| مقـالات
المساحة الكبيرة والمكانة العالية التي نحتلها أنا وأنت وهي في قلوب الآخرين ليست مجرد مشاعر آنية او أحاسيس مشكوك فيها ولا تأتي من فراغ، ولكنها في حقيقة الأمر، انعكاس حقيقي وعملي لما نعطيهم إياه من حب وعاطفة وتقدير، والأهم من ذلك من تفهم واع لظروفهم ومعاملتهم على نحو يرضونه ويريدونه.
خذ مثلا هذا الانسان الصادق الذي استطاع وبكل عفوية وبساطة ان يدخل قلوب الآلاف من الناس وان يكسبهم محبته وان يزرع الامل بداخلهم وان يأخذ بيدهم نحو بر التفاؤل فماذا نتوقع ان يكافأ ممن هم حوله؟ ان أقل شيء يستطيعون ان يعطوه إياه هو ذكره بالخير والدعاء له في ظهر الغيب أليس هذا جميلا؟ أليس كل منا بجاحة لهذه الدعوات الصادقة؟ ان كل هذا لا يقدر بثمن.
ان مثل هذا الانسان ليس بالضرورة ان يكون صديقا ترافقه في كل مكان او انساناً يحتل وظيفة او مكانة اجتماعية معينة او غيره.. ابدا فكل منا بامكانه ان يصبح هذا الانسان.
خذ الكاتب مثلا الذي يُطل على قرائة يوميا أو اسبوعيا هو الآخر له دور كبير وكبير جدا في تنمية المجتمع وتوعيته وتبصيرة بأمور مهمة في دينه ودنياه مهما كانت كلماته قاسية أحيانا ولكن يكفي انه يعرف كيف يصل لقلوب قرائه والمتابعين له.
ومعنى هذا ايضا انه لا يعني وجودي معك واتصالي بك يوميا ورؤيتي لك بشكل مستمر، لا يعني ذلك أنني أحبك محبة خاصة كما لا يعني عدم رؤيتي لك وسماعي لصوتك ان حبي لك قد فتر وان مشاعري لك قد تبدلت وتغيرت، ولم تصبح بنفس الوهج، ولكن في مواقف وظروف معينة يصبح الابتعاد الوقتي القصير مفضلا حينما تكثر المواجهات الحادية بين الطرفين اما نتيجة لردود الفعل الغاضبة أو بسبب الغيرة ونحوه.
ان ما أقصده اننا نبتعد عن بعضنا أحيانا لالتقاط أنفاسنا لتقييم وضعنا للتفكير في كيفية جعل ما تبقى من علاقتنا في صورة أفضل وعلى نحو أجمل.
صحيح اننا حينما نتحدث عن الألم أحيانا تشعر انت بشيء فظيع ينتابك تتضايق على اثره وربما اسودت الدنيا في وجهك وربما ايضا قررت ألا تتواصل مع من كان سببا في هذا الضيق، ولكن لأنك صادق مع نفسك وتجد هذا الصدق مع هذا الانسان او ذاك فإنك لا تستطيع الا ان تتواصل معه وتسأل عنه وتتابع اخباره.
وبالمناسبة، فهذا ليس له علاقة بما يمكن ان يسمى بالكرامة او المكابرة، لأن الكرامة لا تنتفض الا اذا كان الطرف الآخر أو الأطراف الاخرى لا يهتم بنا ولا يقدرنا، وربما يكرهنا في حين اننا عكس ذلك اما لو كان هذا الطرف الآخر هو هو لم يتغير بل إن كل ما في الامر ان هناك ظروفاً ما ربما تقلل من فرص تواصلنا معه والتقائنا به، وغير ذلك من الامور فهنا تظل المحبة والمعزة كما هي وخاصة اذا كنا نعرف اصل الشخص وطبيعته.
ونحن حينما ننادي قلبك فإننا نفترض اننا ننادي ذلك القلب الكبير المشبع بالحنان والعاطفة المملوء بالرحمة بالانسانية، نخاطب بداخلك تلك المساحة الكبيرة من التسامح الذي يظلل اخطاء المحبين وتجاوزاتهم غير المقصودة.
نحن لا نريد ان نفتح جراحا غائرة كادت ان تلتئم، او تثير حساسية من شخص او موضوع معين، ولكن ما يحدث احيانا انني كإنسان متخم بالهموم ومليء بالافكار السوداوية ليس لدي وقت في التفكير في الأشياء المفترض التفكير فيها لأننا ربما ما زلنا نعيش حالة صدمة نفسية او حالة اكتئاب او ربما لأن الظروف من حولنا لا تسمح لنا للخروج مما نحن فيه بل وحتى اقرب الناس لنا هم انفسهم لا يمدون لنا يد المساعدة او لا يعرفون كيف يخرجوننا مما نحن فيه.
ان هذا القلب الذي لديك ربما تعب من مناداتنا له وربما أنهكه التعب من كثرة الرجوع للماضي وتذكر الذكريات الحلوة والسيئة على حد سواء، ولكنه يتعب لأنه قلب كبير رقيق يحس بما حوله ويتأثر بكل ما يدور من مواقف انسانية وظروف قاهرة للآخرين فما بالك اذا كان هو نفسه يعاني تلك الظروف ويمر بنفس التجارب والمواقف؟
هذا القلب الذي بداخلك لولا صدقه لما احب بطريقة مختلفة حتى التعب، وهذا الحب لولا شفافيته لما تفرّد عن غيره، وهذا الطرف الآخر لولا تميزك عن الآخرين لما انجذت اليك وتعلق بك وسأل عنك وغار عليك.
وهذه العلاقة الحميمة لولا انك طرف فيها لما حرض الطرف الآخر على المحافظة عليها والتمسك بها والدفاع عنها من كل من يريد ان ينال منها او يشوهها او يقلل من أهميتها، بل من كل العواصف التي تريد ان تعصف بها وتوهن من قوتها.
هذا القلب لولا انه حديقة غناء مليئة بالورود والزهور، ولولا ان جنباته محاطة بالرياحين ولولا ان اجواءه مفعمة بشذا العطور وهذا القلب لولا انه قاع بحر صاف مليء باللآلي والدانات والشعب المرجانية الرائعة التي تشكل لوحات جمالية بصدفها المختلفة الاشكال والالوان.
لولا انه كل ذلك واكثر لما اصبح هدفا غاليا للباحثين عن أسرار الجمال ومكامنه وعن مواطن الصدق والعطاء الذي لا ينضب، بل لما اصبح منهجا لكل من يريد ان يتعلم كيف يقيم علاقات انسانية صحيحة قائمة على الصدق والصراحة وكيف يجدد حياته ويثري علاقاته.
أرأيت لماذا نخاطبك وننادي فيك قلبك؟ أرأيت كم هو أملنا فيك كبير في ان تظل هدفا للخير وعنوانا للتفاؤل ورمزا للعطاء.
همسة
حينما أحدثك..
حديث القلب للقلب..
وحينما أخترق ما بداخلك..
واعرف ما يؤرقك..
وما يغض مضجعك..
وما يلامسك..
بل أعرف ما في نفسك..
فليس لأني أفضل منك..
ليس تطفلا عليك..
ليس تدخُّلاً في شؤونك..
* * *
ليس لأنني أريد..
ان اذكرك..
ذكرى أليمة على قلبك..
أو أسترجع معك..
أشياء ترغب في نسيانها..
أبدا.. لا هذا ولا ذاك..
صدقني..
* * *
كل ما أريده..
حينما أناديك نداء القلب..
أن أشعرك بكل صراحة..
أنك لست لوحدك حينما تحزن..
فهناك من يشاطرك أحزانك..
هناك من يحزن مثلك..
وحتى حينما تفرح..
فهناك من يسعد من أجلك..
من يشاركك فرحتك..
***
ومع ذلك..
اسمح لي ان أعتذر لك..
إن كنت دون قصد..
قد سببت لك ألما..
اعذرني حينما أعيد عليك..
شريط الماضي..
بكل أحداثه..
بكل أحزانه وآلامه..
* * *
ولكن عزائي..
أنني أنا الآخر..
جزء منك ومثلك..
أعاني ما تعانيه أحيانا..
او مررت به يوما ما..
* * *
عزائي..
ان أناساً كثيرين..
سوف يرتاحون..
حينما يعلمون..
ان هناك أمثالهم..
وان هناك من يتحدث باسمهم..
ومن يعبّر عن مشاعرهم..
* * *
عزائي..
انني لا اريد ان تخسر..
أكثر مما خسرت..
أريدك ان تحتفظ بما لديك..
ان كان لديك منه شيء..
حتى لو كان ذكرى حلوة..
***
أريدك ان ترى الأمور..
بوضوح أكثر..
برؤيا أجمل..
أريد ان افكر معك..
بصوت مسموع..
أريدك ان تعرف..
انه حتى الحرج أحيانا..
يمكن ان يكون راحة..
إذا أفصحنا عنه..
ولكن ليس مع أي انسان..
* * *
بل عزائي..
أن الصدق هو ما أتحدث عنه..
هو من أتحدث معه..
وأن القلب هو ما أخاطبه..
فهل يشفع لي كل ذلك؟
|
|
|
|
|