| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة.. تحية صادقة وبعد
يا ترى، لماذا الأخلاق الرفيعة لا تظهر إلا مع قلة قليلة في المجتمع؟ أهي الوراثة؟ أم الطقس؟ أم البيئة؟ فما أبغض ذلك الثقيل الذي يرى أنه لا غالب له، ويزداد الثقل ثقلاً، ويزداد الثقل ثقلاً إذا تولى إدارة فإنه يؤكد أن الممتاز قليل بحقه، وأن هذه هي الفرصة السعيدة التي سيصبح من خلالها رجلاً لا كالرجال، وياويل من يقع تحت إدارته، وياويحه ويحاه من شهيقه الموحش وزفيره المروع ولاسيما عند اجتماعه بالعاملين معه وهو يشرح خطة العمل ويتقلب بعضه فوق بعض، ويرسل نظرات من عينين تقدحان بالشر والشرر. ولعل نظام تغيير المديرين فيه خير كثير، وفيه مخرج من حرج وراحة من عناء. ما أبشع ذلك الغادر الذي لايقدر إلا على غدر صديقه، والغدر ليس معناه طعنة بخنجر على حين غرة؛ وإنما يمتد إلى الغيبة، ويمتد إلى الهمز واللمز ولم يعرف أن جزاء الهمز واللمز وادٍ يسيل ناراً تلظى، ولم يدرك أنه سلاح الحقير. يقال إن هناك رجلاً عقد العزم على أن يصير صياداً، يخافه الصيد ويحسب له ألف حساب، فاشترى صقراً، وزعم له صاحب الصقر أن الصقر قليل جنسه، كما أنه معدٌ إعداداً طيباً على الكسب، وقلّما يرجع إلى صاحبه دون أن يطيِّب خاطره، أو دون أن يرسم على فمه ابتسامة رضا. قنص ذلك الصقار، وأمله في صقره لاتحده حدود، فوصل إلى روضٍ مربع لا تمل العين من النظر إلى خضرته، بل إن العين تستحي أن تعيد النظر إلى خضرته كما هي عادة العين المتذوقة حينما يخالجها خجل الجمال. وبينما هو يسير لحظ أرنباً فأطلق صقره على إثرها ولما همّ أن يلحق بها انحرف فجأة ثم هبط على الأرض، ثم عاد لاعادت عليه العافية، وهو يحمل بين مخالبه الصيدة، وبينما صاحبه يستبشر، وإذا الصقر يرفرف فوق رأسه وإذا الحية تفح فاتحة فمها يحملها بين مخالبه، فلم يجد صاحب الصقر بداً من أن يطلق عليه النار، فيصرعه هو وحيته تلك. إذاً هذه جثة الصقر هامدة والهواء يلعب فيها كيفما أراد أن يلعب، وهذا هو صاحب الصقر كاسف البال والألم يأخذه كل مأخذ، والحزن يطرقه من كل جانب. إذاً فما رأيك أن أؤكد وأعتقد أنك معي في هذا التأكيد: أن النذل رديء المروءة ليس جيداً إلا بالرزية، وأن السفاهة التي ليست بعدها سفاهة هي أن تأسف عليه.
عبدالله منور الحربي
|
|
|
|
|