| عزيزتـي الجزيرة
لا شك ولا ريب في أن من حق كل إنسان أن يحلم والأحلام لا تصادر وبلادنا العظيمة وقادتها الأفذاذ لا يصادرون الحقائق فكيف يخطر بالبال أنهم قد يصادرون الأحلام كما يحصل في بعض البلدان المجاورة والبعيدة الموبوءة بداء الدكتاتوريات وعبادة الأشخاص وتأليههم عياذا بالله.
روست عنوان مقالتي باللغة الإنجليزية الى جانب لغة القرآن ولغة أهل الجنة إن شاء الله اللغة العربية ليس حبا في التفرنج والإفرنج ولكن لحاجة في نفسي حيث كان هذا عنوانا لخطبة عصماء سمعتها في أمريكا يوما من الأيام البعيدة يوم كنت أتابع تحصيلي العلمي هناك، كان «مارتن لوثر كنج» زعيما وخطيبا زنجيا مفوها وداعية قويا للمساواة وحقوق الإنسان ورفع الظلم عن بني جلدته وماحاق ويحيق بهم من ظلم من الإنسان الأبيض الحاكم في أمريكا الشمالية وأثناء خطبته العصماء هذه قتله إنسان عنصري أبيض وخفتت شعلة كانت تضيء سماء أمريكا والعالم وتنير الطريق أمام أمل وطموحات ملايين السود في أمريكا الشمالية والعالم بتحقيق العدالة لهم وإعطائهم بعض حقوقهم وإنصافهم من بعض مظالم البيض المستعمرين وأن لا يكون مآلهم مثل مآل أمة الهنود الحمر في أمريكا الشمالية الذين تعرضوا لأبشع أنواع الظلم والإبادة والتعذيب على أيدي المستعمرين البيض الجدد لبلادهم حيث قضوا عليهم قضاء مبرما بكل أنواع وأساليب القتل الوحشية البشعة ومن بقي منهم وضع فيما يشبه حدائق الحيوانات المحصورة في أضيق نطاق.
بعد هذه الترويسة والمقدمة التي رأيت أن لا بد منها وددت أن أقول لمن يقرأ كلماتي هذه التي تهمني وحدي ولكني لا أستغني عن المشاركة الوجدانية من الأحبة والقراء حيث كنت أعلل نفسي كما تعلل ساغبة بنيها بأنفاس من الشبم القراح.
قبل أيام قلائل كنت أكتب المقال تلو المقال مطالبا بترقيتي من المرتبة الثالثة عشرة التي جمدت فيها سنوات وسنوات التهمت نصف عمري الوظيفي ومعه أهم شيء في حياتي، شبابي وعرقي وكدي وكفاحي، وجاء اليوم الموعود بعد سبعة عشر عاماً من الوعود تلو الوعود والمباركة بالترقية تلو المباركة خلال الأربع سنوات الماضية وما أطولها وأقساها من سنوات عجاف وطول انتظار لترقية لم تهل حتى كل الصبر من صبري، ولكن في الأخير تحققت الترقية بعد أن شاب شعري ووهن عظمي وكل نظري. وبهذه المناسبة السعيدة فإنني أود دفق هذا المداد لا الحديث عن شخصي المتواضع فهذا أمر لا يهم القارئ ولكنني قصدت أن أثير موضوعا يهم كل منتسب لسلك الخدمة المدنية حاق به ظلم من نوع ما أوقد يحيق به مثله فلا شك أن الأنظمة التي يسنها البشر يعتريها كثير من النقص ويوجد بها كثير من الثغرات فوددت أن ألفت الانتباه لمن يهمه الأمر من القائمين على تطبيق نظام الخدمة المدنية لما يحدث أحيانا كثيرة وفي كثير من الدوائر الحكومية من إجحاف بحق البعض لسبب أو آخر ولعل إثارة مثل هذا الموضوع تتمخض عنه دراسة لإيجاد حلول قاطعة تزيل الظلم عن كاهل كثير من المتضررين.
عودا على بدء.. ففي السنوات العجاف التي مضت كان عندي طموحات وأحلام تمنيت لها لو تحققت ولكنها إرادة الله أولا وآخرا وكما يقولون «الصالح خفي»، كنت أدغدغ مخيلتي بترقية في وقتها أو بعده بقليل وهذا حق من حقوقي أسوة بالبعض من زملائي كفله لي ولغيري النظام حيث يقول نظام الخدمة المدنية إن من حق الموظف ترقيته بعد أربع سنوات من الخدمة إذا كان يشغل مرتبة دون المرتبة العاشرة في سلم الخدمة المدنية، أما من يشغلون مراتب أعلى من المرتبة العاشرة فإن النظام يجيز لصاحب الصلاحية ترقيتهم بعد فترة أقل من ذلك بكثير، وكان النظام في السابق يجيز نظام القفز أي أن يرقى الموظف لمرتبتين فوق المرتبة التي يشغلها بالتزكية أو المفاضلة عن طريق نظام المسابقات ولكن قل حدوث مثل هذه الترقيات. كنت أحلم مثل كثيرين غيري أن تتم ترقيتي في حدود السنوات التي قررها النظام أو بعد ذلك بسنة أو بسنتين لا أن يمتد التجميد الى أن أشيخ وأسلب أهم حق من حقوقي أي الترقية في وقتها أو بعد ذلك بفترة يسيرة، ولكن كانت كل أحلامي تتحطم على صخرة التجميد وتكر السنوات بطيئة.. ثقيلة.. بدون ترقية مع توقف العلاوة الدورية لانتهاء السلم الوظيفي في المرتبة التي أشغلها وهي علاوة ينتظرها كل موظف مع إطلالة كل سنة جديدة بفارغ الصبر وكنت في ساعات خلوتي وأحلامي أردد قول الشاعر:
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر |
في يوم من الأيام كانت نفسي تواقة لمواصلة التحصيل العلمي العالي ثم عافت نفسي بعد ذلك كل سفر للخارج سواء كان لمواصلة الدراسات العليا أو للتدريب أو خلافه وتقوقعت على نفسي معتقدا أن إخلاصي في عملي وطيبتي وأمانتي سوف تنتشلني مما أنا فيه من هموم وتتحقق طموحاتي وأحلامي ولكن هيهات.. هيهات فالسنون تطوي عمري القصير ولم يتحقق لي ذلك الحلم والحمد لله على ما تحقق الآن بعد طول انتظار وألم وأمل شاكرا لأهل المعروف والفضل فضلهم بعد شكر الله وحمده.
معذرة لمن يقرأ هذا الكلام الشخصي وهذه المشاعر الشخصية فهي للتذكير وأخذ العبرة، فكم من مثلي من مئات الموظفين والموظفات بل قل آلاف الموظفين والموظفات الذين أحبطت بل قتلت أحلامهم وأمانيهم وطموحاتهم لأسباب عديدة وبالتالي فإن ماسطرته إنما يعبر عن هؤلاء العاملين بصمت وهم كثر ولا أحد يشعر بأحاسيسهم وأناتهم وطول معاناتهم وقساوة ظلمهم وطول صبرهم وعدم جزعهم وسوف تتكرر وتتكرر مثل هذه المعاناة للكثيرين والكثيرات لقسوة وعدم مبالاة الإنسان بظلم أخيه الإنسان وقد سبق للقرآن الكريم أن نبهنا الى ما هو أقسى وأشد من شاكلة هذه الحالات من ظلم الإنسان لأخيه، فقد قتل قابيل أخاه هابيل وطلب أخ من أخيه الذي يملك نعجة واحدة أن يضمها الى نعاجه التسع والتسعين ليكمل بها نصاب المئة وهذا هو الإنسان ظلم دائم.. وضيق أفق.. وأنانية ضيقة وحقد وحسد أعاذنا الله من ذلك.
ختاما المعذرة تلو المعذرة لإشغالكم بتسطير معاناة أخ لكم طوال سبعة عشر حولا ومن يعشها في مرتبة واحدة لا أبالك يسأم.
أخيرا لا آخرا فالثناء لله ولمن يستحقون الثناء الذين يصعب عليّ ذكر أسمائهم في ثنايا هذا المقال ثم الثناء لولاة الأمر فلهم منا الشكر على ما حققوه ويحققونه لبلادنا الغالية ولشعبهم المحب لهم من رفاه واستقرار وخير.
عثمان بن عبدالمحسن العبد الكريم المعمر
|
|
|
|
|