| الاخيــرة
ظلت المخطوطات ناقلة للفكر البشري على مر العصور حتى هيأ الله للإنسان اكتشاف آلات الطباعة الحديثة فتسابق الناس على طباعة مالديهم من علوم مغتنمين ما أتاحته لهم هذه الآلة العجيبة من فائدة قل نظيرها، وهم في سباقاتهم هذه يلتفتون يمنة ويسرة باحثين عن كل مخطوطة لم تصلها يد العارفين ليصفُّوها بين دفات تلك الآلة لتخرج هذا المعين من العلوم الجليل جُّلها والسيء أقلها، وهكذا استمرت الحال حتى عصرنا هذا.
والصين من تلك الدول الغنية بالمخطوطات وقليل منها لم تداعبه أصابع تلك الآلة ومنها ما تم طبعه لكن بقيت بين أيدي الناس يتناقلونها رغبة منهم في الحفاظ عليها أو لعدم وجود نسخ بديلة مطبوعة.
والقرآن الكريم أجلُّ الكتب، وأعظمها، وأكثرها أهمية لدى المسلمين. وقد صدرت مصاحف القرآن الكريم المطبوعة على الكليشهات الخشبية تحت اشراف الأستاذ يوسف دو ون شيو، وذلك بعد تأسيس الحكم في منطقة دالي 1279م أي في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي. ويقع هذا النوع من الطباعة للمصاحف الكريمة في 30 مجلداً، وهي أقدم ما تم طباعته في الصين ولم يعد حسب علمي من هذه الكليشهات أي مخطوط. وبعد 23 سنة من نسخ تلك المطبوعات قام الشيخ ماليان ايوان بنقش الكليشهات الخشبية الخاصة بالقرآن الكريم، فعهد بالكتاب إلى أحد الخطاطين، كما عهد بمهمة النقش إلى أكثر من ثلاثين نقاشاً متميزاً في هذا المضمار ومعظمهم من مقاطعة سينشوان. وبعد أن تمت الكتابة والنقش، تمت المراجعة من قبل الشيخ ماليان يوان، الذي يقطن في قرية صغيرة بمحافظة يوشي تسمى داينغ. وقام النقاشون في مدينة كومينغ بمقاطعة يونان بلصق الكتابة على ألواح خشبية معدة سلفاً بصورة معكوسة، وتم تغطيتها بالقماش، كما تم ترك سطر واحد من السطور المخططة ظاهراً للعيان تسييراً للنقش. وقد أخذ هذا العمل الجليل من الخطاطين والنقاشين والمراجعة نحو ثلاث سنوات، جرى خلالها المراجعة مراراً وتكراراً لألا يحدث أي خطأ غير مقصود.
وبينت بعض الدراسات التي أجريت لاحقاً في عام 1984م أن عدد الكليشهات الخشبية بلغ نحو 1964 قطعة، وهي ما زالت محفوظة حتى يومنا هذا، وتعتبر من التراث الإسلامي الصيني القديم.
لقد أتاحت الظروف المساندة في الصين آنذاك شأنها شأن الدول الأخرى ظهور أعداد كبيرة من الخطاطين لا سيما للغة العربية، حيث الحرص على توفير القرآن الكريم، والكتب الفقهية وكانت الأقلام تصنع من القصب الخيزراني الذي يتم بريه عدة مرات حتى يكون صالحاً للكتابة، ويتم استخدام أوراق لينة رقيقة وغير ملساء مما استوجب لصق عدة طبقات حتى تكون أكثر متانة مما يسهل الكتابة بالأقلام الخيزرانية، وبعد الكتابة يتم التجفيف والصقل ببعض الحجارة الناعمة، ثم يتم تحديده بأقلام الخيزران وتجليده بالخيوط المتسلسلة وتسوية أطرافه بمقطع حاد، ويستغرق كتابة وتجهيز وتجليد الكتاب الواحد أكثر من سنة ونصف السنة اذا كان صغير الحجم، وأكثر من ثلاث سنوات للكتب ذات الأحجام الكبيرة.
وقد رأيت بعضاً من تلك المخطوطات التي ما زالت في أيدي أصحابها. وهي تراث اسلامي صيني سيظل شاهداً على حرص المسلمين الصينيين على التمسك بدينهم الإسلامي الحنيف.
|
|
|
|
|