياض» فهو حرص القائمين عليها وعلى رأسهم سمو امين مدينة الرياض الدكتور: عبدالعزيز العياف، حرصهم على الرقي بالمجلة وتطويرها من جميع النواحي سواء الفنية او الصحفية او العلمية ويبرز هذا في التطور الذي شهدته المجلة في الاعداد الثلاثة الاخيرة، وهذا ما يبين موقع المجلة لدى المسؤولين في الامانة، وانها ليست عملا هامشيا تقوم به الامانة، بل هو عمل يجد المتابعة المستمرة من قبل المسؤولين، وهذا ما يزيد من قيمة المجلة ويرفع من مكانتها.شكر الله للقائمين في امانة مدينة الرياض جهدهم المبارك ونفع به وكثر من امثالهم.
|
|
|
|
|