| عزيزتـي الجزيرة
أبغض الحلال عند الله الطلاق، وهو مع بغضه وقبحه امر من امور الحلال وقد شرعه الله رحمة منه، وقد يُلجأ اليه كحل من الحلول.. ولكنه بالتأكيد آخرها عندما تصل الحياة الزوجية الى طريق مغلق يتعذر معه استدامة الحياة الزوجية بعد ان تفشل جميع الطرق والوسائل في الابقاء عليها فيأتي الطلاق كنعمة من نعم الله تعالى ليتخلص به الزوجان من تلك الحياة الصعبة، والذي به قد يجد كل منهما شريكا جديدا وحياة افضل امتثالا لقول الله تعالى: )وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيماً( وما دعاني للحديث عن هذا الموضوع ما كتبه الاخ سليمان الفايزي احد كتَّاب صفحة العزيزة والذي اطال في الحديث وأسهب حتى وانه وبدون قصد منه لم يحدد ما يريد قوله بدءاً من العنوان الى منتهى مقاله وذلك في عدد الجزيرة رقم 10521 وتاريخ 28 ربيع الآخر 1422ه واخذ يردف إحصائيات قديمة واخرى حديثة ويقارن بين حالات الطلاق وعدد عقود الزواج ثم يوضح اسباب الطلاق ويقسمها الى مباشرة وغير مباشرة ثم يحدد الرئيسية منها وأسباب أخرى يميل اليها من خلال دفاعه وتشدده وكان بالامكان الاختصار وعدم التكرار.
وحقيقة لي رأي مخالف البتة مبدأه أن الطلاق لم يصل الى حد الظاهرة في مجتمعنا وان كان مشكلة فهو كسائر المشاكل التي يستحيل منعها وانما بكل تأكيد يمكن الحد منها لكي لا تصل إلى حد الظاهرة بمعنى انها تبقي موجودة وهي وان بقيت كمشكلة الا انها لا تقال بمجرد معرفة حالات معينة ويحدد ذلك الاحصائيات الرسمية والدقيقة التي يجب ان يدرسها المختصون في العلوم الاجتماعية بالذات وعلى اسس صحيحة باصول البحث العلمي والذي من خلاله يمكن الوقوف على حقيقة تلك المشكلة.
فليس من المعقول ان نعدد العقود الزوجية في منطقة ما ثم نعدد حالات الطلاق ونقول ان النسبة مرتفعة او منخفضة حتى لو تمت مقارنتها مع الاعوام السابقة.
والافظع ان نحدد حالات الطلاق في سنة سابقة ونقارنها مع سنة اخرى ونقول ارتفع أو انخفض فينبغي الدقة والتي لا تكون الا بالمتابعة الدقيقة للعقود الزوجية ومتابعة نفس الحالات لعدد من السنوات.
كذلك لا يمكن ان تقاس كل منطقة على حدة أو ان تتم المقارنة بين منطقتين مختلفتين في عدد عقود الانكحة او في عدد حالات الطلاق فليس الزاما على الشخص المتزوج ان يطلق في نفس المنطقة ويتضح ذلك في العاصمة حيث كثرة العاملين من شتى المناطق فيجب ان توضع احصائية كاملة للدولة قاطبة وتسجل حالات الزواج ثم حالات الطلاق وينوه عن مدة الزواج )اي العلاقة الزوجية السابقة( وتاريخ الطلاق وسببه ويستوجب للذكر التنويه بتساهل البعض لبعض الاسباب والتي تظهر تافهة وهي ان وقعت لا اقول بشذوذها وإنما وللاسف الشديد لغرابتها بأنها كالقشة التي قصمت ظهر البعير وهي بكل تأكيد ناتجة لاسباب اقوى تراكمت وعند اهون سبب يحدث الطلاق والذي يكون بحضرة الشيطان اعاذنا الله منه.
ومن المعلوم ان أعداد عقود الانكحة زادت زيادة واضحة تبعا لزيادة السكان وبالتالي زيادة حالات الطلاق تبعا لزيادة أعداد العقود الزوجية.
كما انه في شرعنا الاسلامي الطلاق يمر بثلاث مراحل تعود الزوجة الى زوجها الاول طالما لم تبن البينونة الكبرى الطلقة الثالثة ومع هذا تدخل تلك في النسبة المغلوطة!!؟
وبذلك أجزم ان نسبة الطلاق لم تصل الى الحد الذي يتخوف منه وليس معنى ذلك انه معدوم فقد اوضحت انه يستحيل منعه وانما هو كباقي المشاكل لابد من وجوده.
والواجب بعيدا عما سبق ذكره التوعية بقدسية الزواج وبشاعة الطلاق لكل عريسين مقبلين على هذه الحياة العظيمة وان الاواصر الزوجية تقوى وتضعف، وان الحياة الزوجية تفتر وتقل وهو امر طرقه العلماء والادباء والمختصون وخير ما سمعت في هذا السياق حديث للدكتور طارق السويدان بان الحياة الزوجية مثل الحساب المالي المودع في البنك ما بين سحب وايداع وان استمر السحب دون ايداع يلحق بالمودع العجز واقول حتى لو استمر الايداع دون سحب وتكدس الرصيد قلَّت البركة ومصيره الى المحق فهناك اسباب وطرق لادامة الحياة والعلاقة الزوجية للبعد عن الفتور والاستمرار في السعادة.
اما اسباب الطلاق فهي كثيرة والتي تكون بحضرة ومباركة الشياطين والجميع سمع بقصة الشيطان مع أبنائه وتقريبه لاحدهم والذي فاز بالسبق لقاء تفريقه بين المرء وزوجه، ويجب ان يضع المرء قول المصطفى عليه السلام )لا يفرك مؤمنا مؤمنة ان كره منها خلقا رضي بالآخر( نصب عينيه ومع ذك كله تتعدد اسباب الطلاق ما بين محمود وقبيح عرفا او شرعا ولست هنا لاعدد الاسباب فليس ذلك موضوعي وانما مهما كانت الاسباب تافهة او مبررة فإنها قد تكون صحيحة وفي محلها وقد تكون بالتالي خاطئة ومستعجلة؛ ومن ذلك ما يدعو اليه الكثير بحكم العاطفة والنظرة القلبية تجاه المرأة التي ابتلاها الله برجل مدمن ودعوة حتى المصلحين للتخلص منه وفصل الحياة بينهما ولو كان بينهما ذرية صغار وقد ذكرت احداهن استعجالها بل استعجال اهلها ومجتمعها ثم ندمها لانفصالها بل عبَّرت عن نفسها بعدم القدرة على احتواء حياتها بأن تزوج زوجها بأخرى سعت وجاهدت من اجل علاجه وإصلاحه حتى شفاه الله مما ابتلاه أليس الزوج المدمن مريضا؟! وأليست العجلة من الشيطان؟ فالحكم يجب ان يكون ربانيا وليس بشريا فالكثير من الاخطاء والسلبيات التي كنا نراها كذلك مع الزمن اصبحت مألوفة وامورا ايجابية وعليه يجب ان نلجأ الى الله في السر والعلن ونستخير قبل الاقدام على ذلك الأمر والتريث.. التريث فلله الامر من قبل ومن بعد.
ويجب ان لا يُنظر الى الشخص المطلق على انه مجرم تمهيدا لما سبق؛ فالمجرم قد هيئت له الفرص لاصلاحه وتهذيبه وإعادته لمجتمعه امرأً صالحا وحتى المذنب يغفر له من رب العباد فكيف بالعباد.
والاهم من ذلك تلك المطلقة ولا نقول المسكينة حتى وان مرت بتجربة مريرة بل وقاسية فما حدث لها ولغيرها من اخواتها واخوانها بحكمة من الخالق فلا نكون نحن كمجتمع والظروف النفسية القاسية جدا عليها وعليها أيضاً الا تنظر بسواد لذلك المجتمع )الظالم في عينيها( والذي ينعتها بالمطلقة ويحكم عليها بتلك الحالة التي لا يمر بها طليقها ثم يجبرها لاسكات افواه القاصرين للنظر بالقبول بالزوج الثاني مهما كان كبيرا في السن أو جاهلا في العلم، ومهما كانت الفروق والتي هي من الاسباب الداعية للطلاق عندها تصبر على شيء امرَّ من الصبر أعانها الله على ذلك.
ونصيحة لكل من يريد الدخول في عش الزوجية لكي لا يتحول ذلك القفص الى سجن ان يدرك واجباته قبل حقوقه طبعا الشرعية فجميع العلاقات لا تقوم الا على التبادل.. العطاء ثم الأخذ ويجب كذلك اعادة الحسابات على اساس ديني بحت وترك العادات والتقاليد المغلوطة والمنافية للدين وأهمها في هذا السياق عدم خروج المرأة المطلقة من بيت طليقها طالما أنها لم تبن البينونة الكبرى امتثالا لقول الله عز وجل )يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً(. آية رقم )1( سورة الطلاق.
والحكمة في ذلك كما أوضحها الله عز وجل في آخر الآية )لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا( كما في أول الآية السورة إرشاد للنبي صلوات ربي وسلامه عليه الى الطلاق السني ولنقل الشرعي )إذا طلقتم( اي اذا اردتم تطليقهن، فالطريقة الشرعية أن يكون في طهر لم يتماسا فيه وبعد انقضاء العدة وشدد المولى عز وجل على ذلك بقوله )واحصوا العدة(، انظروا الى الحكمة بعد ذلك لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، بالتأكيد سيحدث امرا، اذا طبق الشرع حسبما وجهنا اليه الشارع عز وجل فمن يصبر ثلاثة أشهر؟!
واريد ان اوضح شيئاً قد يغيب على كثير منا الا وهو قصر النظر الى بواطن الامور ولأضرب مثلا بقول المصطفى عليه السلام وتوجيهه بعدم الغضب وقد كررها ثلاثا فيعلم بأبي هو وأمي باستحالة عدم الغضب على النفس البشرية فهي مشاعر تمر بنا جميعا على حد سواء فالتوجيه قصد به السلوك )الفعل( فيما بعد الشعور بمعنى لا يمتد الغضب الى التصرف والحمق الى الفعل والا لما أرشدنا عليه السلام إلى علاج ذلك الغضب بالوضوء والصلاة وتغيير الهيئة التي عليها الغاضب بالجلوس أو الوقوف والتحرك والتغيير لحاله.
وأردت إقحام الغضب هنا لكونه طريقاً بل مفتاح للطلاق وسائر المشاكل فكما يقال العاقل من يملك نفسه عند الغضب ومراحل الطلاق السني والتي تمر بثلاثة أشهر كفيلة لاطفاء ذلك الغضب ولكن من يطبقه؟ بالتأكيد بالتوعية والنصح والارشاد والتوجيه للعرسان وفهم الامور الشرعية على أصولها والتي بكل تأكيد ستحد وتقلل من ذلك البعبع الذي يخيم على البعض من الأسر والتي لم يفدها الندم ولن يفيدها.
وانني ادعو كل شاب وشابة الى التريث قبل الاقدام على ذلك المنكر والسعي حثيثا الى توطيد وتقوية العلاقة الزوجية بعيدا عن التأثر بمن حولهم حتى ولو كان اقرب الناس اليهم فلكل شخصين حياتهما الخاصة.
ونحن في هذه الفترة التي تكثر فيها الزواجات واتمنى ان يقل فيها الطلاق وان يصل الى نسب معقولة جدا لا يشعر بها كالحالات المضطرة وليست الضرورية فإنني انتهز هذه الفرصة لاوجه الدعوة الى الآباء والامهات بالذات بالشرح الوافي لتلك المملكة الصغيرة التي ستقوم على شرع الله ثم ترك الحياة لهما، فدورهما قد انتهى بعد عقد النكاح والذي بدأ بالسؤال عن الخاطب والمخطوبة خلقا ودينا وتربية والتزاما في جميع النواحي وان كان اهمها الناحية الدينية والا لما وجهه المصطفى عليه السلام بقوله )فاظفر بذات الدين تربت يداك( لان جميع الصفات السابقة الجمال والحسب والمال مصيرها الى الزوال واما ما ينفع الناس فيمكث فذات الدين معصومة بدينها وبخوفها من ربها ومراقبته في سرها وعلنها والذي سينعكس اثره على زوجها وأبنائها كما ان الحافظ هو الله.
ولكن هب انه قد حدث شقاق فهدا ليس بمبرر للطلاق والفراق فالطلاق أمر عظيم لا يقترفه انسان مستقيم او عاقل فطين وان حدث فليس بمثابة نهاية الحياة حتى لو بانت المرأة البينونة الكبرى بلا رجعة لان الله عز وجل قد تكفل باغناء كل منهما من سعته فكلاهما سيشق طريقه في الحياة ولن يضيع الله أحداً.
ولعلي اختم مقالتي حتى لا انعت بالاطالة بقول الله تعالى )يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا(.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
إبراهيم بن عيسى العيسى
|
|
|
|
|