| الثقافية
هل نصفّي الحساب مع الماضي إذا كنا ننقد الذات والهوية؟!
أراك تقفز بي من مرحلة الى أخرى، وهذا لن يمنعني من الاجابة «عن طريق الاستعانة بصديق» يقول أحد أصدقائي: نقد الذات لا يعني تصفية الحساب مع الماضي»، إذ لا شيء ولا موروث يمكن تصفيته إلا على سبيل الارهاب والاستئصال. كذلك لا يعني هذا النقد الانسلاخ عن الهوية او الانقطاع عن البيئة الثقافية، فذلك من قبيل التهويل الذي يمارسه حماة الهوية ودعاة الأصالة، إذ لا أحد بوسعه التجرد من خصوصيته او الانسلاخ عن هويته. وإنما الرهان هو التعامل مع التراثات والهويات، بوصفها إمكانات متاحة ومفتوحة، هي رؤوس أموال عقلية يمكن الاشتغال عليها لتحويلها الى عملة فكرية، راهنة، قابلة للصرف والتحويل الى لغات مفهومية وصيغ عقلانية، او الى مجالات تداولية ومنظومات تواصلية، او الى ابتكارات فنية وعوالم جمالية، او الى نظريات علمية واختراعات تقنية!!.
هذا السؤال يقودنا الى استفهام آخر متمثل في الإرث الثقافي الذي نملكه، ما هو؟!.
نحن نملك إرثاً من الصيغ والتصورات والتشريعات ، كانت فيما مضى حية وراهنة، فعالة وخارقة، بدليل اننا صنعنا بها انفسنا وغيرنا العالم.
ولكن ماذا عن الآن؟!
الآن هذه الموروثات باتت مستهلكة نعود بها الى الوراء بالشكل الأسوأ، بقدر ما حولناها الى مقررات او الى شعارات خاوية، او الى متحجرات اصولية، نخشى عليها وننشغل بالدفاع عنها!!
ولكن لو سألتك ما الحل؟!
لعلي اجعل السيد د. علي حرب يجيبك بقوله الحل: ان نتعلم الدروس من الغرب، بنقد الذات ومساءلتها في المقام الأول، عن مصداقية الاسماء والأقوال، او عن مآل الأفعال والممارسات، خصوصاً أننا نقرُّ ب«تخلف روح الاجتهاد والإبداع»، ونجمع على تردي الأوضاع والأحوال.
ولعل مصدر العجز والتخلف، هو ما ندعو اليه بالذات، أي اوهامنا عن الانسنة وتهويماتنا حول الاسلحة، ولذا فإن بداية الأنسنة هو اعتراف المرء بالخطأ، او تقديم العذر وطلب الصفح والعفو!!
ولكن من يلاحظ خطابنا الثقافي في الوطن العربي يجد اننا «نتقن فن اتهام الغير بالفقر والتصحر»، ولكن لا نستطيع ان نسلط هذا الضوء على واقعنا، الأمر الذي يعكس فقراً في المعنى والخطاب، وهشاشة في المفهوم، او عجزاً عن إيصال الحقيقة التي طالما تغنينا بها!!
هناك من يقول اننا نفكر لننتج افكاراً تتطابق مع الواقع، وآخر يقول: اننا نفكر بحثاً عن واقع يتطابق مع افكارنا؟ إلى ماذا تميل؟!
لا هذا ولا ذاك يجب ان نفكر لكي نتغير عما نحن عليه، بتغيير جغرافية المعنى، ومنظومات التواصل، او خارطة الثروة، واذا كنا ندخل الآن في العصر الكوكبي، وندخل في الزمن العالمي الواحد، فإننا نحتاج الى شكل جديد لعلاقات الإنسان بذاته وبغيره، او بالطبيعة والبيئة، او بالعالم والأشياء.
هذا الشكل لن تفي به اسماؤنا ومفرداتنا، ولا افكارنا وممارساتنا، او قواعدنا ومؤسساتنا، لعله اقرب ما يكون الى الفضاء او العالم او الوسط، مما يجعل من الصعب اختزاله الى اصل أول، او نموذج كامل، او نسق مغلق، او نظام محكم.. انه بالأحرى القدرة الدائمة على ابتكار الصيغ والانظمة والأساليب، بنبش الأصول، وتعرية الأسس، وتفكيك النماذج، او كسر القوالب!!
كيف نرى علاقات الغرب بالتراث العربي؟! والعكس!!
ان الأمور لا يمكن تبسيطها بهكذا مقال ولكن يمكن القول ان العلاقات بالغرب متعددة الوجوه والمستويات، اذ فيها الايجابي، وفيها السلبي. صحيح انها تتم في سباق سجالي منذ صدمة الحداثة حتى صدمة العولمة، ولكن ذلك لا يعني ان نشن الهجوم على الغرب وثقافته، او ان نستنكر موقف الذين يعترفون بحقيقة الانجازات الغربية، بأثرها الفعّال في نهضتنا الفكرية وسيرورتنا الحضارية، بحجة ان الغرب ينكر بشيء من «عدم الانصاف» دور العرب والمسلمين في الحضارة الغربية الحديثة. ذلك ان العلاقة بين الحضارات ليست وحيدة الجانب، وإنما هي علاقة تبادل وتفاعل، بقدر ماهي علاقة تحدد مواجهة، فنحن تأثرنا بالفكر اليوناني القديم، بقدر ما أثّرنا في الفكر الغربي الحديث.
هي ترى تمازج الثقافات الهائل، وهل يؤدي الى اتساع مفهوم الحقيقة.
دائماً قرن مراحل التاريخ والجغرافيا، ولكنه لا ضير عليك، فنحن في عصر العولمة «عصر القرية الصغيرة»، لذا يمكن القول: ان الحضارات تتداخل قال ذلك المثقفون، ام لم يقولوه، اعترفوا، او لم يعترفوا، فالحضارة أي حضارة: هي مراس ذاتي وصناعة للنفس وانتاج للحقيقة، تتغير معها نماذج الرؤية وأنماط المعاملة بقدر ما تتغير مبادئ التصنيف وآليات التفكير بصورة تتيح اعادة توزيع او ترتيب المعارف والسلطات والمعطيات، وبما يؤدي الى توسيع مجالات الحق، فاتساع مفهوم الحقيقة بفتحه على المستعبد والمكبوت او الخطأ، يفتح امكانات جديدة اكثر غنى واتساعاً لممارسة الحقوق والحريات!!
alarfaj2000@ana.com
|
|
|
|
|