أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 15th August,2001 العدد:10548الطبعةالاولـي الاربعاء 25 ,جمادى الاولى 1422

الاقتصادية

ليس أول ضحايا العولمة
مناهضو العولمة لا يدافعون عن فقراء دول الجنوب فقط ، بل يدافعون عن مصالحهم أيضاً
شعب سياتل هو أحد نتائج العولمة
من الصعوبة التسليم بصحة المقولة الرائجة إعلاميا بأن المتظاهر الايطالي الذي سقط قتيلا هو أول قتلى العولمة، لأن هناك مئات الألوف من البشر الذين ماتوا جوعا وبسبب تفشي الأمراض والأوبئة في دول الجنوب كنتيجة للآثار السلبية لعولمة الاقتصاد وازدياد الفجوة بين دول الشمال والجنوب،
وعدا القتيل الايطالي والقتلى من دول الجنوب هناك ملايين من البشر ممن يعانون البطالة والمرض وسوء التغذية والحرمان بفعل نتائج وتداعيات العولمة، وتكفي هنا الاشارة إلى أن 2، 1 مليار شخص يعيشون على أقل من دولار يوميا كذلك يعيش 62% من سكان العالم في 93 دولة لا تسير في الاتجاه الصحيح لخفض عدد الوفيات دون الخامسة بمقدار الثلثين حتى عام 2015م ويذكر تقرير التنمية البشرية لعام 2001م أن 11 مليون طفل دون الخامسة يموتون سنوياً مما يعني وفاة 30 ألف طفل كل عام،
مثل هذه الإحصاءات وغيرها تؤكد أن العولمة بالصورة المطروحة الآن لن تؤدي إلى مساعدة فقراء العالم أو أن التجارة الحرة والتي تعتبر أحد أهم آليات العولمة ستعمل كما قال الرئيس الأمريكي في قمة جنوة على تحسين فرص الفقراء للتخلص من فقرهم، لكن المفارقة المذهلة أن أصوات الرفض والاحتجاج على العولمة بصورتها الراهنة تنبعث من دول الشمال، حتى لقد تحدث البعض عن أبناء الشمال الغني يتظاهرون بالنيابة عن فقراء الجنوب وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا يتظاهر أبناء الشمال الغني ضد العولمة وهل رفضهم للعولمة ومطالبهم لوقف أو تحسين العولمة يتطابق مع مصالح الفقراء في دول الجنوب؟
في محاولة للاجابة على هذا السؤال تبرز عدة اجتهادات يحتاج كل منها إلى مناقشة وتحليل، خاصة وان كلا منها قد ينجح في تقديم جزء من الصورة أو بالأحرى التوصل إلى جزء من الحقيقة، فثمة تفاصيل كثيرة وجوانب متداخلة وربما متناقضة في عملية العولمة وفي نتائجها وتداعياتها، بما في ذلك القوى الرافضة للعولمة والتي تعتبر في التحليل الأخير أحد وجوه وتداعيات العولمة، كل ذلك يضاعف من مشاكل تحليل وفهم عملية العولمة والعمليات المرتبطة بها، في هذا الاطار إذا كان العولمة التي تهدف إلى تدفق التجارة وعناصر الانتاج مع تصغير ودمج العالم وازالة الحواجز الجغرافية والثقافية قد أفضت إلى نتائج عديدة من بينها ظاهرة القوى والفاعليات الشعبية المناهضة للعولمة، أي أن العولمة تصنع نقيضها تماماً كما قال الماركسيون قديماً أن الرأسمالية خلقت الاشتراكية كنقيض لها،
هذه المقاربة بين الرأسمالية التي صنعت الاشتراكية والعولمة التي صنعت شعب سياتل تقود إلى أول اجتهادات الاجابة على السؤال المطروح، والذي يتمثل في الادعاء بأن العولمة هي تعبير عن تطور المجتمعات الصناعية والدخول في مرحلة ما بعد الصناعة وبداية مجتمع المعلوماتية وبالتالي فإن الظواهر الايجابية أو السلبية المرتبطة بالعولمة، وكل الفاعليات والظواهر الرافضة أو المؤيدة للعولمة ستظهر داخل المجتمعات الصناعية، فالدول الصناعية السبع الكبرى زائد روسيا هي التي تقود العولمة وتحدد معالمها لأنها الأكثر تقدما صاحب الاقتصاديات الأكبر، بينما لا تشارك عمليا دول الجنوب التي لا تنجز بعد مرحلة المجتمع الصناعي، كذلك فإن شعب سياتل ومئات المنظمات الأخرى التي تناهض العولمة تنتمي إلى الدول الصناعية نفسها، هي النقيض الذي أفرزته العولمة، بينما لم تتوفر الشروط الموضوعية لظهور حركات مماثلة في دول الجنوب،
الاجتهاد الثاني هو أن فقراء الجنوب هم في معظمهم من الأميين أو غير الواعين بمعنى ودلالة مفهوم العولمة، وربما لم يسمعوا بالكلمة أصلاً، وإذا قدر لبعضهم معرفة مادية العولمة وأبعادها ومخاطرها فليس في مقدورهم التعبير عن رفضهم أو حتى مخاوفهم بالقول أو بالفعل، فمن الثابت أن معظم فقراء دول الجنوب يعيشون في ظل أنظمة استبدادية يتفشى فيها الفساد،
أيديولوجية سياتل
الاجتهاد الثالث في تفسير انفراد أبناء دول الشمال المتقدم والغني في التظاهر والرفض العلني للعولمة يقوم على فرضيات نفسية اجتماعية تعبر عن ظروف واحتياجات دول الشمال مثل القول بأن هذه المظاهرات هي سلوك تبريري يمثل نوعا من أنواع إراحة الضمير المتعب لأغنياء العالم وهو أقرب إلى التكفير عما فعله ويفعله الأجداد والاباء في مرحلة الاستعمار وما بعد الاستعمار، أو هو محاولة لتحقيق نوع من الرضا على الذات من خلال البحث عن هوية جديدة، هوية تعتمد على منظومة فكرية تعلي من شأن القيم والأفكار المعنوية مقابل ماديات المجتمع ما بعد الصناعي؟ وماديات العولمة التي تعصف بحقوق العمال في دول الشمال وبمنجزات مجتمع الرفاق وبفرض الحياة لمئات الملايين من البشر في دول الجنوب، فضلاً عن مخاطر تدمير البنية والخصوصيات الثقافية لشعوب وحضارات العالم،
كل هذه الأفكار توصف أحياناً بأيديولوجية سياتل التي تعتبر بكل المقاييس ايديولوجية عجيبة لأنها تتضمن عناصر متناقضة تعكس أفكار ومصالح الفوضويين والماركسيين والماويين وأنصار البيئة، ومناهضو الفقر في العالم، وأنصار البيئة والاشتراكيون، وحركات الشباب والنقابات العمالية والمهنية، كل هذا الطيف العريض من الأفكار والقوى يندرج تحت عنوان ايديولوجية سياتل التي لا يكاد يجمعها سوى قيم الاخاء والمساواة بين البشر، والتأكيد على وحدة المسار والمصير الانساني، لكن هذه المشتركات الفكرية عليها أن تصارع مقولة موت الايديولوجيات ونهاية التاريخ التي أطلقها وروج لها فوكاياما، وفي الوقت نفسه على مثل هذه الايديولوجية أن تثبت ضعف الأحزاب والحركات السياسية في دول الشمال لصالح الحركات الاجتماعية التي وجدت في مناهضة العولمة هدفاً واحداً تتجمع حوله دون تحديد و اتفاق على ملامح البديل عن العولمة،
لقد شارك في احتجاجات جنوة 200 ألف مناهض للعولمة جاءوا من 750 منظمة وحركة اجتماعية ونقابة بعضها يرفض العولمة بالقول فقط أي بالتظاهر السلمي، وبعضها الآخر برفض العولمة قولاً وفعلاً، وبالتالي يدمر كل ما يقابله، ويبيح لنفسه استخدام العنف، كذلك فإن هناك حركات وجماعات داخل ائتلاف شعب سياتل ترفض العولمة من حيث المبدأ، بينما مضت أخرى تدعو إلى أنسنة العولمة وتصحيح أخطائها وعلاج سلبياتها،
إذن تناقض وتنافر ومصالح شعب سياتل يكشف عن صعوبة وجود ايديولوجية باسم شعب سياتل، وكذلك عن صعوبة اتفاق القوى والفاعليات التي تنتمي إلى ما يعرف بائتلاف شعب سياتل على وسائل وآليات مناهضة العولمة وتصحيح مسارها، ومن ثم يمكن القول بأن بعض قوى وفاعليات شعب سياتل قد تحمل أفكاراً وتعلن عن مواقف لا تتفق ومصالح شعوب دول الجنوب، وأقصد تحديداً المنظمات والنقابات العمالية التي تدافع عن العمال في دول الشمال وترى أن فرص الاستثمار وأجور العمال الرخيصة في بعض دول الجنوب قد تهدد فرص العمل لأعضائها وتقلص من مكاسبهم،
ان حركة مناهضي العولمة في دول الشمال المتقدم أو أنشطة شعب سياتل هي في التحليل الأخير تعبير عن مناخ اجتماعي وسياسي واقتصادي وثقافي تعيشه دول الشمال المتقدم، فمع نهاية الايديولوجية تنبعث أفكار سياتل التي يطلق عليها تجاوزاً ايديولوجية سياتل، ومع تدهور دور الأحزاب والحركات السياسية ينشط مناهضو العولمة وينتظمون في أطر حركات اجتماعية جديدة تأخذ من الناحية الموضوعية والتاريخية مكان ودور الأحزاب، ولتقدم أيضاً أمام شباب دول الشمال المتقدم فكراً جديداً وأملاً جديداً في لعب دور في المجتمع، دور يؤكد مصالح ومكتسبات دولة الرفاة المهددة بغول العولمة، كما يؤكد أيضاً امكانية التعاطف مع فقراء الجنوب في سياق بعث فكرة وحدة المصير البشري، وضرورة أنسنة العولمة،

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved