| وَرّاق الجزيرة
يعد أدب الرحلات من الآداب الجميلة التي تمتزج فيها المعلومات المفيدة بالوصف الممتع والجميل للبلاد والعباد والطباع، وأدب الرحلات من أهم مصادر المعلومات سواء التاريخية أو الاجتماعية او ما له صلة بالآثار والسكان وغير ذلك، ويحتل أدب الرحلات مكانة مرموقة في منظومة الآداب العالمية، ولقد كتب كثير من الناس «سواء من الشرق أو الغرب» رحلاتهم ودونها، وذكروا كثيرا من الفوائد التي شاهدوها ومروا بها، وتتنوع أهداف الرحلات، فهناك رحلات يسودها روح المغامرة فحسب،وهناك الرحلات الاستكشافية، والتجارية، والدينية، وهناك رحلات التجسس ورصد المعلومات عن الآخرين،
ويزخر تراثنا العربي والإسلامي بالكثير من كتب الرحلات «الجاسر، 1402، نواب، 1417، نوح 1419» ومن أوائل الرحلات في تراثنا هي رحلة سلام الترجمان سنة 227ه ، تلاه عدد من الرحلات في القرن الثالث الهجري مثل رحلة ابن موسى المنجم، ورحلة ابن وهب القرشي، ورحلة اليعقوبي،
ومن أهم الرحلات في القرن الرابع الهجري رحلة ابن فضلان «ت، بعد 310ه» ، تلا ذلك رحلة أبي دلف الخزرجي «ت، 331ه»، ومن ثم رحلة ناصر خسرو «ت، 481ه» ، وابن جبير «ت، 614ه» وابن بطوطة «ت، 779ه» وغيرهم،
ولقد كان للمستشرقين نصيب وافر من الرحلات الى بلاد الإسلام، وخصوصا الجزيرة العربية، حيث قاموا بتدوين كثير من المعلومات التي قد لا نجدها في كتاب سوى هذه الرحلات، ودوافع المستشرقين الرحالة للقيام بهذه الرحلات كثيرة ومتعددة، وفي عصرنا الحاضر برز نوع من أدب الرحلات حيث يحرص بعض مثقفينا الذين يقومون بزيارات هنا وهناك أن يدونوا هذه الرحلات من أجل إفادة القارئ عن تلك البلاد التي زاروها،
والرحلات التي سنتحدث عنها في هذا المقال هي في غالبها رحلات رسمية ومهمة جدا قام بها معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي الأمين المساعد لرابطة العالم الإسلامي، ويصل عدد الرحلات التي قام بها قرابة ثلاثين ومائة رحلة جاب فيها أقطار المعمورة من شرقها الى غربها، ومن جنوبها الى شمالها،
ويمتاز أسلوب الشيخ محمد بالانسيابية والعفوية، وجودة اللغة وجمال العبارة، وبحكم منصب معالي الشيخ العبودي في الرابطة فقد اضطر للقيام بجولات عديدة لمعظم الأقليات الإسلامية في أنحاء العالم من أجل تقديم الدعم والمساندة من لدن حكومة المملكة العربية السعودية حفظها الله ، والمطلع على هذه الرحلات يجد فيها المعلومات المفصلة عن أحوال المسلمين في جميع البلدان التي زارها، والشيخ محمد عندما يكتب في هذه الرحلات فلا يترك شاردة ولا واردة إلا ويذكرها، ودائما ما يتخلف القارئ ببعض المسائل اللغوية او الشرعية وما له صلة بالتراث ومؤلفي هذا التراث، علاوة على الاستطراد في بعض الأمور الجانبية التي تخص البلد الذي يتحدث عنه،
والجوانب التي يمكن الحديث عنها لهذه الرحلات كثيرة ومتعددة، ولكن سيكون حديثي عن جانب واحد، ألا وهو المعلومات الخاصة بالمسلمين التي يذكرها معالي الشيخ في رحلاته «وهي العنصر المهم والأساس، بل لم تقم هذه الرحلات إلا من أجل التعرف على أوضاع المسلمين في العالم»، فالشيخ محمد من الثقات فيما يرويه، وهذا بحد ذاته يجعلنا نثق بالمعلومات التي يذكره في رحلاته، حيث إن أغلب ما يأتينا عن أحوال المسلمين والأقليات الإسلامية في العالم عن طريق قنوات قد لا نعرف مصدرها، وإن عرفنا المصدر فما مدى مصداقية هذا المصدر؟ وكما نعلم فإن أغلب من كتب عن أحوال المسلمين، إما مستشرقون ذوو أغراض سياسية أو محللون سياسيون واقتصاديون قد لا يذكرون من واقع هذه الأقليات إلا ما يدعم ويعزز من توجهاتهم،وإذا كتبوا فمن وجهة نظر تخدم مصالحهم دون مراعاة لصالح تلك الأقليات،
ورحلات الشيخ العبودي فيها الكثير من المعلومات عن أوضاع المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغير ذلك استقاها من أصحاب الشأن في تلك البلدان التي قام بزيارتها،
على الرغم من أهمية رحلات الشيخ محمد إلا أن الواحد قد يجد صعوبة في الحصول على كثير منها،وذلك بسبب ندرة وجودها في المكتبات التجارية، ومن هذا المنبر الإعلامي وعبر صفحة «ورّاق الجزيرة» أرفع لمعالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي اقتراحا آمل أن يجد متسعا من وقت الشيخ ليفكر فيه،
الاقتراح بشكل موجز هو: لماذا لا يتم إعادة إصدار هذه الرحلات بشكل متكامل وتكون على غرار «الأعمال الكاملة» المعروفة لبعض المؤلفين الكبار؟ ويزوّد هذا العمل بكشاف تحليلي لجميع الموضوعات التي غطتها تلك الرحلات يرفق في آخره كي يكون عونا للباحثين في العثور على المعلومات بشكل سريع وفعّال،
وكما ذكرت فهذه الرحلات حوت كثيرا من المعلومات المفيدة، وجمعها في إصدار واحد مزود بكشاف تحليلي سيفيد كثيرا من الدارسين والمهتمين بقضية الأقليات الإسلامية في أنحاء العالم، واللّه الموفق،
الهوامش:
الجاسر، حمد «1402»، أشهر رحلات الحج، الرياض: دار الرفاعي،
نواب، عواطف محمد يوسف «1417» ، الرحلات المغربية والأندلسية، ، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية،
نوح، سمير عبدالحميد، الجزيرة العربية في أدب الرحلات الأردي، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،
* جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
musaidtayyar@hotmail، com
|
|
|
|
|