أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 12th August,2001 العدد:10545الطبعةالاولـي الأحد 22 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

العِشرة والعُشَر، في عُشيرة..
حماد بن حامد السالمي
تعرف «عُشيرة» منذ عشرات السنين، بأنها بلدة تقع الى الشرق من مكة بأكثر من )150 كيلاً(، والى الشمال من الطائف بأكثر من )60 كيلاً( فهي تتصدر وادي العقيق المعروف بها )عقيق عشيرة(، فتأتي منازل القثمة من الشرق موالية لطريق الطائف/ الرياض، وتأتي منازل الشيابين الى الشمال من آبار عشيرة، ثم تأتي منازل المقطة الى الجنوب والغرب متبطنة العقيق، ومقابلة لحرة «بُس»، تلك الحرة الحالكة السواد، التي تمتد عالية في الأفق، من الجنوب الى الشمال على الطرف الغربي للوادي.
وكان قد ارتفع شأن هذه البلدة، بعد العام )1343ه(، يوم مر بها الملك عبد العزيز الفيصل آل سعود رحمه الله في تلك السنة التي دخل فيها الحجاز، فخيم بها على الطرف الشرقي من واديها، ومنذ تلك السنة، أضحت عشيرة، محطة ومستراحاً لجلالته في ذهابه وإيابه بين نجد والحجاز، وكان ذلك، قبل ركوبه للطائرة عام )1364ه( ومن ثم اتخاذه السفر جواً بديلاً عن السفر براً.
وكانت هذه البلدة بعد ذلك، موقعاً مطروقاً للمسافرين بين مكة ونجد عبر العرقية فالسيل الكبير، فقد ظل الطريق البري بين نجد والحجاز، هو هذا حتى تحول الى الطائف، وكان الملك عبد العزيز رحمه الله قد امر بحفر آبار في عشيرة، فكان ذلك سبباً كافياً لاستقرار بعض البادية حول هذه الآبار، يمتحون منها ماءً لشربهم ولري ماشيتهم.
ويحلو للبعض عند ذكر عشيرة إرجاع سبب التسمية الى «العِشْرة»، من المعشر، والقوم والنفر والرهط، فمعشر الرجل هم اهله، والمعشر عند العرب هم الجماعة، وقد استدل على ذلك بقول «ذو الاصبع العدواني»:


وأنتم معشر زيد على مائة
فأجمعوا أمركم طراً فكيدوني

ويقال: معشر المسلمين ومعشر المشركين، للتدليل على التجانس والتآلف فيما بين عناصر المعشر الواحد. وفي التنزيل الحكيم: «يا معشر الجن والإنس».
ولعل في هذا المنحى بعضاً من صواب، وخصوصاً اذا نظرنا الى العلاقات القبلية القديمة، التي كانت تحكم تجاور القبائل وتحالفاتها وتقاسمها للمنافع المشتركة في المراعي والمناهل. وقد كانت هوازن وسليم على سبيل المثال، تلتقيان في الجاهلية سلماً أو حرباً حول وادي العقيق وحرة بُس الشهيرة، ومن صور هذه العلاقات التي كانت في الجاهلية، ان دريداً بن الصمة، وقد كان شيخاً في هوازن، وعُمِّر، خطب الخنساء الشاعرة وهي من سليم، فرفضته لكبر سنه، بعد ان اختبرته بحيلة.. ! فقال:


لمن طلل بذات الخمس أمسى
عفا بين العقيق فبطن خرس

واطلاق تسمية من هذا القبيل، تأتي حتماً للتقريب والتأليف بين العشائر، هذا إن صح مثل هذا المنحى.
لكني اذهب غير هذا المذهب، فأميل الى الربط بين اسم عشيرة وشجرة العشر، هذه الشجرة التي يكثر نبتها على وادي العقيق من اعلاه الى أدناه، وتنتشر على جانبيه، وتمتاز بخضرتها الضاربة، وكثرتها الغالبة. ومن صفات هذه الشجرة، ان لها صمغاً، وفيها حراق مثل القطن يقتدح به. قال في اللسان: قال ابو حنيفة: «العشر من العضاه، وهو من كبار الشجر، وله صمغ حلو، وهو عريض الورق ينبت صُعُداً في السماء، وله سكر يخرج من شعبه ومواضع زهره يقال له سكر العشر، وفي سكره شيء من مرارة، ويخرج له نفاخ كأنه شقائق الجمال التي تهدر فيها، وله نور مثل نور الدفلى، مشرب مشرق حسن المنظر، وله ثمر» وفي حديث مرحب: ان محمداً بن سلمة، بارزه فدخلت بينهما شجرة من شجر العشر. وفي حديث ابن عمير: وفرص بُري بلبن عُشَري، اي لبن ابل ترعى العشر، وهو هذا الشجر. الواحد عُشَرة، ولا يكسر. قال ذو الرمة يصف الظليم:


كأن رجليه مما كان من عُشر
صقبان لم يتقشر عنهما النّجَب

أقول والأمر مثلما تقدم بنا، من وفرة شجر العشر على وادي العقيق هذا: بأن اسم «عُشَيرة» لابد ان يكون تصغيراً من «عُشَرة»، تصغير تسهيل لا تصغير تقليل، فإنه لا يصح ان يطلق على مستوطنة سكنية يحفها شجر العشر من كل جانب، خلاف هذه الغلبة التي تفرضها شجرة العشر، وترجحها عشرته دائمة الخضرة والنضرة في كافة المواسم، والتي تعطي الغذاء والدواء معاً، ولو ان قلة من الناس هنا، من يلتفت الى هذه الشجرة العظيمة، فيعطيها حقها من الاهتمام فانت لا تجد من يشير إليها أو يصفها بما يصف به شجرة النخل هنا على ندرة الاخيرة وقلتها، ولا من يعرف ان في شجرة العشر سكراً أو صمغاً حلواً أو لبناً تدرُّه الابل، ولا من يتغزل شعراً أو نثراً بنوار العشر الذي يشبه نوار الدفلى في اشراقه وحسن منظره.
أما عقيق عشيرة، فهو من اشهر واكبر الأودية، ماؤه قليل ، وزراعته أيضاً، وأشهر مناهله: «عشيرة والمحدثة والمسلح» ويبلغ طوله قرابة )140 كيلاً»، فهو يمتد من وادي قران شمالي الطائف، حتى يدفع في قاع حاذة جنوبي مهد الذهب، ومسيره بين حرتي بُس غرباً، ثم حرة الروقة، وحرة كشب شرقاً. ولهذا الوادي الواسع العظيم، شهرة تاريخية، وذكر كثير في الشعر ليس هنا مجاله.
أردت بهذا الكلام الذي تقدم، الاشارة الى ما اعتدنا عليه في أيامنا هذه، من القفز على الأسماء المهمة في حياتنا، خاصة تلك المتعلقة بالأمكنة الكبيرة، فعشيرة على سبيل المثال، كانت في الاسبوع المنصرم، في قمة الحدث، لأن ولي العهد الامير عبد الله بن عبد العزيز، زارها مفتتحا مشروعاً لكهربتها وما بعدها من قرى وهجر، ومتفقداً وزائراً لابن من أبنائها، وعلم من أعلامها، هو الشيخ سلطان بن جهجاه بن حميد، في لفتة لها دلالات كثيرة، اهمها التأكيد على النهج الذي كان يسير عليه مؤسس المملكة وباني امجادها الملك عبد العزيز رحمه الله فالأمير عبد الله بن عبد العزيز رعاه الله عندما وقف على آبار عشيرة في المخيم التاريخي الذي كان والده يستقر فيه عدة ايام من كل عام، إنما اعاد بهذه الوقفة الماجدة، وبزيارته للشيخ ابن حميد، سجايا عمرها قرابة )80 عاماً( مضت، فالملك عبد العزيز رحمه الله كان يستقبل في هذا المكان النائي في الصحراء أبناء شعبه من كل القبائل والعشائر، فيجتمع إليهم، ويسمع منهم، ويبث في وجدانهم روح المحبة والالفة والعشرة الطيبة، ويبعث في نفوسهم مزيداً من التوثب للبناء والعطاء في هذا الكيان الكبير الذي بناه بالصدق والايمان والحب والقدوة الصالحة قبل السيف المجرد.
ومما يذكر بهذه المناسبة وفيه دلالة واضحة على نزاهة الملك عبد العزيز رحمه الله وحبه للصدق، وبغضه للتزلف والنفاق وقد سمعت ذلك من الأستاذ الأديب سعد بن رويشد حفظه الله وأمد له في عمره أن أحد أعوان الملك عبد العزيز قال له ذات يوم وهم يجلسون في عشيرة بعيد وصول جلالته من الرياض: أرأيت يا جلالة الملك، كيف أرعدت السماء فأمطرت بوصول جلالتكم اليوم..؟ عندها، ارتعد الملك عبد العزيز ورد عليه قائلا: ماذا تقول..؟
هذا قول لا يصح، لأن المطر من عند الله، يرسله متى شاء الى ما شاء. وطلب من احد العلماء اخذ هذا الرجل لعقد جلسة علمية له، ليعرف من خلالها ما يصح وما لا يصح في هذه المسألة.
لقد جاءت زيارات ولي العهد الأمير عبد الله محققة لهذا النهج الذي كان عليه والده، ومؤكدة سجايا غرسها عبد العزيز في أبنائه. فقد رأينا جميعاً كيف قضى سمو ولي العهد أسبوعاً من العمل الحافل باللقاءات الاخوية المعطاءة، التي لم تتوقف عند حدود المناسبات الرسمية في افتتاح وتدشين المشاريع، ولكنها امتدت الى الاسواق العامة، وزيارة رجال العلم والأعيان والقبائل في دورهم ومنازلهم.
فحيّا الله هذا الأمير الهمام، أمير البشائر، الذي يتمتع بفيض من المشاعر، وحب كبير تلهج به كل العشائر.
assahm2001@maktoob.com
fax 027361552

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved