| مقـالات
لا أظن أن الحديث عن الدور الرئيس الذي يلعبه الإعلام يجهله أحد من عامة الناس فضلاً عن الصفوة من المثقفين والمفكرين في وطننا العربي الكبير، فالجميع يؤكد على الدور الريادي والأساسي لجميع وسائل الإعلام المتعددة في خدمة قضايا الأمة..
لكن حينما ننتقل في هذا المجال من الكلام النظري إلى التطبيق الواقعي نجد بوناً شاسعاً وفرقاً واسعا لدينا!؟
ومما يؤسف له أننا نعرف الدور الكبير للإعلام وفي الوقت نفسه نستثمر الجانب الإعلامي المرتبة الدنيا من مراتب الاستثمار قياساً بالآخرين.
وبدون مقدمات دعني أضرب مثلاً يوضح المقصود... فكلما حدث في فلسطين الحبيبة حدث مؤسف أو نكبة تضم للنكبات السابقة هبّت قنواتنا الفضائية والأرضية لعرض الأناشيد الحماسية والقصائد الرنانة «لبيك يا أمي، الدم العربي وين؟ القدس يا مدينة الصلاة»، وغير ذلك الكثير والكثير من الأناشيد الحماسية التي تلهب المشاعر وتخرج الدموع مع العبرات ثم ماذا؟! لا شيء.
وهنا ألا يحق لنا أن نسأل: هل عرضت قناة فضائية واحدة من هذه القنوات أو غيرها برنامجاً واحداً عن الصهيونية وحلمهاالكبير ومخططاتها بدل هذه الأناشيد!؟ أو مع هذه الأناشيد؟!
أرجو أن تكون الأجابة: نعم!
لا ينكر ولا يستطيع أن ينكر أحد الدور الذي تؤديه القصيدة والنشيد في بعض الأحيان لكن الذي نجزم به أن أقوى سلاح لمواجهة العدو هو السلاح الثقافي الذي يحصن به الجميع عن طريق وسائل الإعلام.
هل قرأ أحد منا في هذه الأيام ما كتب عن الصهيونية عقيدة وفكراً وحزباً؟
إن العلم الرصين المستمد من الكتب والبرامج العلمية هو الدواء الناجح لإفشال أي غزو ثقافي على عقولنا؟
هل تستطيع الأناشيد أن تبين لنا حقيقة التطبيع الذي رأينا ثماره على ما من سابق إليه؟!
هل يعرف الكثير منا الفرق بين اليهودية كديانة والصهيونية كمذهب وفكرله مخططاته؟
ثق أخي القارئ الكريم أن العدو لا يطمئن بحال من الأحوال إلا في حالة أن يجد خصمه يجهله فهنا يحق له أن يطمئن وينام قرير العين!
ولننتقل إلى مثال آخر لا يقل أهمية عما سبق.. الإرهاب، هذا الوصف الذي يطلق في وسائل الإعلام الأجنبية على العرب مقروناً بوصف العروبة وكأن العربي المسلم إرهابي!!
هل رأينا من طالب أو بحث في هذا المصطلح وعلى من ينطبق بطرق موضوعية وعلمية أم أن ما نشاهده عواطف جياشة لا تسمن ولا تغني من جوع!
فأصبح العربي من خلال ضغط وسائل الإعلام يقر بأنه إرهابي ويحاول أن يدفع عنه هذه التهمة حتى ولو قدم بعض التنازلات في قضايا الأمة ومسلماتها لكي لا يوصف بهذه الأوصاف.
وقس على ما سبق أموراً كثيرة يأتي في طليعتها حقوق الإنسان وكيف أننا نوصف بالليل والنهار بالتجاوزات في ذلك.
فهنا ليس الواجب أن ندافع عن أنفسنا في هذا المجال فقط، بل لا بد أن نطالب كل من يتهمنا بأن يعرف ما هي حقوق الإنسان أولاً ثم نبحث معه ونتحدث: هل جنينا على الإنسان أم لا؟
وهنا، ومن أجل هذا الأمر كان الأولى بوسائل الإعلام العربية التي لا تغيب عنها الشمس في كل مكان سواء كانت حكومية أو تتبع القطاع الخاص، فالواجب عليها أن تساهم في نشر الثقافة والمعلومات على طبق فضائي مناسب يأخذ منه كل مشاهد جرعة تتناسب وما يحتفظ به من خلفية ثقافية سابقة.
وهل سيأتي يوم ونشاهد وسائل الإعلام الأجنبية تدافع عن نفسها حيال بعض ما يعرض في القنوات العربية كما هو الحال في قنوات العرب التي نجدها على مدار الساعة تحاول أن تدافع عن نفسها تجاه ما تبثه وسائل الإعلام الصهيونية!؟
أنا لا أدعو إلى أن نفتري على الآخرين مهما اختلفنا معهم، لكن أدعو إلى توضيح صورتهم الحقيقية من خلال اطروحاتهم.
كل ما سبق لا يكون إلا بالتحصيل الجدّي في مراكز إعداد البرامج في قنواتنا العربية وأن يصاحب ذلك قراءة جادة في كل ما يجدّ في الموضوع.
ولعلّ مما يحزن أن نجد الكثير من برامجنا السياسية العربية تعتمد على قصاصات من جرائد ومجلات هنا أو هناك، في حين أن بالإمكان أن يكون الإعداد رصينا من خلال قراءةواستطلاعات ميدانية وجرد للكتب وتقليب للمراجع والوثائق لأننا في زمن لا يقبل إلا بالمعلومة الموثقة والدقيقة التي لا تقبل النقاش.
* باحث بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية؛
|
|
|
|
|