| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
من المسلم به أن حياتنا مليئة بالصعاب والمشاكل التي لا تنتهي، فمن منا يا تُرى لم يواجه مشكلة أو ظرف ما في حياته؟ فالمشاكل والظروف والصعاب أمر روتيني في حياتنا، وليست هي نهاية العالم، أو ان الحياة تتوقف لمجرد أننا تعرضنا لصعوبات حياتية فالمصاعب وبإذن الله إن لم يمت الإنسان منها فهي تقويه، وتصبح لديه مناعة.
ووسط تلك المتاهات المتشابكة، منا من يصمد ويقاوم حتى يُنهي ظروفه وصعابه، ومنا من ينهار ويطلب المساعدة، ومنا وللأسف الشديد من ينحرف عن الطريق السوي ليؤذي نفسه أولاً، ويؤذي من حوله ليدخل السجن ؟! ليجد نفسه بعد عدة أيام يعاني من عدة مشاكل بعد ان كان يعاني من مشكلة واحدة، فلم يواجه مشاكله بل هرب منها بسلوكه لطرق غير سوية وغير شرعية؟!، وبعد ان يجد من يقف بجانبه ويأخذ بيده من دروب الهلاك إلى دروب النور يكتشف بأنه كان مغفلاً، لماذا؟!، لأنه لو فكر بعقله لنجا، ولكنه جعل الشيطان يُفكر له، وانصاع لأوامره ليهلك ويتدمر، فالسجن إذن ليس مكانا للعقاب ولا مصدر ألم، بل هو مدرسة يتعلم منها المرء أخطاءه، ولابد أننا نعرف الكثيرين ممن كانوا قبل دخولهم السجن بهيئة وخرجوا بهيئة أخرى، بل قد لا يصدق أحد بأن هذا فلان والذي كان كيف أصبح؟! وعبر الجزيرة فإنني أود توجيه أربع رسائل.
الأولى للمسؤولين عن السجن والسجناء حيث انهم وبفضل الله ثم بفضل الرعاية الصحيحة للسجناء قد انتشلوهم من عالم الظلام إلى عالم النور، مما جعل عودة السجين إلى السجن مرة أخرى أمراً نادر الحدوث، بعكس الأمم والمجتمعات المحرومة من نعمة الإسلام والتي يعود فيها السجين لسجنه مرات عديدة، لافتقاده الكثير من مقومات الحياة، حيث انه يعيش بلا دين أو حتى هدف، مما يجعله يعيش في صراعات نفسية دائمة، حقيقة أقولها للجميع، (وللمسؤولين عن السجناء) أقول «قواكم الله»، ونأمل منكم العمل ليشمل العفو السنوي ذوي المدد والأحكام الطويلة، وإن لم يكن ذلك من أجل السجين فمن أجل أسرته.
الثانية للقطاع الخاص: إن الدولة رعاها الله وعندما تعطي الفرصة لمشاركة القطاع الخاص في بعض المشاريع، ليس قصوراً في إمكانات الدولة، ولكن رغبة من الدولة وإيماناً منها بالدور الحيوي والفعال والذي يلعبه القطاع الخاص في التنمية، وكم تكون فرحتنا جميعا عندما نقرأ أو نسمع عن بعض رجال الأعمال وقد أقاموا مصانع أو معاهد أو حتى مكاتب داخل السجون لتدريب النزلاء على الحرف اليدوية، لأنهم بذلك قد علموا النزيل (الصنعة) التي ستقيه وبإذن الله من شر الفقر، وتعينه على إيجاد فرص عمل له يقتات منه هو وأسرته، وترفع فيه الروح المعنوية، وتنمي مواهبه وأفكاره، ليكون أو ليصبح وبإذن الله عضوا ناجحا ومؤثرا ومنتجاً في مجتمعه، وتزيد من ثقته في نفسه، وعلى هذا الأساس فإنني أدعو عموم رجال الأعمال (الغيورين) على افتتاح مراكز مهنية داخل السجون، وكلي أمل بالله عز وجل ان نسمع أو نقرأ عن مثل تلك المراكز وقد تم افتتاحها في سجن عرعر والسجون التابعة له (والله كريم) لأن مثل ذلك سيكسب الفاعل الأجر والثواب بإذن الله.
الثالثة إلى المجتمع: ولنبدأ في أول لبنة من لبنات المجتمع ألا وهي «الأسرة» فصلاح الابن من صلاح اسرته، وتتحمل الأسرة الجزء الأكبر من المسؤولية في توعية أبنائها من مخاطر الانحراف، وتنشئتهم النشأة الدينية، و حذارِ من وقوع أبغض الحلال وهو الطلاق، فالطلاق يعني انهيار الأسرة ومن ثم ضياع وهلاك الأطفال إلاما شاء الله، لأن الطلاق سيجعل من الأبناء عرضة للانحراف بشكل كبير لنقص الاشباع العاطفي لديهم وبالتالي سيجعلهم يسلكون طريق الجريمة المظلم، ونجدها فرصة لنقول لمن لم يتم الطلاق بينهم دعوا الحياة تعود لمجاريها ولو من أجل أطفالكم فلذات أكبادكم، إلا ان كان يرضيكم ان ينحرفوا؟!
أما بقية أفراد المجتمع وكلٌ حسب موقعه، اصفحوا عمن عاد إلى المجتمع تائباً إلى الله، قدموا النصيحة له، وساعدوه، وشدوا من أزره ليبدأ حياته من جديد، لأن البعض وللأسف الشديد يحتقره ويتحاشاه وكأنه (وباء)؟ فالكلمة الطيبة والابتسامة والنصيحة الصادقة لاتكلف شيئاً، وإن لم تفز بالأجر والثواب، فلن تنقص من الرصيد المالي لأحد؟! فالسخرية تهدم العلاقات الحميمة بين الناس، وتسبب العداوة والبغضاء بين البشر، فالشاعر يقول:
جراحات السنان لها التئام
ولا يلتم ماجرح اللسان |
الرابعة إلى السجين نفسه: فإن كنت ضحية الظروف، فقد غفلت ان الظروف تصنع الأقوياء، عموما ، كن قويا بإيمانك بالله، وأبدأ حياتك من جديد وتأكد بأن الجميع معك، وتأكد بأن الجميع يريدونك مواطناً صالحاً، وتأكد أيضاً بأن الجميع بحاجتك، اعتمد على نفسك بعد الله عز وجل، واعلم بأن في نهاية كل نفق مظلم بشائر بالأمل والحياة، حتى وان واجهت بعض النظرات من ذوي العقول الخاوية، فلا تيأس، واجعل ذلك دافعاً لايزيدك إلا قوة وإصراراً لبدء الحياة الجديدة، واثبت للجميع بأنك شخص آخر، واعلم أيضاً ان بداياتك قد تكون صعبة ولكن كن على ثقة تامة، بان مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، وتأكد أيضاً بأن هناك الكثيرين قد كانوا....؟! ولكنهم الآن استقاموا، وهم أيضاً الآن مضرب المثل في الأخلاق والاستقامة، ففتح الله لهم أبواب الرزق، وهم الآن يعيشون بفضل الله في رغد من العيش، فقط لا تيأس، فلا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس...
مفلح بن حمود بن مفلح الأشجعي
عرعر / حي المحمدية
|
|
|
|
|