| الثقافية
كان سؤالنا الاسبوع الماضي الماضي يقول: هل ان توجه البعض الى الكتابة الصحفية على حساب الكتابة الادبية في السنوات الاخيرة كان بحثاً عن القارئ المفقود؟.. اظن ان الاجابة نعم، والحقيقة ان هناك كتّاباً يحبون التماس الدائم مع القارئ حتى عندما كانوا يكتبون في الادب فقط، تجدهم في حواراتهم يكثرون من الحديث عن القارئ اكثر من الحديث عن تجربتهم الادبية، وتجدهم على اتصال دائم بالكتّاب اصحاب الجماهيرية، كما تجد ان لديهم حباً للشهرة او للاضواء او لان يكونوا في موقع الحدث كما يقال، وهؤلاء في العادة تجد ان كتاباتهم الادبية اكثر تنظيماً لكن اقل عفوية، كما ان البعض منهم ينزع في تصرفاته نحو المثالية باعتبار انه اديب او كاتب صحفي مهم، بالتالي يفترض ان يكون قدوة للجميع في كل شيء وهي طبعاً نظرة مثالية لا يملكها جميع الكتاب، اذ ان البعض الآخر من هؤلاء الكتاب يرى انه لا يختلف عن غيره من الناس وبالتالي فإنه تصرفاته لا تحن الى مثالي معين او نموذج معين بقدر ما تسير على فطرتها، كأي انسان آخر لا علاقة له بالوسط الادبي او الصحفي.
اما من جهة ان العمل الادبي يفتقد للجماهيرية فهذه حقيقة مقارنة بالعمل الصحفي، وقراء الكتابات الاجتماعية والرياضية والفنية دائماً اكثر من قراء الادب في جميع انحاء العالم، وربما هذا هو السبب الذي جعل بعض الادباء وعن قناعة شخصية يتجهون الى الكتابة الاجتماعية، وربما لان الكتابة الادبية لم تعد ممتعة بالنسبة لهم، بينما اصبحوا يجدون هذه المتعة في مختلف انواع الكتابات الاجتماعية، وهذا حق من حقوق الكاتب ان يكتب بالطريقة التي تناسبه وتناسب قدراته وميوله التي يتعرف عليها تدريجياً عندما يدخل عالم الكتابة، اضف الى ذلك طبعاً وقبل كل شيء سيطرة هموم الناس على أذهانهم وهذا شيء ايجابي.
ونقطة اخرى تحتاج الى ضوء ضمن هذا السياق، ان لغة الادب سواء كان قصة او قصيدة اورواية ممكن ان تكون اكثر سهولة وفي متناول اذهان جميع القراء دون ان يتنازل الاديب عن المستوى الفني اللغوي والتقني، فحين يراكم الاديب تجربته ويعرف كيف يكتب نصه الادبي بسهولة وبدون تعقيد وبقدرة ايضاً عن الابتكار والتجديد فانه يستطيع ان يصل الى القارئ ليس من اجل ان يصل اليه فقط، ولكن من اجل ان يختبر تجربته ايضاً ويقيّمها دون ان يتنازل عن القيمة الادبية والفكرية والفنية ايضاً لهذا الادب، ولكن ليس على طريقة احدى القصص التي قرأتها مؤخراً والتي تكتب عن المستنقعات في الشوارع «مثلاً» لان هذه اللقطة في القصة غير ادبية واقل اهمية من افكار جديدة يمكن ابداعها بالقليل من التركيز اذا كان الكاتب يملك المقدرة، كما ان مستنقعات الشوارع بحاجة الى تحقيق صحفي حتى لا تختلط الهموم.
والشيءالصعب جداً في هذا الموضوع والمعقد ايضاً، ان بعض الكتاب يفهمون السهولة في النص الادبي خطأً، فعندما يحاولون تسهيل هذا النص او تبسيطه فانهم لا يستطيعون سوى تسطيح مفاهيمه وافكاره، وهنا يتوقف التنظير وتبدأ قدرات الكاتب، قدراته الحقيقية في ابداع نص ادبي عالي المستوى سهل الوصول للقارئ، امام نص لا يستطيع ان يحقق هذه المعادلة الكبيرة وهي المستوى العالي والسهولة في آن واحد، وهي معادلة صعبة محكها الحقيقي هو النص وليس التنظير حول هذا النص، بمعنى موجز اخيراً، ان اللغة السهلة في النص الادبي لا تعني ان ينحدر الهم في هذا النص الى بعض المشاهدات اليومية السطحية الشاكية والعابرة او المثالية التي قد تصيب فنية هذا النص في مقتل دون ان يدري صاحبه هذا النص ان قلب نصه ساكت وهو يظن انه ينبض بالحياة.
وعندما انتقد الاستاذ الاديب محمد العلي احد الكتّاب الصحفيين الذين كانوا ينظرون للادب سابقاً وقال عنه انه كاتب «دائري»، اي انه شخص يدور بكتاباته حول نفسه وحول مواضيع اقل اهمية، فانه كان يقصد الاشارة الى اننا بحاجة الى ان نخرج من اية دائرة تريد ان تحبسنا بكل افكارنا وطموحاتنا داخلها، ولهذا ايضاً اتفق مع رأي الاستاذ علي يوسف العبدالله الذي كتب منتقداً مثل هولاء الكتّاب الذين وصلوا لحال يرثى لها بعد ان ظنوا ان الكتابة الاجتماعية الساخرة مطية سهلة يمكن ان يركب على ظهرها كل من اراد مجرد الكتابة، واتفق معه ان مثل هذه الكتابات تنم عن تفيكر ذي بعد واحد وذهنية متناقضة وغير متطورة، وهذه حقيقة عرفها القراء ايضاً وليس أدباؤنا فقط.
* * صورة:
الاخضر يفيق من نومه ،
لا شيء يدعو للبهجة ،
ولا اشاعات تملأ وقته ،
ولا اصداء تردد اسمه ،
الاخضر يهرب من وحدته ،
ليطبخ اشاعته الجديدة .
ص.ب: 7823
الرياض:11472
fhadateq@hotmail.com
|
|
|
|
|