| مقـالات
هو أبو محمد عبدالسلام بن رغبان بن عبدالسلام بن حبيب بن عبدالله بن رغبان بن زيد بن تميم الحمصي السلماني الكلبي ولاءً.
قال أبو عبدالرحمن: المولى حقيقة من عتق عن رق شرعي، ويصدق ذلك على من عُرف مواليه من العرب؛ فيقال: التميمي، أو العقيلي، أو الحكمي ولاءً.. أو مولاهم.. ولأن من سوى العرب هم موضوع الرق بعد الفتوح الإسلامية عمموا الولاء في كل الأجناس؛ فصار كل من استعرب أو أسلم مولى!!.. وهذا من الظلم العربي، ومن بواعث الشعوبية.. بل الولاء حلف، وعتق.
وهو حمصي؛ لأنه ولد ومات بها، وهو سلماني لأن أصل آبائه من سلمية قرب حماة، وقيل: إنهم من مؤتة(1).. لم يفارق بلاد الشام، ولم ينتجع بشعره.. سمي ب «ديك الجن»؛ لأن عينيه كانتا خضراوين.. ذكر كل ذلك ابن خلكان.
قال أبو عبدالرحمن: لايزال التعليل مشكلاً؛ لأن الديك وحده غير مضاف أحمر العينين لا أخضرهما، والإضافة إلى الجن لاتزال محتاجة إلى التعليل!.
وقال الصفدي: «قيل: إنه كان أشقر، أزرق العين، ويصبغ حاجبيه بالزنجار(2)، وذقنه بالحناء؛ ولذلك قيل له: ديك الجن»(3).
قال أبو عبدالرحمن: لعلهم جعلوا الحاجب المصبوغ بهيئة عرف الديك، وجعلوا هذه الأصباغ المتعددة مع الزرقة الطبيعية مخرجة له عن التشبيه بديك طبيعي؛ فجعلوه «ديك جن»؛ لأن «ديك الجن» لايعرف له شكل، وعادة العرب والعامة إضافة كل مستغرب وما ليس بسوي إلى الجن.. وقيل: إن ثيابه أيضاً خضر، وأنه يصبغ لحيته بالزنجار.. قال ذلك سعيد بن زيد الذي دخل على «ديك الجن» ليكتب شعره، وذكر سعيد ان «ديك الجن» جيد الغناء بالطنبور(4).. وكان جده حبيب كاتباً للمنصور(5).
وعللوا عدم مغادرته للشام بشعوبيته؛ لأنه كان يتعصب لأهل الشام على العرب ذاهباً مذهب الشعوبية؛ ومن ثم لم يتم له عزم على مغادرة وطنه(6).
قال أبو عبدالرحمن: المشهور عنه أنه شديد الشعوبية، وأنه يقول: ما للعرب علينا فضل.. جمعتنا وإياهم ولادة ابراهيم (عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة والسلام)، وأسلمنا كما أسلموا، ولم نجد الله فضلهم علينا بعد أن جمعنا الإسلام!!.. هكذا نقل عنه أبو الفرج الأصفهاني؛ فديك الجن إذن على مذهب المحققين من كون عدنان وقحطان من ذرية اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام كما برهنت على ذلك بكتابي «العرب نسباً وشرفاً».
وذكر المرزباني: أنه ومحمد بن سلامة الدمشقي أشعر شعراء الشام.
قال أبو عبدالرحمن: المطبوع من شعر «ديك الجن» قليل جداً، وهو ما بين جميل مجنِّح، وعادٍ، ومتكلف.. وكلمات نقده وتقريظه فخمة جداً لا يتحملها شعره المطبوع وهو كله مجموع من بطون الكتب المطبوعة والخطية فظننت أن أكثر شعره ضائع كما قيل عن شعر بشار.. حتى تفقهتُ في مأخذ ذلك التقريظ الفخم؛ فعلمت ان ما ضاع منه لن يكون كثيراً؛ لأن الهمة في جمع شعره بدأت من معاصره سعيد بن زيد الحمصي، ولأن مخطوطة السري الرفاء من الديوان قريبة عهد بديك الجن، ولأن نماذج تقريظه الفخم من الشعر الذي لم يضع.. وأما قصة الجارية التي قتلها ثم رثاها فهي مما انتحله أو نُحِّل إياه؛ لأنها رويت عنه بعد وفاته بقرن، ولأنها منسوبة لغيره ممن هو أقدم منه، ولأن سياق القصة ينافي سياق القصيدة.. ولعله قتل جارية له، أو غلاماً، أو هما معا لسبب من الأسباب، ولعله بكاهما، أو بكى أحدهما.. ولكن بغير النسق الأسطوري الذي عارضه أبو ريشة وشكسبير.. الخ.. ولعل ذلك القتل سوَّغ انتحاله أو تنحيله الأسطورة والقصة، أو ان ذلك سبب الوهم في نسبة الأسطورة إليه.. وأكتفي الآن بالحديث عن ديوانه؛ فإن المطبوع من شعره لا يمثل سمعته الأدبية؛ لقلته؛ فقد ذكر الدكتور عمر فروخ ان الاستاذ عبدالمعين الملُّوحي، ومحيي الدين الدرويش طبعا ديوانه بلا اسم لمكان الطبع ولا تاريخ(7).. وجمع ديوانه أيضاً أحمد مطلوب، وعبدالله الجبوري، وصدر عن دار الثقافة ببيروت عام 1964م.. وجمعه أيضاً يعقوب العويدات، وطبع بمصر ط.م المقتطف والمقطم عام 1948م. وطبع بتحقيق أنطوان محسن القوَّال نشر دار الكتاب العربي ببيروت/ طبعتهم الثانية عام 1415ه.
وبيَّن الأستاذ هلال ناجي ان طبعة عبدالمعين الملوحي وزميله صدرتا في حمص عام 1960م، وأنهما جمعاه، وأنه ضم 417 بيتاً جمعاها من شتيت المظان(8).. وذكر ان جمع الدكتورين أحمد مطلوب وعبدالله الجبوري ضم 641 بيتاً.. أي بزيادة 224 بيتاً(9) منها 156 من علوياته نقلها من خط محمد السماوي الذي جمع العلويات، و 68 بيتاً من المظان.. كما ان دار الثقافة البيروتية ناشرة الديوان استدركت أيضاً ثلاثين بيتاً من المرجح أنها من استدراك الدكتور محمد يوسف نجم(10). وكتب عن «ديك الجن» وجمع شعره الأستاذ مظهر الحجي طبعة وزارة الثقافة بدمشق/سلسلة إحياء التراث عام 1987م.
قال أبو عبدالرحمن: عمدتي في دراساتي لديك الجن ديوانه بتحقيق انطوان القوال، ومستدرك الدكتور نوري القيسي وزميله.. ولم أطلع بعد على بقية الدواوين، ولم أطلع على ما كتب من كتب مفردة عن «ديك الجن».. والقيسي وزميله إنما استدركا على ما جمعه الملوحي وزميله، وما جمعه أحمد مطلوب وزميله.. استدركا أبياتاً على قصيدة موجودة في الديوانين أو أحدهما، واستدركا ترتيباً، واستدركا قصائد ومقطعات، ونسبا له هذين البيتين:
خيارُ لونٍ قد أتى
أبيض ترى منه العجب
يحكى سبائك فضةٍ
فيها شذور من ذهب |
وقالا: ((نقلناه من مقالة الأستاذ محمد يحيى زين الدين المنشورة في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق ج1 م51 ص 152 153 أي عن مخطوطة روضة الأديب ونزهة الأريب الورقة 73 ، وفي النفس منها شيء))(11).. ونقلا عن خصائص ابن جني هذا البيت:
لم تُبْلِ جِدّة سُمْرهم سُمْرّ ولم
تَسِمِ السّمُومُ لأُدْمِهنّ أديما(12) |
وقال العقيلي الذي روى عنه ابن جني: «هن بمائهن كما خلقنه».(13)
والنسبة إلى الحمصي، ولم يحقق المستدركان ان المراد ديك الجن.. على أن محقق طبعة الخصائص بيّن أنه ديك الجن(14)، ودليله منهج ابن جني في العزو إلى شعرٍ لديك الجن، وهو محقَّق أنه شعره بمجرد النسبة إلى الحمصي(15).
قال أبو عبدالرحمن: لم يطبع ديوان ديك الجن عن نسخة خطية بخط أو إملاء الشاعر، أو نسخة من خط معاصر له، أو نسخة مسندة إليه بالسند المتصل.. وأشار الأستاذ هلال ناجي إلى نسختين خطيتين مفقودتين:
الأولى: ما اطلع عليه السري الرفاء وهو من رجال القرن الرابع الهجري؛ قد قال في كتاب المحبوب (1/59) عن قصيدة للعباس بن الأحنف: «وقد قرأتها في ديوان ديك الجن، والعباس أولى بها».
والثانية: صنعة علي بن محمد بن المطهر العدوي الشمشاطي المتوفى في أواخر القرن الرابع الهجري حسب مقدمة كتاب الأنوار ومحاسن الأشعاربتحقيق الدكتور السيد محمد يوسف(16).
قال أبو عبدالرحمن : يبعد ان تكون نسخة السري المتوفى عام 312ه هي ما صنعه الشمشاطي المتوفى سنة 380ه؛ لأن ديك الجن ولد عام 161ه، وتوفي سنة 235 (وقيل: سنة 236ه.. وقيل سنة 240ه)؛ فنسخة السري قريبة من عصر المؤلف.. والصنعة تعني الرواية، أو الشرح، أو الترتيب، أو كل ذلك؛ من المحتمل ان الشمشاطي جمع ديوان ديك الجن استئنافاً من المصادر، أو وصل إليه بالرواية والسند، أو شرح نسخة خطية (نسخة السري، أو غيرها).. ونقل الأستاذ هلال ناجي عن وفيات الأعيان لابن خلكان، ومرآة الجنان لليافعي: ان ضياء الدين ابن الأثير وهو من رجال القرن السابع جمع المختار من شعر أبي تمام والبحتري وديك الجن والمتنبي في مجلد كبير(17).. وكل هذه المصادر مفقودة الآن، وإلى لقاء إن شاء الله.
الحواشي:
(1) قال أبو عبدالرحمن: ذكروا ان جده الأعلى دخل في الإسلام وشهد مؤتة عام 8ه؛ فلعل ذلك جده تميم، فهو أعلى جد له عرف، وبما ان القرن فيه ثلاثة أجيال فذلك يليق بجده تميم؛ إذ فوق «ديك الجن» سبعة آباء إذا حُسبت أجيالهم منذ وفاة «ديك الجن» تحقق ان تميماً أدرك مؤتة.. قال الدكتور عمر فروخ في كتابه تاريخ الأدب العربي 2/271طبعة دار العلم للملايين/ الطبعة السادسة عام1992: «ويبدو ان أسلافه انتقلوا فيما بعد إلى سلمية، وتأثروا فيها بالدعوة الفاطمية، ثم انتقل قوم منهم إلى حمص».
قال أبو عبدالرحمن: هذا سِرُّ تشَيُّعه .. إلا أنه فيما يقال: كان معتدلاً.. وكانت قصيدته «ياعين لا للقضاء ولا للكتب» مما تنوح به الشيعة، وهي في رثاء الحسين بن علي رضي الله عنهما.
(2) يظهر من مادة الزنجار في تاج العروس، والمعجم الوسيط: أنه صبغ على لون صدأ النحاس.
(3) الوافي بالوفيات 18/423 نشر دار فرانز شتاينر شتوتغارت بألمانيا ط.م دار صادر ببيروت 1411ه.. وترجم لديك الجن ابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن خلكان في الوفيات، والذهبي في سير أعلام النبلاء، والصفدي في الوافي، وغيرهم.. ومن المعاصرين خليل مردم بك في شعراء الشام، وفي معجم المؤلفين لكحالة 5/224 دار إحياء التراث العربي ببيروت إحالة إلى بعض الدراسات عنه في الدوريات.. وقصَّر خير الدين الزركلي رحمه الله في ذكر مصادره؛ فلم يذكر غير وفيات الأعيان.. انظر: الأعلام 4/5 دار العلم للملايين الطبعة الثالثة عشرة عام 1998م.. ونسب له أبو حيان التوحيدي بيتين سافلين في الامتاع والمؤانسة 3/34 ط لجنة التأليف والترجمة والنشر عام 1373ه بمصر (مصورة) توزيع المكتبة العصرية بصيدا ببيروت هما:
إذا لم يكن في البيت ملح مطيِّب
وخل وزيت حول حُبِّ دقيق
فرأس ابن أمي في حِرِ أُمِّ ابن خالتي
ورأس عدوي في حِر أُمِّ صديقي |
وقد بيَّن المحققان الأديبان أحمد أمين وأحمد الزين: ان الحُب بضم الحاء، وأنه الجرة التي يوضع فيها الدقيق.. وترجم له مؤرخو الأدب العربي منذ بروكلمان مثل جرجي زيدان في كتابه تاريخ آداب اللغة العربية 2/89 91/ دار الفكر ببيروت / طبعتهم الأولى عام 1416ه باشراف يوسف البقاعي.. وترجم له مصنفو الموسوعات ودوائر المعارف.. وأما الدراسات عنه في الكتب والدوريات فكثيرة جداً، وقد أحلت إلى مراجع كثيرة (لم أذكرها هاهنا) حسب حاجة الجوانب التي درستها من شعره وحياته، وبقية المصادر مذخورة لدراسات أخرى إن شاء الله.
(4) المصدر السابق.
(5) تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان 2/77 ترجمة الدكتور عبدالحليم النجار/دار الكتاب الإسلامي بقم في إيران/ الطبعة الثانية عن كتاب الوزراء للجهشياري.
(6) تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 2/77، ولعل ذلك عن معجم الشعراء للمرزباني.
(7) تاريخ الأدب العربي 2/273.
(8) المستدرك على صناع الدواوين للدكتور نوري القيسي، والاستاذ هلال ناجي 1/363 عالم الكتب ببيروت الطبعة الأولى عام 1420ه.
(9) قال شينا أحمد يوسف القادري: «العرب تكتب وتقرأ من اليمين إلى اليسار، وفي الأعداد هنا «بيت» تميز بمئة.. والتمييز بمئة مجرور، وما يكتبونه في عصور الانحطاط يُقرأ من اليسار، فلو قرأت الأعداد من اليمين لوجب جر البيت».
(10) المصدر السابق.
(11) المصدر السابق 1/369.
(12) سمرهم: السمر منهن جمع سمراء، والسمرة سواد خفيف يكون بين السواد والبياض.
(13) المصدر السباق 1/383 عن الخصائص 2/119 120.
(14) الخصائص لابن جني 2/119 المكتبة العلمية تصوير طبعة دار الكتب المصرية بتحقيق محمد علي النجار.
(15) انظر: الخصائص 2/47.
(16) المستدرك على صناع الدواوين 1/364.
(17) المصدر السابق.
|
|
|
|
|