|
| الاخيــرة
قبل عام بكيت أبي..
وكنت اظن ان الزمن يداوي الجروح.. او هكذا قيل لي..
وكنت أحسب ان مشاغل الحياة تلهي عن الآلام.. أو هكذا خُيل لي..
وكنت أرجو ان اسلو دون ان انسى..
ولكنني اليوم أعود كشأني في كل يوم منذ رحيل ابي لأبكيه.. وأتأوه بصوت مكتوم.. وقلب مكلوم.. واحر قلباه!!
لم يكن ابي بالنسبة لي في أي يوم من الأيام رجلا تربطني به علاقة النسب فحسب.. ولم تكن علاقتي به علاقة تقليدية بين أب وابنه بما تحمله مثل هذه العلاقة من مشاعر الحب والعطف والاحترام فحسب.. لقد كان ابي حقا صديقي .. وكان ابي صدقا حبيبي.. وكان ابي شمس حياتي..
وكان ابي فخري وذخري وعزوتي وقدوتي.. وكان ابي سيدي واكليل غاري.
لقد عرف الناس ابي ضابطا وكاتبا واديبا وباحثا وعالما وشاعرا وناقدا ورجلا عاملا افنى حياته في خدمة دينه وبلاده ومليكه واسرته.. وعرفوه ايضا انسانا محبا للخير لكل الناس.. باذلا جهده في مساعدتهم وتسهيل أمورهم كلما وجد الى ذلك سبيلا.. وعرفت انا ابي كذلك وفوق ذلك.. عرفته وهجا من الضياء ينير ما حوله من الارجاء.. وعرفته باقة من الحب يعطر اريجه الاجواء وعرفته مجموعة انسان.
ومنذ ان شرفت بخدمة جدة وابنائها عرفت اكثر واكثر مساحة الحب الذي حظي به ابي في قلوب الناس وعبق الذكرى التي تركها في ارواحهم، واصبحت اتراءى خياله في كل موقف امر به او شأن اضطلع به، ولعلي في ذلك استرشد بالنصيحة الثمينة التي اهداني اياها معالي الاخ الدكتور ناصر السلوم حينما قال: «تذكر سيرة ابيك فلقد كان محبا للناس وعونا لهم».. ويأتيني من يقول.. كن منصفا فهكذا كان ابوك..
وآخر يقول: نحن لا نعرفك ولكن عرفنا اباك فان كنت قد تأثرت بسيرته فأنت الى خير.. واقول: واعجبا.. فها هو ابي بعد رحيله ما زال يوجهني ويقومني ويضع لي نهجا التزم به وسيرة استنير بها.. واجدني اسعى الى ان اترك لأبنائي من بعدي الثروة نفسها التي تلقيتها من والدي والتي عبر عنها يرحمه الله بقوله:
|
خير ما يترك الفتى خلفه ذك
ر حميد يجري بكل لسان |
رحمك يا سيدي.. وجعل قبرك روضة من رياض الجنة.. وجمعني بك في عليين..
وشكرا لك يا والدي وانت تزيدني فخارا وتواضعا في كل حين.. والحمد لله ان جعل لك ذكرا حميدا يجري بكل لسان..
وواحر قلباه على فرقاك اليوم وكل يوم.
* أمين محافظة جدة
|
|
|
|
|
