| مقـالات
اتصل بي أحدهم مخبراً أنه وجد في صندوق بريده نشرة تنصيرية، فيها تشكيك في دين الإسلام، وتأويل للقرآن الكريم، على غير ما أنزل الله، وما علّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وقد بعثتها لك لكي تطلع عليها، وتعين في التصدي لهذه الحملات الموجهة.
وجدت عنوان هذه النشرة الذي سأوضحه للقارئ، قبل الحديث عنها وهذا عنوانه: المركز اللوثري للخدمات الدينية في الشرق الأوسط، برامج اذاعية مختلفة من اذاعة حول العالم في مونت كارلو.
دروس كتابية حول مواضيع روحية مختلفة للصغار والكبار.. مطبوعات تساعد على النمو الروحي.
أشرطة كاسيت للترانيم والمواضيع الروحية. لمزيد من المعلومات يرجى الاتصال بالعنوان التالي:
ص. ب 307 60 بيروت لبنان.. ثم وضع أرقاماً هاتفية، واسم وعنوان من يريد مراسلتهم.. مع شعار الصليب وحروف انجليزية تشير إلى الأم.
وهذه مداخل للدعوة للدين النصراني الذي أبطله الله بدين الإسلام يقول سبحانه «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين» (آل عمران 85)، وقوله تعالى: «إن الدين عند الله الإسلام» (آل عمران 19) وجميع أنبياء الله دعوا للإسلام، وإبراهيم أبو الأنبياء هو الذي سمّى أمة محمد بالمسلمين «..وما جعل عليكم في الدين من حرج، ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل..» (الحج 78) ، فهو دين الله الحق، ختم الله به الرسالة.
وإن المسؤولية الأولى تقع على موظفي البريد، إذ كيف يجعلون في صناديق البريد للجمهور، مثل هذه الخطابات وهي ليست بأسماء أصحابها، وقد حصل في صندوق بريدي الخاص، والعمل أن جاء في مثل هذا.. خاصة وأننا في بلد قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمع فيها دينان»، وأبعد عمر بن الخطاب النصارى واليهود منها.
هذا من جانب، ومن جانب آخر: فإن المسؤولية التي حمّلنا سبحانه إياها يجب أن تؤدى، في تبيين الحق وعدم الكتمان بقوله تعالى: «وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون» (الزخرف 44)..
ولما جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لرسول الله صلى الله عليه وسلم بصحيفة من التوراة، غضب عليه الصلاة والسلام وقال: أفي شك مما جئت به يا ابن الخطاب؟ والله لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي..
وعيسى عليه السلام قد بشر أمته بمحمد ورسالته، يقول سبحانه في سورة الصف «وإذ قال عيسى بن مريم يا بني اسرائيل إني رسول الله إليكم، مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد» (6)، وكان من تحريفهم في الأناجيل، التي وضعت بعد عيسى، أن أزيلت هذه البشارة، كما حرّف وعدّل غيرها، ويفضحهم في هذا انجيل برنابا الذي جاءت فيه هذه البشارة، وغيرها مما نالته أيديهم بالتحريف.. ولم يسعهم في هذا الا الطعن في صحة انجيل برنابا، حتى لا يكون حجة عليهم.. كما يوجد في مكتبة الفاتيكان مخطوطات لو ظهرت لفضحتهم.
لقد عصوا عيسى عليه الصلاة والسلام بجهلهم، في ندائه لهم بأمور، منها: أن عيسى عليه السلام يقول: إني رسول الله إليكم، فحولوه من الرسالة إلى العبودية، وقالوا هو الله، فكفروا بذلك كما قال سبحانه: «لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم» (المائدة 17)، وكفروا بقولهم ان المسيح ابن الله «وقالت النصارى المسيح ابن الله » (التوبة 30)، كما كفّرهم الله بقولهم التثليث «لقد كفر الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة» (المائدة 73).
وإننا نوجهها لهذا المركز، وللقائمين عليه، ولكل النصارى دعوة أمرنا الله بها، بأن يبتعدوا عن الكفر الذي أثبته الله عليهم، والا ستجابه لنداء الحق الذي هو من عند الله عز وجل في قوله الكريم الموجه لمحمد صلى الله عليه وسلم ليخاطبهم، بهذا النداء، وأمته تبع له، في تبليغ الدعوة، إلى دين الله الحق: «قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله« (آل عمران 64).
الكلمة السواء اخلاص العبادة لله، فلا نجعل بيننا وبينه وسطاء، ولا نشرك معه في العبادة: القولية والفعلية غيره، لاالرب يسوع المسيح، ولا أمه، ولا عزير، وهذا هو الأصل الأصيل.
فعيسى المسيح عليه الصلاة والسلام، يتبرأ من هذا العمل، وذلك الاعتقاد، لأنه مخالف لما جاء به من عند ربه. يقول الله جل وعلا: «وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم، أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله، قال: سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق، إن كنتُ قلته فقد علمتَه تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب» (المائدة 116).
فكيف تنسبون إليه ما يتبرأ منه، وتزعمون أنكم تحبونه وتتبعونه، بل هو عليه السلام، يؤكد في تكملة ذلك الجواب ما قاله لكم أولكم وآخركم، لتقوم الحجة، وتبرأ ذمته «ما قلت لهم الا ما أمرتني به: أن أعبدوا الله ربي وربكم، وكنتُ عليهم شهيداً ما دمتُ فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شيء شهيد» (المائدة 117).
فهو وأمه شهداء عليكم بهذا الاعتقاد الفاسد، وبالقول على الله بغير الحق، فكيف ترضون أن يكذب اليهود عليكم في مثل هذه الاعتقادات وتتبعونهم، ولما جاء بعض أجدادكم العقلاء، ليخرجوكم عن تبعية اليهود، وانعقد المؤتمر في مدينة نيقيا في حدود عام 382م، خالفتموهم في الظاهر لكم: كالختان وأكل لحم الخنزير، وعدم تعدد الزوجات، وعدم الطلاق. وغير هذا من الأمور التي ألزمتم أنفسكم بها، وتركتم الجوهر وهو العقيدة، وصرف العبادة لغير الله، مما أوجب نعتكم بالكفر بنص كلام الله سبحانه، وهو حق لا مراء فيه.
وعبادة الله وحده لا شريك له، هي الكلمة السواء، التي أمر الله نبيه محمداً أن يدعو أهل الكتاب إليها، وهي المهمة التي خلق الخلق من أولهم إلى آخرهم، ومن إنسهم وجنّهم من أجلها.
كما عصوا عيسى عليه الصلاة والسلام، في تبشيرهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم الذي يأتي بعده.. الذي حسده أهل الكتاب، وعاندوه، وكذّبوه، مع أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وقالوا: إنما جاء به سحر.. ووضعوا في سبيل دعوته وصد الناس عنها الشيء الكثير.. ووالوا في هذا عبدة الأصنام من العرب، وتساعدوا معهم في حرب رسول الله لإسكات صوت الدعوة، والقضاء عليها في مهدها، ولكن الله مظهر دينه، وناصر أنبياءه وأولياءه في كل عصر ومصر، لأن العاقبة للمتقين..
وإذا عدنا الى ذلك المنشور، نراه يطرح شبهاً يعتمد فيها التضليل والتمويه:
الشبهة الأولى: حول تغيير الكتاب المقدس، ونفيه أنه تغير قبل بعثة محمد، وإلا لبان ذلك وذكر في القرآن. ونقول له: ان التغيير والتبديل كان قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جاء الخبر عنهم في آيات كثيرة تبين تحريف كلام الله من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، في حوار طويل واخبار حق بسورة البقرة، وآل عمران والنساء والمائدة. يقول الله سبحانه: «فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم، وجعلنا قلوبهم قاسية، يحرّفون الكلم عن مواضعه،ونسوا حظّاً مما ذكّروا به، ولا تزال تطّلع على خائنة منهم» (المائدة 13).
وفي سورة البقرة يقول سبحانه عن أهل الكتاب: «وقد كان فريق منهم، يسمعون كلام الله، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون» (75).
وفي سورة آل عمران يخبر عنهم سبحانه بقوله: «وان منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب، وما هو من الكتاب، ويقولون هو من عند الله، وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون» (78).
بل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: حرفوا آية الرجم في الزنا في حادثة حصلت.. كما نهى صلى الله عليه وسلم أمته: أن يكونوا كبني اسرائيل فإنهم إذا زنا فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا زنا الشريف درأوا عنه الحد.. وهذا من تغيير الكتاب وما فيه من أحكام.
أما الشبهة الثانية: وهي لمصالح من الطوائف كان تحريف الكتاب المقدس: لصالح الكاثوليك، أم الأرثوذكس، أم لصالح الطوائف المستقلة.. الى آخر ما جاء عن هذه النقطة في منشورهم، ونقول له: ان دين الله واحد لا طوائف فيه ولا أحزاب، ولا تكتلات تطغى فيها الآراء البشرية.. والاختلاف الذي جاء عند النصارى مبعثه المعاندة لشرع الله، واتباع طريق من جاء قبلهم، بالاختلاف على الأنبياء، وعدم الانصياع لأمر الله اسمع قول الله جل وعلا: «وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البيّنة»(البيّنة 4)، فاليهود بدأ خلافهم وتبديلهم وموسى ما زال بين ظهرانيهم، وعيسى كذلك مع اليهود والنصارى، بل زعم أنهم قتلوه وصلبوه فأكذبهم الله في القرآن.
فعديّ بن حاتم كان نصرانياً وجاء من الشام لرسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات من سورة التوبة: «اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أمروا الا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون» (31)، قال عدى: إنا لسنا نعبدهم؟ قال: «أليسوا يحرِّمون ما أحلّ الله فتحرمونه، ويحلُّون ما حرم الله فتحلونه؟» قال: بلى. قال: فتلك عبادتهم.
فاليهود والنصارى كلهم حرفوا كلام الله، وكلهم غيّروا شرعه.. لأنهم ابتعدوا عن الأصل الذي دعوا إليه: وهو عبادة الله وحده لا شريك له، فاتخذوا مع الله شريكاً في العبادة والعقيدة.. فضلُّوا وتفرقوا فكانت الفرق التي ذكرت في هذا المنشور، وهذه الرئيسية، وتفرقت منها فروع، كل فرقة تختلف عن الأخرى، وترى الحق معها، وهم على غير الطريق المستقيم، لأن دين الله لا يخضع للمقاييس البشرية وأهوائهم، ومثل ما حصل في هاتين الملّتين، حصل أيضاً عند غيرهم، كما جاء في كتاب الملل والنحل، عند الشهرستاني، وفي الفصل في الملل والنحل عند ابن حزم، وعند ابن تيمية، بل وعند بول ديورانت في موسوعته: قصة الحضارة ذكر كثيراً من الملل عند اليهود والنصارى وتاريخ الاختلاف بينهم، فكلهم لا يزالون مختلفين لأنهم تركوا الحق واتبعوا الباطل، فنحن ندعوهم لما دعاهم الله إليه في كتبهم قبل تحريفها وهو الحق.
ورسول البشرية جمعاء محمد عليه الصلاة والسلام، أخبر عن هذا الاختلاف والافتراق، وسبيل النجاة فقال في الحديث الصحيح: «افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل من هي يا رسول الله؟ قال: من كانت على مثل ما أنا عليه وأصحابي».
والافتراق سببه نزعات النفوس، واتّباع الهوى.. وهي حكمة أرادها الله: «ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم» (هود 118).
وإن ما أشار اليه صاحب المنشور بأن آلاف النسخ من الكتاب المقدس من القرن السابع، ولا يوجد فيها اختلاف، ونقول له الواقع يثبت غير ما تقول، فمنذ 30 عاماً وجد راعي أغنام في مغارة قرب البحر الميت بمنطقة أريحا وهو يسوق أغنامه، واحدة منها قد دخلت في المغارة، فجاء لاخراجها، ووجد إناء من فخار، به جلود مطوية بها كتابة ولأنه أمي، فقد جاء بها إلى بيت لحم، ليبيعها لأصحاب حوانيت التحف، عند مدخل كنيسة المهد، فقال له واحد منهم إنها لا تساوي شيئاً حتى يزهده فيها ولكن سآخذها منك بدينارين أردنيين، وأذهب معك لتريني المغارة بدينارين آخرين.. فوافق البدوي. وشاع الخبر وهرب بها صاحب الحانوت الى الفاتيكان بإيطاليا.
لقد وجدوا الكتابة باللغة السريانية القديمة، وأنها لو ظهرت لكانت حجة على الأناجيل الحالية، وعلى ما في أيدي الناس من التلمود العهد القديم وهو الكتاب المقدس عند اليهود.. اختفى الرجل واختفت الصحف التي أثير حولها حديث طويل، وقيل إنها أودعت المكتبة السرية في الفاتيكان التي يرعاها ويحافظ عليها كبار الكرادلة.
أما قوله بأن القرآن يشهد في آيات كثيرة بصحة التوراة والانجيل. ولكن ما أورده من آيات من سورة المائدة حجة عليهم، فالانجيل الذي أوتيه عيسى صحيح ويشهد القرآن بصدقه، وتصديقه لما في التوراة، وكلنا نؤمن بالله وبملائكته وبرسله جميعاً وما أنزل عليهم من كتب.. لكن ما في أيدي اليهود، وما في أيدي النصارى فيه تعديل وتبديل، كما أوردنا شواهده القليلة.. والا فما جاء في القرآن يفضحهم كثيراً جداً والآيات الثمانون من أول سورة آل عمران، فيها إبانة عن أمور حقيقية، وخاصة فيما جاء بقصة عيسى عليه السلام وأمه، وهو مخالف لما في أيديكم اليوم من هذه الكتب، ولما أنكر نصارى نجران في جدالهم مع رسول الله، وعاندوا، نزلت آية المباهلة، التي خاف كبير نصارى نجران منها، وقال لجماعته: تعلمون أنه ما باهل قوم نبيّاً الا أهلكهم الله، فاستمهلوه، عليه السلام سنة فذهبوا ولم يرجعوا.. وهذه الآية هي: «فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم، فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسك، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين» (آل عمران 61) ونحن اليوم ندعو صاحب النشرة للمباهلة أيضاً. ولأن أهل الكتاب لم يحكموا بما أنزل الله، وغيروا التوراة والانجيل، جاء وصفهم، ومن يماثلهم ممن لم يرض بحكم الله بالفسق والظلم والكفر.
فإن كنت تعتقد صحة ما ذكرت فأكمل الآية بعدها وهي : «وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف والأذن بالأذن، والسن بالسن والجروح قصاص» (المائدة 45)، فهل أهل التوراة وأهل الانجيل يحكمون بما أنزل الله، أم أنهم غيروا حكم، وصاروا حتى اليوم يضعون المملكة العربية السعودية في قائمة المخالفين لحقوق الانسان، ويصفون أحكامها التي هي حكم الله المنزل في القرآن، بامتهان حقوق الانسان.. فهل حكمكم أحسن من حكم الله وأرأف وأعدل منه؟
وكدليل على أن التبديل مستمر في أناجيلهم، أن في أميركا اللاتينية دعوة على أشدها بتخفيف وتعديل الأناجيل، وقبل ربع قرن تحدثت صحيفة أميركية تهاجم الكنائس ورجالها وهذا قبل فضيحة القس سوجر الذي تناظر مع الشيخ أحمد ديدات وتقول لا يوجد في الأناجيل ذكر للمرأة، بينما القرآن خاطبها كثيراً وبيّن حقوقها. فتم اجتماع كنسي صدرت بموجبه طبعة من الأنجيل تخاطب المرأة.. وبذا أصبحت الأناجيل عندكم تغير حسب ما تصف الأهواء ويلذ للألسن.
ومع هذا فنحن المسلمين نؤمن بالتوراة وبالانجيل، لأنهما من عند الله، ولكن أعطانا رسولنا عليه الصلاة والسلام مقياساً نزن فيه ما يرد عنهما من أخبار ونصوص: بأن شرع الله واحد، فما وافق شرعنا من الكتاب والسنة، فهو الجانب الذي لم يبدل، وما خالفهما نرفضه لأنه مما دخله العبث والتبديل بما تصف الألسن.. وأخبرنا القرآن: أن اليهود والنصارى لن يرضوا عن رسول الله حتى يتبع ملتهم، مع أن بعضهم لا يرضى أن يتبع ملة الآخر، وندعوكم للاسلام والكلمة السواء، فإن توليتم فنشهد الله ثم نشهدكم بأننا مسلمون ولن نحيد عن اسلامنا ونسأل الله الثبات عليه. والحديث طويل ولعله يتاح له فرصه أخرى.
الأعمال بالخواتيم
ذكر ابن كثير رحمه الله في تاريخه قصتين، فيهما عظة وعبرة، احداهما بسوء الخاتمة، والأخرى بحسن الخاتمة، وليس الأمر بكثرة العمل:
الأولى جاء فيها: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى مع المشركين في بعض مغازيه فاقتتلوا، فمال كل قوم الى معسكرهم، وفي المسلمين رجل لا يدع من المشركين شاذّة ولا فاذّة، الا اتبعها فضربها بسيفه، فقيل: يا رسول الله، ما أجزأ منا أحد ما أجزأ فلان، قال: إنه من أهل النار، فقالوا: أيُّنا من أهل الجنة، إن كان هذا من أهل النار، فقال رجل من القوم: لاتبعنّه فإذا اسرع وأبطأ كنت معه، حتى جرح، فاستعجل الموت، فوضع نصاب سيفه بالأرض، وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل فجاء الرجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: وما ذاك؟ فأخبره خبر الرجل، فقال: «ان الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، فيما يبدو للناس، وإنه من أهل النار، ويعمل بعمل أهل النار، فيما يبدو للناس، وإنه من أهل الجنة» رواه البخاري.
الثانية: كانت في غزوة خيبر رواها ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قالا: جاء عبد حبشي أسود، من أهل خيبر، كان في غنم لسيده، فلما رأى أهل خيبر قد أخذوا السلاح، سألهم قال: ما تريدون؟ قالوا: نقاتل هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي..
فوقع في نفسه ذكر النبي.. فأقبل بغنمه، حتى عمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إلى ما تدعو؟ قال: أدعوك الى الإسلام، الى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن لا تعبد الا الله، قال: فقال العبد: فماذا يكون لي إن أنا شهدت بذلك، وآمنت بالله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجنة إن مِتَّ على ذلك.
فأسلم العبد.. فقال: يا نبي الله، ان هذه الغنم عندي أمانة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرجها من عسكرنا، وارمها بالحصا، فان الله سيؤدي عنك أمانتك. ففعل.. فرجعت الى سيدها، فعرف اليهودي ان غلامه قد أسلم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظ الناس، فذكر الحديث في اعطائه الراية لعلي، ودنوّه من حصن اليهود، وقتله مرحباً، وقتل مع علي ذلك العبد الأسود، فاحتمله المسلمون الى عسكرهم، فأدخل الفسطاط،، فزعموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اطّلع في الفسطاط، ثم اطّلع على أصحابه، فقال: أكرم الله هذا العبد، وساقه الى خير، وقد كان الاسلام في قلبه حقاً، وقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين.. وقيل فيه: قتل شهيداً وما سجد لله سجدة.. والله يؤتي فضله من يشاء، فسأل الله حسن الختام واخلاص النية في القول والعمل (البداية والنهاية 4:224 225).
|
|
|
|
|