| الاخيــرة
* بدأت الكتابة مبكراً وأنا على مقاعد الدراسة.. بحثاً عن ذاتي، ولا شيء سوى ذلك! كنتُ في صدر صباي أعيش نوعاً من الغربة داخل اسوار ذاتي، بفعل ارهاصات داخلية وخارجية لم يكن لي عليها أمر ولا نهي. وقد وجدت في القراءة أولاً، ثم الكتابة لاحقاً، ملاذاً يعصمني من «التوحّد» مع الذات، احاول من خلاله إعادة تعريف ذاتي، والتعرّف على قدراتي الأدبية المبكرة.
* *
* وحين فُتنتُ بالكتابة في ذلك السن، كما هو الحال الآن، لم أكن اطمع في شهرة ولا مال، بل كنت أبحث عن نفسي كي لا تصادرها مني سطوةُ الزحام! كنت أشعر أن في صدري شيئاً يستحق البوح، فبحتُ به، وما برحتُ أبوح! كان حبُّ الوطن هاجسي، فمارست الصهيل من أجله، وكان عشقُ اللغة العربية، أدباً ووعاء، قريني، فرحت أركض في دروب هذا العشق!
* باختصار، كانت الكتابة قدري وقضيتي، وسلوتي وغايتي!
* *
وقد داعبني مرةً أحدُ المتابعين لحرفي بالقول إنني اجامل نفسي والسلطة والناس فيما اكتب، ولم أجد بداً من انصاف قلمي بالردّ عليه. فقلت إنني لم أكن عبر سيرتي مع الحرف الجميل مجاملاً، فأهمش الحق لمصلحة الباطل، وأرجّح الشك على حساب اليقين، أو أظهر الظنّ على الحقيقة. فالضدّ هو الصحيح، وحين أجد أن الحديث عن أمرٍ ما قد ينأى بي عن جادة الحق والحقيقة، أو يحيّد قدرتي للسيطرة عليه، فسأغمد قلمي في جرابه، مؤثراً الصمت على الكلام!.
* *
أمّا إن كان المقصود ب«المجاملة» أنني لا اشعل النيران خلفي وأنا اركض في مسارات الحرف، كي استرق سمع الناس أو بصرهم، نعمةً لي أو نقمةً عليّ، لهوى في نفسي أو في نفوس الناس، فأشهد أنني من ذلك بريء براءة الذئب من دم يوسف، وللناقد أو المتابع أن يسمّى ذلك ما يشاء، أو يسمُني بما يريد، وبلا مجاملة!
* *
* لماذا؟
* لأن «سطوة العقل» في تقديري هي قوة الردع في وجدان الكاتب التي تسيّر «فعل» الكتابة، وليست «بالونات» اللغة التي تنفجر في وجه صاحبها، ثم تذهب معه ادراج النسيان!
* *
على صعيد آخر، علمّتني سيرةُ الحرف أن الكاتب الذي يحترم نفسه وقلمه وقرّاءه هو الذي يتصدى لقضايا الهمّ العام بمنهجية العقل، وحضارية التفكير، وبأسلوب جميل لاعوج فيه وصولاً الى ما يريد!
وأرجو بهذه المناسبة ألا يُؤوّل هذا القول بأنني ادعو الكتّاب الى مهادنة الخطأ سكوتاً عنه، أو تهميشاً له أو تبريراً، بل أقول لهم ولنفسي:
لا تهادنوا الخطأ.. ولكن ابتعدوا عن مفازات التهويل أو التهوين التي لا تغني من الحق شيئاً!
* *
* أخيراً ، كثيرون يعجبون كيف أوفق بين طقوس المنصب وهموم الكتابة، وما إذا كان المنصب هو الصراط الذي يربطني بالناس أم الكتابة!
وارد على ذلك بالقول انه يشرفني ان يعرفني الناس كاتباً لا شاغلاً لهذا المنصب او ذاك، مؤكداً ان المنصب منبر تشريف وتكليف لي في آن، لكنه لم يكن وسيلة جذب أو.. جزر لي، ولن يكون!
* *
* ما يربطني بالقارئ ليس المنصب، بل الكلمة التي تتكئ على الحقيقة والأدب والجمال، ولا شيء سوى ذلك. أمّا المنصب.. فأمر طارئ في «ملكوت» الكاتب وغير الكاتب، حتى لو دام سنين، والقارئ الحق لا يهمه من أمر كاتبه من يكون أصلاً ونسباً وقبيلة أو ثروة أو منصباً، لكن يهمه ماذا يكتب وكيف يفعل!
|
|
|
|
|