| الثقافية
قال الشيخ علي الطنطاوي:« اني أكتب اليوم عن أمي، ولكن كل واحد منكم سيقرأ فيه عن أمه هو... فمن قعد يقرأ هذه الحلقة وله أمٌّ، فليتدارك ما بقي من أيامها لئلا يصبح يوماً فلا يجدها، ولا يجد ما يعوضه عنها، وإن كانت عجوزاً، أو كانت مريضة أو كانت مزعجة بكثرة طلباتها، فاذكر أنها إن احتاجت إليك اليوم، فلقد كنت يوماً أحوج إليها )1(
قلت: يهمل بعض الناس اليوم بر الأم، ويتناسون فضلها، وطلب رضاها، وكأنهم بصنيعهم هذا يرون برّها دون ما هم فيه، وهم عندئذٍ مخطئون غير منصفين ، وذاك لعدم مصداقيتهم على واقعهم، ولتغلب هواهم على إرادتهم، سنون مضت، والأم تغذي هذا الحنان، تعمر تلك المشاعر بآمال البر الذي تأمل في تحقيقه، تغدو وتروح على فيض من العواطف الصادقة حتى إذا رغبت في بسطها، والاستئناس بها، ألفت ابنها أو بنتها منشغلين بهموم أخرى لا تدع لذلك الحنان مكاناً يخصب فيه هذا الشعور، ويمرع.
الأم: ذلك الينبوع الصافي الفياض، والحنان الممرع الصادق، هل وجدت مكانها اللائق في مشاعر أبنائها؟ قد تغيب هذه الشؤون على كثير من الأبناء، وكأنهم في شغل مستديم عن واجب بر أمهاتهم، إنهم يخطئون في تصورهم لمن ركنوا لسداد مشاعر أمهاتهم، ولمن اطمأنوا للوفاء بذلك الحنان، أغفلة تلك الأحاسيس أم جحود؟
نعم! صوت تلك الأمومة واشراقة ذلك الحنان، وما تفيض به أسباب المشاعر الصادقة تظل مجتمعة: ندية الذكرى كلما نهض داعي الاحساس ببر الأم، قد تفقد الأم شيئاً من معطيات الحياة، ولكنه من الصعب فقدان البر الذي تؤمله في أبنائها. إنها تظل مكسورة الخاطر حتى ينهض أبناؤها برد ذاك الاعتبار، وسد تلك الخلة بالحنان والشفقة.
إن الأم من قبل ومن بعد ذات مشاعر انسانية، وهي في الوقت ذاته امرأة قد يغلب على حالها، الضعف، أو القصور، فلا تصبر لذاك العقوق، والجفاء، فهلاّ حقق الأبناء: الأمن النفسي لأمهاتهم، ومضوا مغذين السير في رضاهن؛ فالحياة ومضة سعادة قد تطفأ فلا توجد، وقد تغيب فلا تعود، والله تعالى يقول «ووصينا الانسان بوالديه احساناً حملته أمه كرها ووضعته كرها» )2(
الحواشي:
)1( «ذكرياته» من الحلقة 48.
)2( من آية 15 سورة الأحقاف.
* رئيس قسم الأدب والبلاغه والنقد أبها
|
|
|
|
|