| مقـالات
الجرباء بنت عقيل بن عُلّفة الذبيانية فتاة زمانها جمالاً وعقلاً وشاعرية، فوالدها عقيل بن علفة المقدم عند خلفاء بني أمية، على الرغم من إقامته في بلاد ذبيان بنجد وشرقي الحجاز، فقد كانت كلمته مسموعة، بالاضافة إلى تقدمه في قومه بني مرة من ذبيان، وجد عقيل الحارث أخو النابغة الذبياني الشاعر المشهور في الجاهلية، وصاحب المعلقة، وكان عقيل يعجب بابنته، فهي صاحبة رأي ومنطق، ولذلك فهو يصحبها معه عندما يرحل من بلاد قومه إلى الشام، فهي خير من يعينه على الطريق، فإن طلب منها شعراً قالت من حفظها، وان طلب منها أن تجيز قوله أجازت، وفي واحدة من تلك الرحلات قال بيتين، ثم طلب من ابنته أن تجيز فقالت بيتاً فيه ذكر الخمر، فغضب وعقر جملها، ولما توسط أخوها في الأمر أطلق عليه والده سهماً نفذ في ساقه، وعندما زالت عاصفة الغضب حمل ابنته على جمله وترك ابنه وسار في طريقه، وزعماء ذبيان عرفوا بشيء من الحمق، فعيينه بن حصن جمع بين الزعامة والحمق، وفي الشام وفد عقيل بن علقة على عبد الملك بن مروان خليفة المسلمين، فرحب به الخليفة وأنزله المنزلة التي يستحقها، وخطب منه ابنته، فانصرف عقيل عن الخليفة، وكأنه لم يسمع، فأعاد الخليفة على عقيل القول، وكان الخليفة فيما يبدو يقوم بخطبة الجرباء لابنه يزيد، ولكنه لم يسم ابنه الذي يخطب له ابنة عقيل، ولما رأى عقيل الالحاح من الخليفة قال: ان كان ولا بد فجنبني هجناءك، ولم يستحسن الخليفة رد عقيل بن علفة، مع أنه يعرف طبعه وعنجهيته، فسكت الخليفة ولم يتم أمر الزواج. ومرت الأيام، وتزوجت الجرباء من ابن عمها، ولكن زواجها منه لم يدم طويلاً فافترقا، وبقيت الجرباء تنتظر الزوج الذي يساميها في المكانة والشرف، فجاءت خطبتها من خليفة المسلمين يزيد بن عبد الملك، الذي يمتد ملكه من أطراف الصين شرقاً إلى الأندلس وغربي فرنسا غرباً، فحملت إلى الشام وتم زواج الخليفة من بدوية ثيب، لأن بني أمية يعرفون قدر الأصول العربية النقية ويقدرونها قدرها، وتمر السنوات القليلة والجرباء بنت عقيل بن علفة زوجة للخليفة يزيد بن عبد الملك، فهو خليفة المسلمين، ووالده عبد الملك بن مروان الخليفة المشهور، وأمة عاتكة بنت يزيد بن معاوية، فهو صريح النسب من جهة الأب والأم، فقد ثبت أبو الجرباء على قوله عندما قال لعبد الملك جنبني هجناءك، فلم تتزوج الجرباء وان كانت ثيباً إلا صريح النسب من أبناء عبد الملك بن مروان بعد أن حاز الخلافة.
هكذا يرى العربي مكانته، وان كان مقيماً في الصحراء، ومعيشته لا تقارن بمعيشة سكان المدن، لقد بقيت الجرباء مع زوجها حتى نقل اليها نعيه وهو في أربد من بلاد الأردن، فنقل من الأردن إلى دمشق على أعناق الرجال، ودفن في عاصمة ملكه دمشق، وبذلك طويت صفحة الجرباء بعد أن دوّن التاريخ فيها المروءة ومكانة المرأة العربية في القرن الأول الهجري.
إن مكانة الجرباء هي المكانة التي تطمح اليها كل فتاة عربية، فما أكثر أمثالها في تاريخنا العربي، فقد سطر التاريخ في صفحاته الشاعرات، والراويات، واللاتي أبدين شجاعة نادرة، من أمثال خولة بنت الأزور التي أبدت شجاعة في فتوح الشام، لم يصل إليها الرجال، فبعد أن أسر أخوها ضرار أسرجت الفرس وامتطت ظهره، وأخذت السيف والرمح وانطلقت إلى المعركة، فأغارت على جيوش الروم بعزم وتصميم حتى ان القائد الأعلى لجيوش الشام خالد بن الوليد أخذ يسأل عن الفارس المقدام الذي شق صفوف الروم ببسالة وقوة، فلم يجبه أحد، فأخذ ثلة من الفرسان تحمي ظهره ووقف بنفسه على الفارس، فإذا بالفارس الملثم يفصح عن هويته فلم يكن غير خولة بنت الأزور، فتعجب خالد بن الوليد من أمر خولة، وسأل عن أخيها ضرار فلم يجبه أحد، وعندما أسر المسلمون مجموعة من جنود الروم أعطوهم الخبر عن ضرار، فلم يكن من خالد بن الوليد إلا أن انتدب رافعاً الطائي لفك أسر ضرار، فاختار رافع مجموعة من الفرسان، فطلبت خولة أن تكون من ضمنهم، فانطلق الفرسان وفيهم خولة، وفكوا أسر ضرار، إذن لم تكن الجرباء هي الوحيدة في إبراز شخصية المرأة العربية ولكنها أنموذج مشرف، ومثال يحتذى في العزة والسمو.
|
|
|
|
|