| أفاق اسلامية
العلماء الذين يستفاد منهم كثير، ولا يزالون يذهب الواحد منهم تلو الآخر دون أن يستفيد منهم الناس إما لغفلة طلبة العلم عنهم أو لانشغال هؤلاء العلماء بأعمال شغلتهم عن الجلوس للطلبة، وعلى كل، فالعالم إذا لم يوجد له من الطلبة من يحيي ذكره، ولم يترك أثرا علميا يبقى بعد وفاته فلا شك سينساه الناس، ومما يذكر هنا ما قاله أبو الطيب اللغوي في آخر كتابه مراتب النحويين بعد أن أنهى تراجم النحاة قال : وما أخللنا بذكر أحد إلا لسبب، إما لأنه ليس بإمام ولا معول عليه، وإما لأنه لم يخرج من تلامذته أحد يحيي ذكره، ولا من تأليفه شيء يلزم الناس نشره أ. ه، وفعلا هذه الأمور هي السبب في إغفال ذكر كثير من العلماء، ومهما يكن فإن الواجب على طلاب العلم ومريديه أن يدأبوا في ملازمة العلماء ليحيوا ذكرهم وليوصلوا علم المتقدم للمتأخر.
وأظن أن من أولئك العلماء الأفذاذ الذين غفل عنهم طلبة العلم الشيخ البارع شيخ باهلة الشيخ حمود بن عبدالعزيز بن سبيل، عرفته عالما مليئا بالعلم يتوقد ذكاء وفطنة، موسوعة قضائية مليئة بالتجارب، ولكن انشغاله بالقضاء وتنقله بين عدة أماكن بحكم عمله جعل معرفة الطلبة به قليلة، وقد كنت أزوره مرارا وأستقي منه علما ونصائح وتوجيهات ما ظننت أني أجدها عند غيره، وقد كنت أقيد ما يذكره عن حياته لعلي أن أجد لها فائدة فيما بعد، وكنت أعجب كيف يغفل القضاة اليوم عن مثل ذلك الجيل المتقدم من القضاة الذين أمضوا أعمارهم فيه كيف لا يستفاد منهم، وكأن القضاء والفصل بين الناس إنما يؤخذ من الكتب دون أن يؤخذ من أفواه أهل التجربة، فلقد وجدت عند الشيخ حمود رحمه الله خبرة واسعة عن القضاء وقصصا وتجارب، كنت أتمنى لو قيدت عنه أثناء حياته، والآن وقد توفي الشيخ رأيت أن من إبقاء ذكر الشيخ بعد وفاته بيان ترجمته للناس، ولو بصورة مختصرة، وإلا فمهما ذكرت عنه هنا فحقه علي أوجب وما أفاد به الناس أيام حياته يوجب علي أكثر من هذا، ولكن لعلي أذكر ما يكون كافيا للغرض والله المستعان:
اسمه ونسبه:
هو العالم الشيخ: حمود بن عبدالعزيز بن حمود بن سبيل الباهلي، هو من أسرة آل سبيل الباهلية يقول عنها حمد الجاسر في كتابه قبيلة باهلة: أسرة آل سبيل من الأسر الباهلية التي انتقلت من مدينة المذنب هم وأسرة آل عويويد وآل رشيد، فاستقر آل سبيل في نفي وهي هجرة تابعة لبلد الدوادمي وذلك في أواخر القرن الحادي عشر، وعمروا فيه بلدة وحفروا آبارا زراعية واستقروا هناك، وما زال بعضهم مقيما في تلك البلدة إلى الآن، وقد منح الملك عبدالعزيز في عام 1322ه الشاعر عبدالله بن سبيل إمارة تلك البلدة وما زالت الإمارة في أسرة آل سبيل إلى هذا العهد. انتهى كلامه بتصرف، وقد انتقل بعض هذه الأسرة إلى أماكن شتى من نجد، وقد ولد شيخنا رحمه الله في بلدة الشعرا في عام 1338ه وهي إحدى بلدان الدوادمي.
الشيخ في الشعرا:
تربى الشيخ عند والديه في نفي، وقضى الله سبحانه أن يفقد بصره، وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره بسبب مرض الجدري الذي انتشر في ذلك الوقت، لكن ذلك ما منع والده أن يضعه عند أهل العلم فأرسله إلى الشيخ: عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل عبداللطيف الذي كان يدرس القرآن في بلدة الشعرا وكان ممن طلب العلم على يديه الشيخ حمود بن سبيل كما ذكر ذلك حمد الجاسر في ترجمة عبدالعزيز بن عبداللطيف عليهم جميعا رحمة الله ، حفظ الشيخ حمود القرآن على يد شيخه الشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف، كما ذكر ذلك غير مرة، وأكمل حفظ القرآن في عام واحد، وقد تعجب شيخه من قوة حفظه وسرعته، فألقى له مزيدا من الاهتمام كما حدثني بذلك رحمه الله أتم حفظ القرآن وعمره خمسة عشر عاما، حتى صار يدرس بعض أهل بلدته، ثم بعد ذلك انتقل إلى الرياض للتزود من العلم عند علماء الرياض.
الشيخ حمود في الرياض:
ثم في آخر عام 1359ه قدم إلى الرياض، وذلك بعد رؤيا رآها في المنام، وبتأثير من شيخه عبدالعزيز بن عبداللطيف، وذهب إلى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ليطلب العلم على يديه، فلازمه ملازمة متواصلة يحضر جميع دروس الشيخ، واستمر في طلب العلم عليه وعلى غيره من العلماء، ثم واصل دراسته بعد أن التحق بالمعهد العلمي بالرياض ثم في كلية الشريعة إلى أن تخرج فيها، ويمكن استخلاص العلماء الذين درس عليهم أو استفاد منهم كما يلي:
1 الشيخ: محمد بن إبراهيم رحمه الله وهذا هو شيخه الذي استفاد منه كثيرا حيث لازمه ملازمة متواصلة منذ أن قدم الرياض عام 1359ه إلى عام 1378 ه أي: عشرين سنة متواصلة، قرأ عليه في جميع الفنون، في العقيدة والفقه والحديث والفرائض، كما درس عليه اللغة العربية وفروعها، وفي الحقيقة فقد ارتسمت صورة الشيخ محمد بن إبراهيم في ذهن وعقل الشيخ حمود بن سبيل من جراء هذا الملازمة الطويلة حتى إنه قد لا يعد دراسته واستفادته من غيره من العلماء شيئا مقابل ما حصله من شيخه محمد بن إبراهيم رحمهم الله.
2 الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم وقد درس عليه الفرائض خاصة.
3 الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله فقد درس عليه في المعهد العلمي وفي كلية الشريعة، وقال لي: إنه كان يذهب إلى الشيخ الشنقيطي بعد العصر للقراءة عليه في التفسير واللغة وغيرها.
4 من العلماء الذين استفاد منهم الشيخ حمود أثناء دراسته بالمعهد والكلية: الشيخ: عبدالعزيز بن باز رحمه الله ، وغيره من العلماء الموجودين في ذلك الوقت.
وكان الشيخ يسكن أثناء إقامته في الرياض مع مجموعة من الطلبة في بيوت الإخوان التي كانت تمنح لطلبة العلم القادمين إلى الرياض، وله في هذه البيوت ذكريات وقصص ذكر لنا كثيرا منها قد يأتي الحديث عن بعضها ، ومن هذه البيوت التي سكنها بيت الإمام عبدالرحمن الفيصل الذي أوقفه على طلبة العلم، وفي عام:1372ه التحق الشيخ حمود بن سبيل بالمعهد العلمي بالرياض، وأجري له اختبار تحديد المستوى فرأوا أن يلحق بالصف الثاني الثانوي، فتخرج من المعهد عام: 1374ه ثم التحق بكلية الشريعة وتخرج فيها عام: 1377ه ، وكان المعهد والكلية في ذلك الوقت يزخران بنخبة من العلماء الأجلاء الذين كان لهم دور في قوة الطلبة العلمية.
|
|
|
|
|