بالأمس كان الليل جميلاً
يكسونا ثوباً يسترنا
يمنحنا فنجان القهوة بعد الفجر
ويطعمنا الأقمار رغيفاً شهرياً
يمنحنا حباً وخليلا
كنا في ذاك الليل الحالم نلعب
كنا نسمر، نستفتي كلّ نجوم الأفق بمسألةٍ
كنا نطرب
كنا نبني الآمال ونحلم
بالأمس كان الليل عظيماً
يمنحنا في كل مساء نجما
نفرغه في الكوب الفضيّ
فنسكب من شريان الليل الضوء
ونغنم
كنا نطعمه النار فتحرق سترته السوداءْ
نلدغه بالشنار لنسلم
بالأمس كان الليل عظيما
حين يداعب أهداب الطفل ويلهو
في أطياف صغيرة
يدهشني فيه النجم المصلوب على سارية الليل ويخذلني قمر أميٌّ أبكم
بالأمس كان الليل عظيما
حين الصبر وحين الصمت تمزقه
في الأسحار رصاصه
حين يقض الليل حذاءٌ
يلبسه ذاك المتلثم
بالأمس كان الليل عظيما
يتثاءب حتى تسترخي الطلقة من فوهة الفجر
تتشظى في ابهى أرج العطر
يتثاءب حتى يخلع ذاك المجهول قناع الفخر
ويكشف عن شيء يدعى الانسان
يتثاءب حتى تخفى بَرْقَعَةٌ في ثوب الفرسان
بالأمس كان الليل عظيما
كنا نملك فيه سواد الشعر
وناصية الصمت المفضوح
بألف لسان
ننطقه حيث نريد النطق
ونخرسه في كل زمان
بالأمس كنا نعلم ما لا يُعلم
ياجوهرة الليل تعالي
نستنفر كل حياء الارض
ونكتب سطراً للاطفال
نبحث في اوراق معاجمنا
ننبش في أكداس قمامتنا
نبحث عن سر يسقط سهواً
يكشف عن احلام النخل وثرثرة الزيتون
ويخفي خوف سرائرنا
يكشف عن صمت عروبتنا
فأنا أستاذ في الصمت وأميٌ
في كل علوم الأرض
لا أعرف شيئاً
لا أقرأ سطراً
لا أعرف طولاً من عرض
أعرف ياسيدتي أرصدتي
أعرف فاتنتي أو مائدتي
قبل الغمض وبعد الغمض
فأنا يا أستاذةُ أميٌّ
في هذا الزمن المرتد
ياعاصمة الليل تعالي
نحسب كل حسابات الموت الأبدي
فليس هناك مايستعصي
عند ظلام الليل وظلم الغد
يا جوهرة الليل تساوت
أرقام القسمة مع أرقام الجمع
بليل الخوف وليل الحقد
مامن فرق يافاتنتي
بين الصبر وبين القهر
مامن فرق
بين الجمر وبين الشعر
مامن فرق، ما من فرق
تتساوى ياسيدتي الألفاظ بداخلنا
في قاموس الخوف وسفر الرّق
ياجوهرة الليل تعالي
نجمع من أزهار النجم ضياءً
نجعله فجراً للعتق
نستجدي ذاكرة التاريخ
وننبش في رمل الصحراء
ليبعث فينا الروح فنحيا
يبعث فينا صوت الحق