| الثقافية
** كان الشاعر العربي يقول: «بانت سعاد فقلبي اليوم..» الى آخره.
لكن سعاد لم تعد واضحة الآن، سعاد حسني التي «هبطت» من الدور السادس في لندن، غادرت الى الدار الآخرة، ولا احد يعرف ماذا حدث قبل رحلة هبوطها الاخيرة؟
** وفي العام الماضي حين سقط الفنان الكبير طلال مداح من كرسيه وهو يغني «الله يرد خطاك لدروب خلانك»، داهمني هاجس يقول وكأنه جبر خاطر: العوض في محمد عبده وعبد المجيد عبد الله، كان شعورا غريبا تعامل مع طلال مداح كقطعة فنية على وشك ان افقدها، لكن سرعان ما راجعت نفسي من اجل ان انظر الى طلال مداح ككيان كبير وشامخ على المستوى الانساني قبل الفني، الشعور الاول كان انانيا، وكان علي معالجته، وتصحيحه، اما المشاعر الاخرى التي حاولت تكريسها تجاه ذلك الفنان العظيم فقد كانت اقل ما يمكن ان يقدم الى ذلك الرمز الفني الخالد، طلال مداح.
** وفي هذا العام، لم اسمع صوت ارتطام جسد المسكينة والفنانة العظيمة ايضا سعاد حسني على الارض، لكني فور سماع الخبر وفي لحظة الدهشة الاولى، بلغ في داخلي الحقد اقصى مداه تجاه كثير من محرري «الصحافة العربية»، التي في الغالب وليس البعض تفتقد الدقة في نشر اخبارها وتبالغ كثيرا، في اضافة «الكذب» او ما يسمونه «الفبركة» لتحقيقاتها واخبارها، وربما قرأتم جميعا التحقيق الصحفي الذي نشرته مجلة «روزا اليوسف، بالقاهرة او هي صباح الخير»، قبل وفاة سعاد حسني بأشهر، مدعية ان هذه الفنانة تعيش حياة «بوهيمية» في لندن وتتسول في الشوارع، والاكيد ان كل من قرأ ذلك التحقيق الذي نقلت اخباره كثير من الصحف العربية، سوف يكون انطباعا سيئا عن هذه الفنانة القديرة، ورغم ان الكثير من الفنانين والفنانات والمقربين من سعاد حسني قاموا بتكذيب كل ما تضمنه تحقيق تلك المجلة واكدوا أنها تتلقى العلاج الطبيعي هناك، كما اكدوا انها رفضت الكثير من المساعدات المادية بعد ان قطعت الدولة المصرية معونة العلاج عنها، وانها تعيش في لندن بما تبقى في رصيدها من مال ريثما تعود بعد العلاج، رغم كل تلك المحاولات لتحسين صورة هذه الفنانة التي اساء لها محرر صحفي عديم الاخلاق، الا ان الجمهور العربي في غالبيته لم يستطع ان يمسح تلك الصورة السيئة عن سعاد حسني من مخيلته بعد تحقيق تلك المجلة، بل ان البعض منهم طالبوا باعادتها الى وطنها بالقوة.
وحين ثبت كذب وافتراء ذلك التحقيق عليها، لم نسمع بعد ذلك ان اية مساءلة تعرض لها المحرر الصحفي الذي كذب على الجماهير بشكل صريح ومكشوف.
لا اريد ان اتحدث عن تجاوزات الكثير من المحررين في المجلات والصحف العربية وصمت مسؤوليهم عن تجاوزاتهم ولكنني متأكد ان خمسين في المئة من التحقيقات الصحفية العربية الفنية والرياضية بالذات «ملفقة» ولا اساس لها من الصحة، ولا زالت هذه التحقيقات والاخبار «الملفقة» تملأ الصحف والمجلات العربية وتضلل اذهان الجماهير بلا رادع وبلا مسؤول، وكثيرا ما خرج علينا فنانون معروفون يكذبون ما جاء في هذا الحوار او الخبر او التحقيق جملة وتفصيلا، دون ان يكون هناك مساءلة للمحرر الذي لفق الحوار او رئيس القسم، واظن ان مقولة الشارع العربي «كلام جرايد» لا زالت سارية المفعول ولا زالت سيدة الموقف، لانه لم يتغير شيء في صحافتنا العربية منذ ثلاثين عاما وحتى الآن، لا زالت المصداقية في الغالب مفقودة ولا زالت «الفبركة» ولا زال «التلفيق» من اجل استمرار أكل العيش ومن اجل الاثارة الكاذبة، صحيح ان الصحف والمجلات العربية تستخدم الآن وسائل التقنية الحديثة وتحاول تطوير أدائها بما يتماشى مع العصر، لكن الصحيح الآخر ايضا ان غالبية هذه الصحف والمجلات العربية لا زالت تظن بذهنية قديمة ان الاثارة والفبركة والكذب والتلفيق هي الوسيلة الافضل لجذب القارىء، بديلا عن الصدق والرصانة والموضوعية، وهذه الذهنية ذات الوعي الناقص لا تسر احدا بطبيعة الحال، وهي تقدم دليلا ضخما على ان اشياء كثيرة في حياتنا العربية بحاجة الى معالجة وغربلة وتصفية واصلاح بذهنية مفتوحة وواعية ومتقدمة، أليس كذلك؟
لكن السؤال هل كانت سعاد حسني على وشك بيع مذكراتها لاحدى دور النشر العالمية في لندن وهذا ما عجل بنهايتها خصوصا ان تلك المذكرات كانت سوف تتضمن أسماء وشخصيات معروفة مرت بحياتها؟!
** وكل هذا لا يمكن ان ينسينا طبعا ما فعلته الصحافة الفنية المحلية بالتنافس المتميز بين الفنانين الكبيرين طلال مداح ومحمد عبده، وكثيرا ما ظهر احدهما يكذب ما نشرته الصحيفة «الفلانية» على لسانه ضد زميله الفنان الآخر، واذا كان التنافس بينهما قد تحول في بعض الاحيان الى تنافس غير شريف خصوصا من الطرف الثاني، فاننا من الصعب ان نبرىء الصحافة من السبب في ذلك، فقد تحولت الصحافة في الغالب من تحليل فني للقصائد الشعرية واللحنية التي تغنى بها الفنانان الى ملاحقة اقوالهما وآرائهما في بعضهما البعض وتلفيق أقوال أخرى ليس لها علاقة بالفن.
** صباح الخير أيتها القاهرة:
** في عام 1992م كنت في زيارة عمل استمرت قرابة ثلاثة اشهر للقاهرة، وفي العام 1994م نشرت على صفحات الثقافة بجريدة الجزيرة في بداية التعاون موضوعا على حلقتين بعنوان واحد : «صباح الخير ايتها القاهرة»، وكان اضاءة لهذه الرحلة وقراءة في رواية «ذات» لصنع الله ابراهيم التي ظهرت في تلك الفترة، قلت فيهما ان للقاهرة مفتاحاً هو تاريخها، لا تستطيع ان تدخل القاهرة لكي تعرفها جيدا قبل ان تستأذن تاريخها وسلاطينها وملوكها القدماء واحفادهم، واحفاد احفادهم الذي خلقوا مجتمعين هذه البدعة الكونية التي تسمى «القاهرة»، فهذه المدينة ليست فقط تلك الشوارع والمطاعم والشقق والفنادق والمكتبات والملاهي والوجوه الباسمة في المحلات التجارية، انها كل ذلك مصحوبا بلهجة عربية ناعمة وتاريخ في السياسة والاقتصاد والفن والادب والحرية والنضال والحب، وربما اهم ما يميزها الآن تلك الارصفة المكتظة بالكتب الساخنة التي صدرت حديثا وتلك المسرحيات الجريئة التي تعرض على الجانب الآخر من هذه الارصفة.. الى آخره.
** سوف نعود للموضوع بعد رحلة من الصيف للقاهرة لكي نعاود التحليق من جديد في سماء جديدة.
ص.ب 7823 الرياض 11472
fahdateq@hotmail.com.
|
|
|
|
|