| مقـالات
الصوت ظاهرة عجيبة، نتناولها هنا بعيداً عن تأويلها العلمي الذي اصبح الآن في متناول طالب المرحلة الثانوية. فمن الناحية التنظيمية، مثلا، يمكنك أن تحكم على هيبة المكان وحسن تنظيمه من خلال ما يصك سمعك فيه من اصوات. فالأماكن التي تضرب الفوضى فيها اطنابها تسود فيها الأصوات العالية المختلطة، وهذا بخلاف الأماكن حسنة التنظيم حيث لا تسمع فيها إلا همساً.
والصوت ينبئك أيضا عن مستوى أخلاق الفرد المتحدث ، فهدوء الصوت وعدم تسارعه مثلاً ارتبط غالبا بالإنسان المهذب، في حين يبقى رفع الصوت سمة عامة لأولئك الذين لا يحترمون الآخرين، ويتعمدون إيذاء وجرح مشاعرهم. وقد يلجأ الفرد احيانا إلى رفع صوته ليعزز من حججه الواهية، أو ليعوض ما لديه من نقص أو ضعف «الأواني الفارغة هي التي تحدث صوتاً مدوياً». وللصوت ايضا دور مهم في العالم العاطفي الوجداني، فعندما يرخم المتحدث صوته أو يخضع به تتأجج المشاعر وتلتهب العواطف«الأذن تعشق قبل العين أحيانا»، وهنا قد يتحول الصوت إلى شرك تنصبه المرأة للرجل«فيطمع الذي في قلبه مرض» أو ينصبه الرجل للمرأة« والغواني يغرهن الكلام».وعالم السياسة اصبح لا ينفصل عن عالم الأصوات، فالشعوب وخاصة تلك المبتلاة بقيادات تجاوزها الزمن أخذت تمج كثرة الجعجعة والخطب التي لا تسمن ولا تغني من جوع« ألم تسمع مؤخراً بذلك القائد الذي خطب لمدة ساعتين فأغمى عليه، ثم واصل خطبته بعد أن عاد إلى وعيه».
أما في عالم التربية والتعليم فالأمر يختلف. تربويا يعتبر الصوت أداة تعليمية هائلة المردود وعظيمة الأثر. فالمعلم المحترف الخبير يستطيع أن يمسك بكل حواس وعقل تلميذه ليبقيه فاغرا فاه وذلك من خلال تلاعب هذا المعلم المحنك بصوته صعوداً وهبوطاً، تسارعاً وتباطؤاً، حدةً وخشونةً. أن من أبرز سمات المعلم الضعيف أن تجده يؤدي صوتاً رتيباً وكأنه يعمل على هدهدة الطالب حتى يدخله في سبات عميق. أسألوا المشرفين التربويين المعنيين بتقييم أداء المعلم لتدركوا مدى عنايتهم بقدرة المعلم على توظيف صوته من أجل تقديم تعليم عظيم الفائدة.
|
|
|
|
|