| عزيزتـي الجزيرة
عفواً إن حركت الجراح الغافية وأثرت الدموع المسترضية في الأحداق المتورمة.. في تلك النفوس المنهكة تحت وقع خطوات هذا الزمن العاق.. المترهل بآثار الحضارة )كما يزعمون(!!
آه من تلك الأسر الكادحة التي تكتوي بنار الادمان.. وتحترق تحت لظى المخدرات.. أم مفجوعة.. زوجة مكلومة. أولاد ضائعون.. سموم تعيث فسادا في شريان منزل منهار.. إنهم هم الضحايا الحقيقيون وليس المدمن الذي خلع ثوب مشاعره وباع أخلاقه ووهب نفسه للشيطان وارتمى بين أحضان رفقاء السوء..
قصص مفجعة تقرؤها لأول وهلة فتظن أنها من نسج الخيال.. وحينما تتأمل قليلا تدرك أنها نتيجة طبيعية لرحلة السموم التي تقتل العقل وتغتال الإرادة وتجهز على الخلق وتغيب الإحساس.. وتزرع في نفس المدمن شعورا بهيميا حادا..
قف لحظة .. فتش «مذكرات زوجة مدمن لترى لسعات الزمن المر.. وقسوة المواقف ورهبة الليالي الموحشة.. فقد جفت دموعها.. بح صوتها من النحيب.. وابيضت خصلات من شعرها.. الممزق بيدي زوج أحالته المخدرات الى ذئب ينهش العفة ويسطو على الشرف.. واصل قراءة تفاصيل المأساة لتطالع انهيار الأخلاق.. وانحراف الأولاد.. واغتيال الطهارة في جنبات منزل منكوب بعائلة المدمن.. فكيف ستكون أحوال هذه الأسرة بعد أن دخلت نفقا مظلما؟ وما مصير الزوجة البائسة وهي تقاوم عواصف الادمان تحت سقف الحرمان.. ووطأة الظروف المادية الصعبة.. التي قد يستغلها ضعاف النفوس وتجار الهوى؟.. وكيف حال أولاد منحرفون ليس لهم عائل أو رقيب.. وبنات وقعن بين أنياب الغواية.. ومما يعمق المأساة قيام أهل الزوجة أحيانا بسحب ابنتهم شرعا من براثن المدمن وتطليقها منه عبر المحكمة تاركين أولادها لمصير مظلم.
أجل.. الإدمان.. بركان.. يجتاح بيوتا فيحرق أغصانها الخضراء، ويغتال سعادتها ويشتت أفرادها..
حقا تنال منك عواصف الألم وتتوغل في أعماق مشاعر الحزن وأنت تقرأ أحوال تلك الأسر.. وتسمع عن معاناة الزوجة.. وأنات الأم.. وبؤس الأولاد الذين تتقاذفهم الأرصفة.. على دائرة الفقر الشديد والفاقة المبكية، وما بالك بالفتيات اللواتي يصبحن عرضة لشياطين الأنس.
والواجب أن يقف المجتمع بكل شرائحه مع مثل تلك الأسر ويرعى الأولاد الضائعين ويصون أنوثة فتيات من ضحية أب معدوم الضمير منزوع الاحساس مفرط بتعاليم الدين الحنيف.
نعم في مجتمعنا المترابط المنطلق من قاعدة نبوية كريمة «كمثل الجسد الواحد» المتعاون على البر والتقوى القائم على مبدأ التكافل ليس غريبا أن نجد منه رعاية أسر المدمنين وتفقد أحوالهم والله لا يضيع أجر المحسنين.. وتحية «لصندوق الأمل» الذي يتجاوز مباشرة الحالات الفردية لعلاج المدمنين الى القيام بتضميد جراح أسرهم وتخفيف آلامهم وطرد سحب الفاقة ودوائر الحرمان عن بيوت حزينة اجتاحتها تيارات السموم.
آه.. حينما تقرأ قصص المدمنين وتطالع اعترافاتهم.. تتأمل نزوحهم الصعب بين تضاريس الإدمان وسفرهم الشاق بين آفاق الحرمان.. وستقف إكبارا أمام نماذج من هؤلاء رسموا طريق المودة وصاغوا حكاية عطاء جديد ليصبحوا لبنات صالحة في كيان المجتمع .. إنها العزيمة التي تصنع مواقف الرجولة والإرادة التي تعيد قيم الإنسان وتشكل حضوره من جديد.
وجميل من هذا المجتمع العابق برائحة الإيمان أن يقف في وجه الإدمان.. وينشر الوعي بين الشباب محذرا ومنبها وراسما طرق الوقاية.. وصور المحافظة على العقل والنفس من رفقاء الشيطان..
ومن هنا لابد من غرس القيم الدينية وتكريس الوازع الديني في نفوس الشباب لأنها خط الدفاع الأول ضد رياح السموم التي لا ترحم.. وشيء مبهج أن ترى تكثيف البرامج التوعوية والندوات الإرشادية التي تنير طريق الشباب وتصونهم من خطر المخدرات.. لأن بذرة الخير موجودة في نفوس الجيل لكنها بحاجة.. لكلمة تسقيها أو عبارة ترويها.. تحتاج الى رعاية ووقاية وتعهد.. أفلا نعيش هموم الشباب ونخاطب وجدانهم ونحرك أغصان الإيمان في أفئدتهم المتوثبة، بدل أن نتركهم للقناة الفضائية والمجلات الإغرائية وجلسات الشيشة ودوائر البلوت وقتل الوقت باللهو والعبث والسهر والسفر.. ولنرفع أمامهم التوجيه الرباني الكريم «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة».
محمد بن عبدالعزيز الموسى - بريدة
|
|
|
|
|