| القرية الالكترونية
نستكمل اليوم الحديث حول الترجمة والتقنية والذي أثاره خبر موافقة مجلس الوزراء على تأسيس شعبة الترجمة الرسمية والمجلس العلمي للترجمة تحت مظلة هيئة الخبراء في مجلس الوزراء.
فقد ذكرت مرة في لقاء علمي جمعني بعدد من المختصين في الترجمة أن الأحلام العلمية والأمنيات المستقبلية لكثير من الشباب وطلبة العلم لم تتحقق لأسباب كثيرة. لكن في نظري تأتي الترجمة الركيكة والضعيفة للعلوم التي تلقيناها في تعليمنا على رأس أعتى المشكلات وأكثرها تأثيرا في عزوف بعضنا عن تخصصات معينة إلى غيرها.
لا لوم على طالب إذا لم يفهم الفرق بين الأنسجة البشرية أوالنباتية لضعف الترجمة وركاكتها فلجأ لحفظها لينجح وحسب، كما لا ألوم الكثرة الغالبة في أوساطنا ممن لا يجدون محبة لعلم النفس أو إقبالا على علم الاجتماع لسبب واضح وهو ضعف الصياغة التي كتبت بها تلك العلوم و قدمت للمتعلم العربي.
وقد عقدت ندوة علمية في كلية الطب بجامعة الملك سعود في الفصل الثاني من العام الماضي، فجربت أن أنبه أحد الأصدقاء المهتمين بموضوع الندوة لحضورها، لكنني وجهت إليه الدعوة باللغة العربية. فقلت له: ستعقد جامعة الملك سعود ندوة عن الارتجاع الحامضي المريئي، وهو العنوان الذي رأيته على لوحة الإعلانات فلم يفهم صديقي شيئا مما قلت. فسألني مستوضحا، فقلت له: سيعقدون ندوة عن ال Reflux. فرد مباشرة: سأحضرها.
وقد أكد لي غير واحد من زملاء الدراسات الجامعية والعليا أنهم لم يفهموا الكثير من العلوم التي تلقوها في مراحل التعليم الأساسي ومن بعدها الجامعي حتى درسوها بالإنجليزية. ومرد ذلك في نظري أن صياغتها باللغة العربية في مقرراتنا التعليمية ليست جيدة بما يكفي ليسهل على الطلاب تلقيها وفهمها بيسر. ولا أزال أحتفظ ببعض الكتب التي كانت ولا تزال مقررة في مرحلة البكالوريوس نموذجا لضعف الترجمة وسوئها.
أما بالنسبة للقطاع التجاري، فقد أهداني أحد الأصدقاء قاموسا في مصطلحات الحاسب الآلي، فنظرت إلى ما حواه القاموس «إنجليزي عربي» ووجدته عبثا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. فقد كان ذلك القاموس الذي تولت دار نشر عربية مرموقة طباعته ونشره الكثير من غرائب الألفاظ والترجمات التي أسفرت بوضوح عن خطأ كبير ارتكبته تلك الدار بطباعتها لذلك القاموس مهما كانت عوائده المادية.
والمؤسف أن العائد المادي واستغلال حاجة السوق أصبحت الدافع الأكبر لنشاط دور النشر من هذا النوع والتي لا تعبأ بسمعتها العلمية ولا تسعى لسوى المال. فالسوق العربية جائعة وفي حاجة ماسة للمطبوعات العربية وما يدعمها من قواميس متخصصة، مما دفع بأصحاب تلك الدور لتشكيل فرق تخصصت في إنتاج ترجمات لما يظهر في المكتبات العالمية من كتب متخصصة بغض النظر عن جودة الترجمة وموضوعيتها ودقتها. والناظر إلى الطريقة التي يتم فيها تكليف مترجم ما بترجمة كتاب أو مادة علمية يعجب كثيرا من استهتار تلك الدور وجشعها المادي. وهي بلا شك مسؤولة عن ذلك العبث بالمقام الأول، فهي لا تتحرى الدقة العلمية وتفتقر إلى المرجعية في الحكم على ما يقدمه إليها المتاجرون والمقتاتون على عملية التعريب والترجمة.
والمتأمل في العملية التعليمية في تخصصات الطب والهندسة والحاسب الآلي وغيرها من التخصصات الحديثة يلمس الدور الرئيس الذي تلعبه اللغة الإنجليزية والثانوي الذي تلعبه اللغة العربية. ولا نزال نجد الفرق الناتج واضحا في سوق العمل، فأولئك الذين تلقوا تعليمهم باللغة الإنجليزية بشكل رئيس تجدهم يحظون بالوظائف أكثر من أولئك الذين تلقوا نفس العلوم إنما باللغة العربية حتى مع التعريف بالمصطلحات باللغة الإنجليزية. ولا نزال نرى أرتال الخريجين يلجؤون للدراسة في الداخل والخارج لتعلم اللغة الإنجليزية نظرا لأنها مطلب مهم لا يقل أهمية عن إتقان التخصص نفسه في سوق العمل.
لازال للحديث شجون، لكن لا بد من الإشادة بقرار إنشاء شعبة الترجمة الرسمية والمجلس العلمي للترجمة لأنه مؤشر طيب يدل على توجه يدعمه متخذو القرار في بلادنا. والمؤمل أن يتطور الأمر ليصل بنا إلى هيئة وطنية للترجمة كي تؤدي الرسالة المنوطة بالمترجمين واللغويين والمختصين في كل علم لتعمل على نطاق أوسع لخدمة العلم وطلبته.
|
|
|
|
|