| القرية الالكترونية
عند الحديث عن وسائل الإعلام فإن أول ما يتبادر إلى الذهن في الوقت الحاضر هو القنوات الفضائية التي سيطر تأثيرها على التلفزيون المحلي وتجاوز تأثير الراديو والجرائد والصحف والمجلات والكتب ولن أتطرق إلى تلك الوسائل التي هي بمثابة الانقراض في عصر المعلوماتية.
فالكتاب أصبح إلكترونيا ويمكن قراءته عبر الإنترنت بطريقة مشوِّقة ومثل ذلك الجرائد الإلكترونية التي أصبح إخراجها يتم كل ساعة، بل دقيقة بدل أن تكون يومية.
وأخيراً تلك المجلات التي أصبحت يومية بدل أن كانت أسبوعية وأصبحت شاملة أكثر من غيرها نعم يعد استخدام البث التلفزيوني المباشر من أهم التطور التكنولوجي في مجال الاتصال في عقد التسعينات وأن التطور الكبير والسريع في تكنولوجيا الأقمار الصناعة جعل أقمار البث المباشر قادرة على التغطية الشاملة أو تغطية منطقة الخدمة بشكل أوسع مما تغطيه أقمار الخدمة الثابتة موصلة إرسالها إلى شاشات التلفزيون في المنازل مباشرة من دون أي تدخل من قبل أي جهة متجاوزة حدود الدول.
وعن لغة الأرقام تشير آخر الإحصائيات إلى أن عدد الأقمار الصناعية الموجودة في الفضاء هي حوالي 8000 قمر صناعي ويحتوي كل واحد منها على 16 قناة قمرية فضائية والجيل الجديد منها يحمل 26 قناة قمرية وبنفس الوقت فإن أحدث التطورات تشير إلى استخدام الاستقبال المباشر (DBS) الذي يعني إمكانية الاتصال بين القطاع الفضائي وأجهزة الاستقبال مباشرة من دون المرور على المحطات الأرضية (المصفاة Filter) أو أية محطات أخرى أي أن الإرسال يصل إلى المنزل مباشرة دون قدرة الدول على منع ذلك.
وبالجملة فإن بشائر المستقبل تشير إلى دمج وسائل الإعلام بقناة واحدة يمكن بواسطتها الجمع بين الراديو والتلفزيون والإنترنت والمسجلات في آن واحد تحت مسمى النظام الترفيهي المنزلي المتكامل.
أما عن عالمنا العربي فالجهود في هذا المجال بدأت منذ عام 1985م عندما أطلق قمر عربسات وأسفر هذا عن ظهور 12 قناة عربية وتطور الأمر إلى نمو تلك القنوات.
إلا أن المتتبع إلى واقع المحتوى المرسل يجد أن معظمه يعتمد على الإنتاج الغربي تقول عواطف عبدالرحمن (1997م): «وإذا كان التنافس بين القنوات العربية (12 قناة) والقنوات الأجنبية (60قناة) قد أسهم في رفع مستوى الخدمة الإعلامية خصوصا في مجال التغطية الإخبارية إلا أنه كشف عن صعوبة تغطية ساعات الإرسال بالبرامج المحلية التي تتسم بالضآلة الكمية من ناحية واعتماد معظمها على الإنتاج المصري من ناحية أخرى خصوصا في المجالين الثقافي والعلمي مما أدى إلى الاعتماد على القنوات الفضائية الغربية على المنتج الأجنبي الوافد وخصوصا المسلسلات والمنوعات والأفلام ولا يخفى علينا خطورة الآثار المترتبة على الوضع الاتكالي».
وفي الحقيقة فإن العالم العربي ليس وحده يعاني من استيراد المحتوى من الثقافات الأخرى فقد أعلنت وزيرة الثقافة الكندية تذمرها من الهيمنة الثقافية الأمريكية وقالت من غير المعقول والمقبول أن تصبح 60% من برامج التلفزيون الكندي مستوردة وأن يكون 70% من موسيقانا أجنبية و95% من أخلاقنا ليست كندية.
والعالم العربي مرة أخرى معرض لاختراق ثقافي مضاعف إنجليزي فرنسي إذ إن البث الفضائي سيتيح التعرض لثقافات أجنبية بشكل مكثف مليء بالمغالطات والتشوهات الأمر الذي سوف يتيح بنقلات جذرية في التفكير لدى معظم الشباب، وقد ذكر بعض الباحثين بعض الملامح العامة لنماذج مضامين المادة الإعلامية الأمريكية والغربية الموجهة عبر الأقمار الصناعية لجمهور العالم الثالث خاصة الشباب منها مايلي:
1 الغلو في اللامنطقية وإلغاء العقل في فهم الأشياء والعلاقات والأحداث ويتمثل ذلك في مجموعة كبيرة من الأفلام العلمية والخيالية مثل أفلام الفضاء والصحون الطائرة.
2 تمجيد المغامرة الفردية والشعور بالعظمة الذاتية وقتل الإحساس بالجماعية.
3 الترويج للعنف والوحشية والقتل كما في معظم أفلام الغرب الأمريكي التي تمتلئ بها دور السينما ومحطات التلفزيون في العالم الثالث.
4 النزول بالمرأة في مستواها الإنساني وجعلها سلعة واقترانها بلذات ونزوات الرجال والانحراف بالأسرة عن غايتها وأهدافها الاجتماعية.
5 نشر أفلام العنف والجنس لهدم ذاتية الشباب وطاقاتهم بما يجعلهم غير قادرين على التكيف مع الواقع.
إن موقفنا من البث الخارجي كما يقول البعض له ثلاثة بدائل وهي:
1 البديل الأول وهو المنع الكامل وهو من الصعوبة بمكان ولن تستطيع الدول السيطرة على هذا الأمر ولاسيما بعد انتشار الإنترنت التي سمحت معظم الدول العربية بدخولها.
2 البديل الثاني هو السماح بدخول هذه التقنيات (الأطباق والمستقبلات) بدون أي تحفظ وبدون أي منع وفي هذا إفراط بإحداث نقلة نوعية كاملة قد تصيب السكان بصدمة اجتماعية لم يتم التخطيط لها.
3 البديل الثالث هو السماح بدخول هذه التقنيات وفق شروط وضوابط معينة.
وأقول إن الوعي الذاتي هو الحل الوحيد فلن تستطيع الدول مهما عملت السيطرة الكاملة على الإعلام وخاصة بدخول الإنترنت وقد أعلن أخيراً في وسائل الإعلام إلى تحالف بين شركات الإعلام والسينما والتلفزيون وشركات الإنترنت وبدأالتحالف بين هذه الشركات للسيطرة على العالم بأسره وليس هناك أي حل في مواجهة هذا الطوفان إلا بالحصانة الذاتية فإذا كنا غير قادرين على إنتاج المواد الإعلامية المميزة والجذابة والأخبار الحيّة فإن جمهورنا العربي سوف يتلقى برامجه من الإذاعات والمصادر الغربية وكلنا يعلم كم عدد المتابعين لقناة cnn أو قناة bbc سواء عبر التلفاز أو عبر الإنترنت.
ومن وجهة نظري فإن هذا يعتبر أكبر تحد يواجه العالم العربي في عصر المعلومات وقد أعلن أخيرا إمكانية نقل الصور في الإنترنت بنفس السرعة التي تنقلها الأقمار الصناعية وسوف تتيح الفرصة للجميع استخدام الإنترنت عبر أجهزة التليفون المحمولة.
وإذا كانت هذه القنوات الفضائية تحتاج إلى كثير من الأموال فإن الإنترنت لا تحتاج إلى 01.0% من المال لإنتاج ما تنتجه القنوات الفضائية.
والخلاصة إن الثورة المعلوماتية أحدثت تغيرا جذريا في وسائل الإعلام والسينما بكافة أشكالها وفروعها وأنواعها وألونها وصورها وأصبح الإعلامي العربي أمام مفترق طرق يجب أن يحدد مصيره وهويته على أن تأثير هذه الثورة على المثقف العربي تتمثل في استيراد الثقافة الغربية والاعتماد عليها في الأخبار والتحليل ومن هنا يكمن الخطر عندما نفقد الثقة في إعلامنا العربي الذي هو الآخر يستورد أكثر برامجه من الدول الغربية.
وعليه فإن الجهود العربية الضئيلة التي بدأت بالتفكير في إنشاء شبكة التبادل بين الدول العربية باسم «عرب فيزون» ومن ثم التوقف في هذا المشروع بسبب الخلافات السياسية والعرقية بحاجة إلى إعادة نظر وإحياء من جديد لهذه الفكرة الرائدة.
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
almosa@almosa.net
|
|
|
|
|