أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 22nd August,2001 العدد:10555الطبعةالاولـي الاربعاء 3 ,جمادى الآخر 1422

مقـالات

إلى أ. أبو السمح
بل كفانا «جاتوه» لا تموراً..!
حمد بن عبد اللّه القاضي
** أعرف أنك أيها الكاتب الكريم تؤمن بتعددية الآراء، ومن هنا فإنني أتفق معك في بعض «مداولاتك» واختلف مع بعضها، واختلاف الرأي كما يقول شوقي لا يفسد للود قضية وأرجو ألا يكون ذلك على عهد الشاعر شوقي فقط ..!
دعني أحييك أولا تحية أحلى من «السكري» وألذ مذاقا من «البرحي».
أيها العزيز: من الآراء التي اختلفتُ معك دعوتك «لإهمال النخيل وعدم زراعتها» في مقالتك التي نشرتها في صحيفة «عكاظ» تحت عنوان «كفانا تموراً» وإنني استغرب دعوتك هذه فالنخلة هي أمنا وزادنا وطعامنا ورزْق الكثيرين منا ولم تعد حلوى الغني كما قال الشاعر بل إنها الآن كما هي زاد الفقير فهي زاد الغني ايضا بعد أن ثبتت قيمتها الصحية العالية، وهي من جانب آخر ثروة اقتصادية كبيرة يجب المزيد من دعمها وتشجيع زراعتها، فهي أولا من أكثر الأشجار ثمراً، ومن أقلها تكلفة، وأوفرها صبرا على مناخ مثل مناخنا القاري، وهي بعد ذلك نجحت في بلادنا نجاحاً كبيراً وأصبحنا نتميز بها وبثمرها وانتاجها، وأصبحت طعاماً لنا ولغيرنا.
إن التمر يستحق أن يطلق عليه لقب «الذهب البني» وكم شدني ذلك الكاتب العربي الذي عندما تحدث عن مميزات كل بلد عربي لم يذكر «البترول» كسمة اشتهرت بها بلادنا بل قال وهو يعدد مميزات البلدان العربية «قطن مصر وتمر السعودية وزيتون الشام.. إلخ»..!
***
** أخي: هل تضمن أن الدنيا سوف تسير رغدا ورخاء في كل زمان، وسوف تجيء إلينا ثمرات كل شيء في كل آن حتى تدعو إلى تقليص الاهتمام بالنخلة وعدم رعايتها ودعم ثمرتها..!
إنه من خلال الإجابة على هذا التساؤل تأتي دعوة كل غيور للمزيد من العناية ب «النخلة» التي أثبتت أرضنا أن النخلة من أنجح ما يزرع فيها.
إن النخلة هي التي تمنحنا أحلى غذاء صحي بعيد عن الكيماويات والهرمونات، وحسبنا قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: «بيت ليس فيه تمر أهله جياع».
أخي عبد الله: معذرة على امتزاج عاطفتي بمنطقي وأنا أتحدث عن النخلة، فأنا أحب النخلة ليس فقط للأسباب المنطقية والاقتصادية التي أشرت إليها فقط وهي مهمة جدا ولكن لارتباط عاطفي لا أستطيع أن أنفك منه، ذلك أنني وأنا طفل لا أعرف الدنيا تدور بأهلها أو لا تدور تغذيت على تمرها ونبت لحم كتفي منها، عندما كنت في مدينتي الوادعة «عنيزة» في منطقة القصيم أحد أشهر مناطق بلادنا التي تمتاز بأجود وأكثر أنواع النخيل.!
إن هذه النخلة أيها العزيز كريمة جدا حتى على من ينادون بوأد ثمرها وقطع رأسها ومن بينهم عزيزنا عبد الله، إنها تعطيك وتعطي غيرك حتى ولو رجمناها بأشد الألفاظ صلابة وأكثرها قساوة.
***
** إنني لكي يكون كلامي علميا أقدم لك رقما إحصائيا عن النخلة وثمرتها في بلادنا تم نشرها مؤخرا تقول: «إن مبيعات التمور صعدت 25% في هذا الموسم» كما نشرت صحيفة الوطن وهذا يعني زيادة الإقبال على التمور في بلادنا وليس الانصراف عنها من قبل المواطنين والمقيمين كما أشرتَ في مقالتك.
ولا أعتقد أن أي إنسان يعرف قيمة التمر وفائدته سوف يجعل «الشوكلاتا» بكل أضرارها بديلا عن التمر بكل منافعه، أو أنه يستغني «بالجاتوه» بكل «كرستوله» عن «السكري» بكل «قيمته».!
دعني أقدم لك آخر معلومات صحية علمية قرأتها مؤخرا عن التمر:
«التمر غني بمحتواه من الطاقة الحرارية حيث ان كيلوجرام من التمر يمد الجسم بما يزيد على ثلاثة آلاف سعر حراري لاحتوائه على ما يقرب من 80 في المائة من السكريات المحسوبة على أساس الوزن الطازج للثمرة، بمعنى أن تناول الإنسان 15 تمرة يوميا «100 جرام» يمد جسمه بكامل احتياجاته اليومية من الماغنسيوم والمنجنيز والنحاس والكبريت ونصف احتياجاته من الحديد وربع احتياجاته من الكالسيوم والبوتاسيوم.
ويوصف التمر بالمنجم الغني الذي يحتوي على العناصر الغذائية المتكاملة والأساسية للإنسان من حيث الكم والنوع ليساعده على النمو وإنتاج الطاقة وإصلاح الأنسجة التالفة.
ويشتمل التمر في تركيبته على الماء والكربوهيدرات والدهنيات والبروتينات والفيتامينات والأملاح المعدنية والألياف بجانب احتوائه على مواد أخرى ذات أهمية كبيرة لوقاية الجسم مثل المضادات الحيوية ومضادات السرطان ومنشطات الأعصاب ومضادات الروماتيزم وكذلك الألياف المهمة في منع الإصابة بسرطان الأمعاء الغليظة.
ويوصف التمر أيضا بأم الفواكه والغذاء لأنه غذاء كامل لا ينقصه أي عنصر غذائي ويتكون من الماء والسكريات والألياف والأحماض الأمينية والأحماض الدهنية والأملاح والمعادن وفيتاميني «أ» و«ب» وهي الاحتياجات اليومية للإنسان» أ ه .
بعد كل هذه المعلومات والحقائق العلمية كيف يحق لك أخي الكريم أن تقرر وتقول في مقالتك ما يلي: «تراجعت التمور عن مكانها وزاحمتها أطعمة أخرى، ولم تعد موضع إقبال كما كانت في السابق والمواطن السعودي الآن يضع التمور على وجه الخصوص الرطب تجملا على مائدته أو كفاكهة فقط ..».
عجيب هذا الكلام.
من أنبأك هذا؟
إذن كيف جاءت زيادة مبيعات التمور هذا الموسم 25% كما جاء في الاحصائية التي ذكرتها آنفا؟!
كيف جاءت هذه الزيادة لولا زيادة إقبال المواطنين على التمور وجعلها غذاء أساسياً لهم.!
وكيف يتم تراجع الناس عن التمور وهم أصبحوا مقتنعين بفوائد التمور الصحية الكبيرة في الوقت الذي اتضحت فيه أضرار كثير من المواد الغذائية وأصبحت ماثلة أمام عيونهم وشفاههم وداخل معداتهم، إذ كل يوم تفجعنا القنوات المقروءة والمرئية والمسموعة بالأضرار والأمراض والسرطانات التي يتم اكتشافها في العديد من المواد الغذائية.
أخي: دعني أشير إلى خبر جديد حول التمور سرني كثيرا وأزفه إليك لأني أعرف بحكم مواطنتك أنه سوف يسرك، ألا وهو ما صرح به قبل أيام رئيس لجنة التمور بالغرفة التجارية بالرياض أ. أحمد العجاجي حول تصدير 80% من أطنان التمور في بلادنا وذلك إلى دول مجلس التعاون والى عدد من الدول العربية والآسيوية والأوروبية والافريقية.
واللهم زد وبارك من إنتاج هذه الشجرة المباركة.!
***
** بعد كل ذلك أقول كنت أتعشم منك أن تدعو إلى استثمار ثمرة هذه الشجرة المباركة وتصنيعها بل إيجاد عشرات المواد الغذائية التصنيعية من ثمرتها بدلا من الدعوة إلى وأدها والاكتفاء بما لدينا من ثمارها.
إنني أعرف كما تعرف أن بلادا كثيرة يقوم اقتصادها على إنتاج شجرة معينة تقل منافعها كثيرا عن النخلة.
فما بالك بالنخلة وثمرتها التي لو وجدت المزيد من العناية بتسويقها وتصنيعها وتصديرها إلى الخارج، ولو وجدت من وزارة الزراعة ورجال الأعمال العناية والاهتمام عن طريق إيجاد عشرات الصناعات الغذائية ليس من ثمرتها فقط بل من النخلة كلها فلعلها الشجرة الوحيدة التي يمكن الاستفادة من كل ورقة وكل سعفة وكل قنو وكل جذع فيها، لو وجدت مثل هذه الصناعات من النخلة لنافست «البترول» في مردودها الاقتصادي على بلادنا.
أليست هي الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء كما جاء في القرآن الكريم: «ألم تر كيف ضرب اللّه مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب اللّه الأمثال للناس لعلهم يتذكرون» سورة ابراهيم الآيات 24 و25.
***
** واختتم هذه المقالة بهذه القصيدة الجميلة المؤثرة لأستاذنا الأديب والشاعر الغائب عبد اللّه القرعاوي، وقد أبدع في هذه القصيدة وهو في بلاد الغربة عندما كان يدرس في أمريكا ولم يجد وهو العربي ابن هذه الصحراء سوى «النخلة» ليجدل من سعفها «مزمارا» يعزف عليه ألحان ولهه وهو يبتعد عن صحرائه عندما كان في مدينة «إنديو» ورأى نخلة باسقة حركت أشجانه وأعادته إلى أرضه وناسه وتخيّل وطنه فكانت هذه القصيدة:


«غريب الدار» لا وطنا وأهلا
نزلت بساحنا ضيفا فأهلا
أراك تصوِّب النظرات نحوي
كأنك لم تشاهد قبل نخلا
أو انك سابح في التيه روحا
أو انك في الفلا مجنون ليلى
يناغي طيفها صبحا وليلا
يؤمِّل من رؤى الأشباح وصلا
***
أراك بعدتَ عن أهل ودار
ولكن ما نسيت أخاً وخلا
أتيتَ تسارق الخطوات نحوي
ففي ظلّي الحنون رُبيت طفلا
وأنفقت السنين بلا هموم
تُعلِّقها على «قنو» تدلَّى
وتمرح والصحاب بظل فرعي
يخالط جدكم في اللهو هزلا
أنا للبيت زاد إن أردتم
وحلوى للوليد وكنت أحلى
أنافس في المحبة كل فرد
وربّ يتيمة في العقد أغلى
ملأت دياركم رُطبا جنيا
وجمّلت الربى جبلا وسهلا
***
وقفت رقيقة العسبان وحدي
أصارع كالرّدى ريحا ورملا
بقيت أبيّةً لم أشك يوما
أعيش على الضنى فرعا وأصلا
فلا لهب السَّمائم مسّ عودي
ولا غضب السواقي هزّ ظلا
ولي في الحي تاريخ طويل
تردِّده الصبا حولا فحولا
وترويه الصحائف من قرون
بقصة مريم تختال حبلى
وعيسى حينما حملته طفلا
تكلَّم في الجموع وما أطلا

***
وبعد..
إن النخلة رمز أصالة، ونبع وفاء، وأغنية حب.
كانت ولا تزال في هذه الصحراء الظل والأمان، الظل من وهج الصحراء، والأمان من غول الفقر.
من هنا لا نستطيع أن ننساها بل يجب أن تتضاعف حفاوتنا بها.
ومرة أخرى تحية لك أحلى من تمر «السكري» وألذ مذاقاً من طعم «البرحي».

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved