| الاقتصادية
تذبذب الأسعار ارتفاعاً وانخفاضاً من الأمور التي تواجه دارسي الأنشطة الاقتصادية المختلفة، كما انها الموجه المؤثر في اتخاذ القرارات الاستثمارية سواء على مستوى المستثمر الفرد أم على مستوى راسم السياسة الاقتصادية للسوق الذي تعرض فيه السلع أو الخدمات أو تُطلب منه دور في تذبذب الأسعار وتحديدها،
ولذا فإن الدراسات الاقتصادية أعطت لأبحاث السوق أهمية خاصة لما لها من تأثير على العلاقات التجاذبية لحركة التبادل السلعي والخدمي مما ينتج عنه تحديد للأثمان وقيم الأشياء،
السوق في المعنى الاقتصادي هو الحيز الكامل لأي منطقة يكون فيها البائعون والمشترون بحيث يسهل الاتصال فيما بينهم مما يؤدي إلى ايجاد ثمن واحد للسلعة الواحدة، بسرعة ويسر، لقد تغير هذا المفهوم للسوق بعد ثورة الاتصالات والتي أدت إلى تغير جذري في مفهوم السوق وخاصة بعد انتشار ما يعرف بالتجارة الإلكترونية حيث أصبحت الشبكة العنكبوتية هي الحيز الذي يلتقي فيه البائعون والمشترون،
روى البخاري في صحيحه عن نافع ان عبدالله بن عمر رضي الله عنه حدثه انهم كانوا يشترون الطعام من الركيان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيبعث عليهم من يمنعهم ان يبيعوه حيث اشتروه حتى ينقلوه حيث يباع الطعام،
وقد روى البيهقي هذا الحديث بصيغة أخرى هي: كنا نلتقي الركيان فنشتري منهم الطعام فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم ان نبيعه حتى نبلغ به سوق الطعام، وذكر البيهقي ان الغاية من منع البيع حتى ينقلوه إلى سوقه لئلا يغلو الطعام هناك على من يفد وانه في ذلك الموضع أرخص،
كما روى مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار،
كما روى البخاري عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يبع بعضكم على بيع بعض ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق،
من خلال فهم هذه الأحاديث وعلى ضوء الواقع المعاصر للأسواق، وما صحب ذلك من تعدد وتنوع لهذه الأسواق، وبروز ظواهر عديدة مصاحبة للتغير في أساليب وطرق البيع وما تبع ذلك ونتيجة لثورة الاتصالات فإن الإطار العام لهذه الأحاديث يوضح مدى قدرة الشريعة الإسلامية على استيعاب المستجدات والمتغيرات وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُعطي جوامع الكلم، ولهذا فيمكن تحديد مفهوم السوق ودور الدولة في تنظيمه لحماية الأسعار من التذبذب على النحو التالي:
أولاً: مفهوم السوق كما تصوره هذه الأحاديث مفهوم واسع يستوعب جميع أنواع الأسواق قديماً وحديثاً، فالسوق كما تصوره هذه الأحاديث هو المكان الذي تجلب وتعرض فيه السلع ويلتقي فيه البائعون والمشترون ولا يقتصر هذا المفهوم على الحيز المكاني وإنما يتسع ذلك لأي حيز مدرك معلوم يمكن من خلاله حصول التبادل فأي أسلوب يتحقق فيه التقاء البائعين بالمشترين وإن تعددت أمكنة وجودهم، فيعتبر ذلك سوقاًًً بما في ذلك ما يعرف بسوق الشبكة العنكبوتية بحيث يخضع هذا الحيز من الوجود إلى القواعد الشرعية للتبادل،
ثانياً: ضابط الرقابة على حركة التبادل التجاري وسلامة البيع هو ان تبتعد حركة التبادل عن عناصر ومكونات الخداع والغرر بحيث يتوفر للبائعين والمشترين معرفة السلع والأسعار بمنع كل أساليب الغش والخداع وضرورة تنظيم ذلك وعدم قانونية أي أسلوب من أساليب عرض السلع والطلب عليها ينتج عنه تضليل المتعاملين،
ثالثاً: قيام الدولة بحماية المتعاملين وتطوير أساليب الرقابة والحماية حسب التغير في انواع الأسواق وتطورها بحيث يكون للدولة وجوداً في تنظيم الأسواق المكانية أو الأسواق من خلال شبكة الاتصالات،
رابعاً: إمضاء البيع أو إبطاله حق محفوظ لطرفي التعامل وهو ما يعرف بالخيار وتحدد المدة حسب طبيعة السوق ونوعه وتتولى الدولة تنظيمه والرقابة عليه،
|
|
|
|
|