| أفاق اسلامية
* لندن خاص ب«الجزيرة»:
طالب أكاديمي اسلامي المجتمع المسلم بتغيير فكرته عن المركز الإسلامي، وتوسيع وظائفه ومهماته ومسؤولياته التي يؤديها لخدمة الأقليات المسلمة، وخاصة المراكز الإسلامية الكبرى المنتشرة في مختلف دول العالم.
وناشد الأستاذ الدكتور محمد بن عبد الحليم أستاذ كرسي الملك فهد للدراسات الإسلامية بجامعة لندن في حديث له خص به «الجزيرة» تناول فيه موضوع الرسالة الحضارية للجمعيات والمؤسسات والمراكز الإسلامية في أوروبا، حكومات الدول الإسلامية بتوفير الموارد المالية والبشرية اللازمة والقادرة على القيام بمهمات ومسؤوليات تلك المراكز.
وأكد الدكتور محمد بن عبد الحليم في هذا الشأن انه لابد أن يكون لكل مركز بيان واف بالأهداف التي من أجلها أنشئ، ويكون له مجلس استشاري من المفكرين والعارفين، وكذا له خطة استراتيجية تتغير بين الحين والآخر حسب ما يجد من ظروف.
د.محمد عبد الحليم
وشدد الدكتور محمد بن عبد الحليم في حديثه على ضرورة أن تتولى المراكز الإسلامية أو من تكلفه بذلك نشر كتيبات وكتب عن الاسلام بلغة جذابة وطريقة تروق للقارئ الغربي، كما طالب بأن يكون لكل دولة اسلامية هيئة عامة تعنى بالمراكز الإسلامية، ليتعاونوا ويتوزعوا الوظائف، ويتبادلوا الخبرات على أساس من مبدأ الشورى الذي هو من أعظم الواجبات الإسلامية.
وأبان أنه يجب أن يُؤسس كل ما تقوم به المراكز الإسلامية من جهود وأعمال دعوية وارشادية على العقيدة الأصلية من كتاب الله العزيز وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومن مصادرها التي أجمع المسلمون عليها وعلى هدي من منهج السلف الصالح القائم على الوسطية الإسلامية في العقيدة والشريعة والسلوك، والمواقف، والدعوة إلى الله بالحكمة والأسوة الحسنة.
وشرح مفهوم المركز الإسلامي الذي يتفرع إلى نوعين في بريطانيا الأول مسجد للصلوات، والثاني مركز ثقافي اسلامي، وكذا أبان مفهوم «نقل الحضارة» ومفهوم «الحضارة الإسلامية»، ومفهوم «المجتمع الغربي» المقصود به غير المسلمين.
وفي هذا الصدد، ذكر أستاذ كرسي الملك فهد للدراسات الإسلامية بجامعة لندن أنه يلزم البدء في كل بلد أوروبي بحصر ما به من مراكز اسلامية، ومعرفة تاريخها ووظائفها، وما أنجزته في السنوات العشر الأخيرة، وخططها للمستقبل.
وأكد أهمية نقل الحضارة الإسلامية إلى المجتمع الغربي، وأنه واجب ديني من باب الدعوة إلى الله، وواجب سياسي تقتضيه ضرورة تغيير الصورة البغيضة لدى الغربيين عن الاسلام والمسلمين، وهي صورة تؤثر على حياة المسلمين في الغرب، وتؤثر على صانعي القرار في الغرب، فتؤثر تبعاً لذلك على المسلمين في كل أنحاء العالم، ومن الأسف ان البلاد الإسلامية لا تولي هذا الأمر أهمية كافية، ويجب أن تحشد له جهود كبيرة في كل بلاد المسلمين.
وتوصل الأستاذ الدكتور محمد بن عبد الحليم إلى أن هناك واجبات كبيرة يجب أن تقوم بها تلك المراكز الإسلامية في المجتمع الغربي «غير المسلم» وتتركز في ثلاثة واجبات أو وظائف في ثلاث جهات: الأول العمل لخدمة المسلمين الذين هاجروا إلى الغرب، والثاني العمل لخدمة من دخلوا في الإسلام حديثاً من الغربيين، والثالث العمل لنقل الحضارة الإسلامية إلى المجتمع الغربي غير المسلم، مبيناً أن العمل لخدمة المسلمين الذين هاجروا إلى الغرب هو الوظيفة الأولى، فالمحافظة على دينهم وثقافتهم تأتي قبل الاتجاه إلى خدمة غيرهم، ولا ريب أن المسجد هو أكبر ما توفره المراكز الإسلامية الحالية للمسلمين الكبار الذين هاجروا واستقروا في الغرب، وأن أكثر المساجد والمراكز يكاد يقتصر دورها على هذا، وقليل منها يوفر بعض الدروس في آخر الأسبوع، فجل ما تقوم به هو القيام بالعبادات، وهي تنقل ذلك للمسلمين لا لغيرهم.
ونبه سعادته في هذا الصدد إلى أنه يجب تحسين الأعمال الدعوية التي تقوم بها تلك المراكز، وبالأخص خطب الجمعة التي يلقيها كثير من الأئمة لا تفيد المصلين، فهي بلغة أجنبية، وكذا ينبغي الملاحظة أن المساجد والمراكز الحالية هي رجالية، وكثير منها محظور على النساء أو هي لا توفر مكاناً، ولا تعير اهتماماً بالنساء، والأطفال، والشباب، إلا بعض دروس آخر الأسبوع، موضحاً أن النساء والأطفال والشباب بحاجة ماسة إليها أكثر من الرجال، وأثرها عليهم وعلى مستقبل الإسلام في الغرب أشد خطراً من أثرها على من هاجروا إلى الغرب وهم كبار، وأنه ما لم نوفر للشباب المسلم مثل هذا المكان الذي يتعلمون فيه دينهم، ويمارسون رياضاتهم، ويعرفون ثقافاتهم وحضاراتهم الإسلامية، ويعتزون بها، ويرسخونها في أسرهم ومستقبلهم فسينصرفون عن الإسلام على الأقل بوقع ثقل المجتمع الغربي الذي يعيشون فيه.
كما تناول الدكتور محمد عبد الحليم في حديثه دور المراكز الإسلامية في خدمة من دخلوا في الإسلام حديثاً من الغربيين، فلفت الانتباه إلى أن الشاب الأوروبي حين يدخل الإسلام يتخذ قراراً يغيِّر حياته الشخصية والاجتماعية تغييراً جوهرياً، وأخطر من هذا بكثير حين تدخل شابة أوروبية في الإسلام، إن كلاً منهما يحتاج إلى عون كبير مستمر في مجالات متعددة، منها: تقديم الإسلام له بطريقة سهلة ميسرة حكيمة واعية بالأولويات، وكذا تقديم كتب تروق له كتبت بطريقة تناسب ذوقه، وترتقي إلى مستواه في العلم والمعرفة، وايجاد الصحبة المعينة والمكان أو المركز الذي يستهويه، ويخفف عنه الوحدة والغربة التي ألقى بنفسه فيها بعد أن دخل في دين يتطلب من اتابعه نمطاً من الحياة يختلف كثيراً عن الحياة العادية للشباب في الغرب، بعد أن اختلف عن أهله وأصحابه، والأماكن التي كان يرتادها، ووسائل الائتناس وملء الفراغ التي اعتاد عليها.
واستغرب سعادته من أن أفراد الشعب الأوروبي يفاجؤون عندما يزورون المراكز الإسلامية الثقافية في بلادهم لا يجدون فيها إلا المسجد فقط ومن دون أن يكون هناك مصلى مخصص للنساء، في حين أنهم يتوقعون أن يجدوا مكاناً تقام فيه المعارض والمكتبات، وهناك جداول محاضرات ونشاطات اجتماعية، ومكان نظيف يجلس فيه الناس ويتحادثون، لأن هذا ما يفهمونه عن المركز الثقافي، ولهم العذر في ذلك، فهذا ما يجدونه في المركز الثقافي الفرنسي مثلاً.
كما تطرق أستاذ كرسي الملك فهد للدراسات الإسلامية بجامعة لندن في حديثه إلى مفهوم الحضارة الإسلامية عندهم، فهو يقتصر على العمارة، والفن، والعلوم، والحياة في العصر الذهبي للإسلام، وان من وسائلنا في نقل الحضارة الإسلامية اليهم متعددة، منها المعارض، والمحاضرات، واللقاءات، والمؤتمرات، والإعلام بأنواعه المقروءة، والمسموعة، والمرئية، والنشر على مستوى رفيع، والعمل في مجال المدارس والجامعات.
وفي مجال المعارض والمحاضرات واللقاءات والمؤتمرات أكد سعادته أنه ينبغي البدء في هذا الشأن بما يروق للغربيين من حضارتنا الإسلامية، قائلاً: نحن نعلم مثلاً أن ملايين منهم تذهب سنوياً إلى إسبانيا للسياحة، ويعجبون بآثار الحضارة الإسلامية فيها، فلتكن هذه نقطة الانطلاق، كشرح بعض الأمور الفقهية الشرعية كتعويض أسرة القتيل أي «الدية في الشريعة الإسلامية» ولأن القانون في أوروبا لا يفعل ذلك فنلاحظ أن هذا الموضوع يجذب أفراد الشعب الأوروبي الذين يبدون حماساً لعدل الشريعة الإسلامية في هذا الأمر المهم، وأيضاً لنتحدث عن المستشفيات الإسلامية قبل النهضة الأوروبية، وعن الأطعمة والمشروبات، وعن العطور، وعلم الفلك، والرياضة، والعمارة، وفنون الزينة، وما إليها.
ولفت سعادته إلى أنه عند قيامنا بتنظيم المعارض والمؤتمرات والمحاضرات، فيجب ان ننظمها في متحف الدولة العام، وأماكن العرض بها، وفي الجامعات لنضمن حضور الجمهور العادي، ونستفيد من خبرات أصحاب المتاحف والمعارض في أفضل السبل والمناهج عندهم، ويجب أن نشركهم معنا في اقامة معارضنا، ومؤتمراتنا، ومحاضراتنا في أماكنهم هم وباشراك جامعاتهم، ومتاحفهم، ومعارضهم، وخبرائهم، وعلمائهم، كما نشركهم في الحديث عن الحضارة الإسلامية فقط، أما الحديث عن العقيدة وأمور الدين فهذه نقوم بها نحن في مساجدنا ومراكزنا، وبعد أن تتغير فكرتهم عنا باشراكهم معنا في المعارض والمحاضرات في أماكنهم هم يمكن أن يجيء بهم إلى مراكزنا وأماكننا نحن.
ونظراً إلى ما للإعلام من أهمية كبيرة لكونه من أخطر الوسائل في الوقت الحاضر وأقواها تأثيراً وأوسعها انتشاراً، دعا الدكتور محمد عبد الحليم إلى أهمية وجود أحد العاملين في المراكز الإسلامية في الدول الأوروبية يكتب او يعهد الى من يكتب في الجرائد العامة عن الاسلام ويشرح الصورة الصحيحة عن الاسلام وافراده حيث كثيرا ما تثار بها قضايا ضد الاسلام ويثار حولها نقاش في باب بريد القراء وفي الصحف الاوروبية الا انه ليس لاي مركز اسلامي هناك دور للدفاع عن الاسلام ولهذا يجب ان يكون في كل مركز اسلامي قسم يتتبع الصحافة الاجنبية ويقتطع منه يوميا كل ما تقوله عن الاسلام ويرد او يعهد الى من يرد عليها كما يجب ان يكتبوا في عمود الدين ان وجد بها او المشاركة بتخصيص وقت في الاذاعات الخاصة الصغيرة في البلاد الاوروبية للحديث عن الدين الاسلامي وفي التلفزيون كذلك.
وحذر سعادته ايضا من ان كثيراً من وسائل الاعلام الغربية تتخير عن خبث ودهاء ومكيدة بعض افراد المسلمين عرفوا بغلوهم في التطرف وتعقد معهم لقاءات وتشركهم في مناقشات فيقدمون صورة بغيضة هم بها اشد ضررا على الاسلام من اعداء الاسلام انفسهم ولابد للمراكز الاسلامية ان تعرف ذلك وعدم الصمت على ذلك حتى لا تترك المجال لهؤلاء الغلاة يصولون ويجولون فيها ويسيئون الى الاسلام.
ونادى سعادته كذلك الى ان تتولى المراكز الاسلامية نشر كتيبات وكتب عن الاسلام بلغة جذابة وبطريقة تروق للقارىء الغربي لان كثيراً من الكتب الموجودة في المراكز الاسلامية ليست بالمستوى المطلوب واكثرها مترجم عن مؤلفات كتبت في قرون سابقة لبيئة مختلفة عن البيئة الغربية مبرزا الجهود والاعمال العظيمة والتي كان لها الفضل الاول والكبير بعد الله سبحانه وتعالى في الحفاظ على الهوية الاسلامية، ونشر التعليم الاسلامي في اوروبا خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود منها انشاء )اكاديمية الملك فهد في لندن( التي انشأها خادم الحرمين الشريفين على نفقته الخاصة تعتبر في الوقت الحاضر اعظم عمل تعليمي للمسلمين منذ ان قامت لهم سفارات في لندن حيث انشئت الاكاديمية منذ خمس عشرة سنة واصبح بها الآن حوالي الف تلميذ مسلم من البنين والبنات ويتعلمون فيها اللغة العربية وتلاوة القرآن الكريم والعلوم الاسلامية الى جانب الدروس والمواد العلمية الاخرى وقد وصلت الى الجامعات في بريطانيا افواج من خريجي الاكاديمية فمن هؤلاء سيكون ان شاء الله تعالى الجيل المسلم القادر على العمل في المراكز الاسلامية كما نحب ان تكون والقادر على العمل في خدمة الاسلام وهم نشأوا في البيئة الغربية وتعلموا فيها ويعرفونها اكثر من غيرهم.
واستطرد الدكتور عبد الحليم قائلا: اما العمل الثاني فهو انشاء )كرسي الملك فهد للدراسات الاسلامية( بجامعة لندن من خمس سنوات وكان من اول ثماره انشاء )مركز الدراسات الاسلامية بكلية الدراسات الشرقية والافريقية( بجامعة لندن حيث يقوم المركز بالبحث والدراسة الجامعية للعلوم الاسلامية ومحور ذلك كله القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف كما يعنى بصلة الاسلام بالمسلمين بغيرهم في العالم ويوفر مجالا للتعاون بين العلماء والباحثين ومناشطه الرئيسة: تدريس المسلمين وغيرهم مجانا للتخرج بدرجة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في الدراسات الاسلامية وكذلك توفير مجالات البحث الاسبوعية في الاسلام وحضارته وصلته بالديانات الاخرى واثره في العالم.
ومضى سعادته قائلا: كما يقوم )مركز الدراسات الاسلامية بكلية الدراسات الشرقية والافريقية( بجامعة لندن بعقد مؤتمر عن القرآن الكريم مرة كل سنتين حيث سيعقد المؤتمر القادم منه في شهر اكتوبر المقبل باذن الله تعالى بالاضافة الى ذلك فهناك الكثير من الاعمال والجهود التي يقوم بها المركز في مجال نشر الكتب والمجلات العلمية التي تعنى بالدراسات الاسلامية كما ينظم المركز سلسلة محاضرات لكبار المتحدثين من انحاء العالم حيث يتم فيها دعوة شخصية كبيرة تتحدث عن موضوع ذي صلة بالاسلام او الدين عموما.
|
|
|
|
|