| عزيزتـي الجزيرة
من المسلمات أن تشخيص المرض الحسي لمعرفة أسبابه كفيل بإذن الله لعلاجه والقضاء عليه.. وهذا في الأشياء المحسوسة يقابلها في ذلك ما كان مرضا معنويا، فالمشاكل الأسرية والقضايا التربوية والاجتماعية وغيرها من الأعراض والمشاكل الطارئة لا يشك أحد أن وجودها وسريانها في جسد المجتمع معاول هدم.. وبوادر خطر تنذر بالهلاك وانفصام عرى الروابط الأسرية والعلاقات الأخوية.. لذا نجد أنفسنا بأمس الحاجة الى إدراك الدوافع ومعرفة الأسباب كي نصل الى بر الأمان في معالجة تلك الأخطاء والقضاء عليها وتفاديها في مستقبل الأيام.. والحق أن الناس يختلفون فيما بينهم من حيث الوسائل والطرق ويتفاوتون على قدر فهومهم وبصائرهم.. كما أن تأثير الزمان والمكان قد يحرف المسار بعض الشيء وقد يغير السبل، غير أن هناك العديد من الخطوات والركائز المهمة تجاه الفهم السليم والمنهج الصحيح لحل مشاكل الحياة وكيفية معالجتها ولعل من أبرزها تلك العلاقة المهمة لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة وهي علاقته بربه فعلى قدرها والعمل بموجبها تكون النجاحات والمخرجات الطيبة في التعامل مع الآخرين.
كما أن القناعة الكبرى واليقين التام بانتفاء العصمة من الخطأ من لوازم البشر وفطرتهم خير معين بعد الله لإدراك الوقائع والتعامل معها على هذا الأساس.
أما الحديث عن الحق والصراحة فيه فإن ذلك يعني وضوح الرؤية.. وانبلاج نور الوفاق وبوادر الصلح ما بين الآخرين سواء أكان ذلك في المعاملة أو التربية أو حتى عند الخصومة فالصراحة والمكاشفة الواضحة من أقرب الطرق الموصلة الى تحقيق الأهداف المرجوة.
ويلزمنا تبعا لذلك أن نعرف الدوافع والأسباب التي آلت بذلك الشخص «المخالف» حتى وقع فيما وقع فيه من الزلل واقتراف الاثم، فربما كان زواله سببا في عدم حصول ما كان، فالرجل الذي بال في المسجد بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ينظرون كان سببه «الجهل» وعدم الاكتراث لفعلته تلك. لذا فإنه خرج بصورة غير تلك التي جاء بها بعد أن أدرك الحكم وعرف الحال. ويماثل هذه القصة ذلك الذي تكلم في الصلاة.. وغيرهما كثير.
أما الانتصار للذات والاعتزاز بالنفس خارج المألوف على حساب الآخرين فإن هذا من سجايا الطغاة ومخلفات الأنانية، لذا فإن على المربي أن يواسي القلوب ويلملم الجراح رغم ما يحصل له من الأذى أو يحل قريبا منه.. حتى ولو أجبره ذلك بالصفح والتنازل بعض الشيء طمعا في الثواب ورغبة في الإصلاح.
كما أن اتهام الناس والحكم على الآخرين عن طريق الظن والتوقعات أمر يرفضه الشرع ولا يقره العقل بل لابد من البينات وإمارات الفعل وقرائن الحال حتى تتسم القضية بالحزم وتطمئن لها النفس وبالتالي فإن الجهة المطالبة )أو المقابلة( تشعر بالضعف وتبدي الاعتذار والأسف والذي بدوره يقود الى الاعتراف والندم على ما فات.
يبقى أن نعلم أن لكل حدث حديثا وأن لكل مقام مقالا، فالوسائل التي تتخذ لحلول مشاكل تربوية تختلف عن غيرها من المشاكل، والأسلوب الذي يتم عن طريقه كيفية التعامل مع طفل لم يدخل المدرسة بعد يختلف تماما في التعامل كما لو كان مع ابن العشرين.
أما تلك القضايا الأسرية والزوجية على وجه التحديد فإن الحديث عنها ربما يطول بيد أن بعد النظر فيها والتريث في إصدار الأحكام وسائل ناجحة من وسائل العيش بأمان ولا أدل من عنجهية البعض والتسرع المقيت والذي آلت نتائجه السيئة وعواقبه الوخيمة الى الطلاق والتفكك الأسري وبالتالي حدوث ما لا تحمد له عاقبة.
وأخيرا فإن الوصول الى أبعد نقطة نجاح ممكنة بهذا الصدد هو مبتغى الجميع ومراد الكل.. لذا فإن محاولة الاقناع الذاتي للآخرين ممن كانوا تحت طائلة الخطأ أو عرضة للزلل خير الوسائل وأنجحها في الوصول الى تصحيح الأخطاء وإزالة العوائق.. فهل هناك أفضل من ذلك الشخص الذي ترك المخالفة وأعرض عن الذنب إيمانا منه بخطورة ذلك العمل وشناعته ورغبة في الثواب وخوفا من العقاب.
وهذا ما أقره الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه حينما جاءه ذلك الشاب ليستأذنه في الزنا كيف كان الرد اللطيف والجواب الشافي حيث دار بينهما ذلك الحوار الرائع حول هذه المسألة حتى أوصله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الى أن يتصور شناعة الجرم وفداحة الأمر وما كان لذلك أن يكون لولا هذا الحوار اللطيف الذي دار بينه وبين معلم الناس الخير صلوات الله وسلامه عليه..
خالد بن عائض البشري - الرياض
|
|
|
|
|