| مقـالات
الترجمة علم دقيق متناهي الدقة إذ الأمر فيها من الدقة بمكان مكين بحيث يشبه أمره شبهاً صادقاً الروح للبدن أردنا أم لم نرد شئنا أم أبينا أحببنا أم كرهنا وعينا أم جهلنا.
فليس علم الترجمة مثل علم التاريخ أو السير أو الأخبار. كلا فمداره دون ريب على كمال النزاهة وصادق النظر وموازنة الحال بموهبته تعني الموهبة .. ولا كلام، ثم إيضاح دقائق صفات المترجَم له خاصة تجديده وإضافاته وأثره في الأرض لكن على نسق متأنٍ حي حكيم عاقل محيط، والترجمة على هذا هي: تاريخ وسير وأخبار الأمة وأفذاذها الذين جددوا في مجال واحد أو مجالات شتى، لكن ضابط هذا وقلبه ودمه صحة السند واتفاق العقلاء على حقيقة ما ورد بناهض لا يبور والترجمة فن عال، فن رفيع حساس مرهف الحس إلى درجة أن العاقل من الناس يدرك الزيف كما يدرك المبالغة، وكما يدرك هذا وذاك فهو يعي حقيقة المترجَم له بهاجس فطري حي صادق واثق إذا نحن وعينا هذا ونعيه، فما هي الترجمة ما المراد بها..؟
جاء في كتاب «كتب تراجم الرجال بين الجرح والتعديل»، م1 طبع وتوزيع: دار طويق، دار الوطن بالرياض ما نصه: قال ابن منظور : ترجم الترجمان المفسر للسان بالضم والفتح، هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى لغة، والجمع التراجم، والتاء والنون زئدتان، «ص 26 ج 2/ت،ج».
ثم يبين كتاب «كتب تراجم الرجال..»، أمراً مهماً في بابه ليقول: «وتعني الترجمة مما نحن بصدد طرحه: إيراد حياة الغير ممن نريد الوقوف عليها بتفصيل مفيد، نأخذ ما نحكم به له أو عليه من خلالها، وإذا كانت الترجمة تعني ما ذكرت فإنها لا تخرج منه إلا لتعود إليه، ونحن الذين نبحث في موازين الرجال نحتاج حاجة ماسة إلى معرفة كاملة عن حياة الرجل المراد نظر أمره».. ألخ من كلام مهم.
والترجمة على هذا حساسة مهمة لأنها ذات مسالك وعرة لا يخرج منها إلا من ذكرت صفاتهم قبل ذلك.
وهي فن وعلم نادران وعلم وفن عزيزان، فإنه قلَّ من ألف في هذا وسدد وأجاد وأفاد، سوف بإذن الله تعالى أورد من «تهذيب الكمال في أسماء الرجال»، و «الطبقات الكبرى»، و«ميزان الاعتدال»، و «تذكرة الحفاظ»، و «الجرح والتعديل»، و «مختصر تاريخ دمشق»، و «تاريخ بغداد»، و«عمدة القاري»، و«فتح الباري»، سوف أورد بإذن الله تعالى تراجم منها ومن غيرها من كتب التراجم شيئاً من تراجم بعض الرجال لنرى حالاً، هي حال أي حال...
1 هو:
بين الطويل والقصير وهو إلى الطول أقرب أبيض اللون كثيف الشعر حلو المنطق أجش الصوت غاية في الحفظ والفهم سديد الرأي قوي الشكيمة جدَّد في الرواية والدراية رحل إليه الأئمة من المعمورة يقصدونه للأخذ عنه ورؤيته لما حباه الله تعالى من السمت والدَّل والعفاف والخلوة وعمل اليد جدد وأضاف فاستفادت منه الخليقة إلى اليوم وطلبه علماء الحديث والفقه وسياسة الاستخلاص رحل إليه البخاري ومسلم وسواهما وتأدبا بأدبه وسمته وكان محباً للخلوة جداً ورعاً عفيفاً تقياً قليل الكلام كثير السمت مع حلو المعشر وحسن الخلق كان صابراً جاد الصبر على كل منغص نغص عليه حياته وعلمه ورزقه.
هو الإمام الحجة عبدالله بن يوسف التنيسي سمع وأخذ العلم عن مالك بن أنس والليث ابن سعد وسواهما في مصر والمدينة وأخذ عنه العلم يحيى بن معين والذُّهلي وغالب أهل العراق، روى له البخاري في قرابة سبعين موضعاً كان أحمد بن حنبل وابن راهوية يعظمانه جداً. أخرج له أبو داود والنسائي والترمذي عن رجل عنه إذ لم يرووا له مشافهة مع أنه من مشايخهم وكانوا يعظمون لجلالته وتواضعه وعفافه وبساطته وصدقه ولست أعلم أن مسلماً روى له.
كان أصله من «دمشق»، الشام لكنه حل في قرية من قرى مصرتسمى تنيس لعلها على طريق الصعيد.
ولعله أحد الذين كانوا من صانعي الرجال فقد كان ذا فراسة تقية ورعة ساهم في تربية البخاري من حيث جودة الرواية ومن حيث تجديد الاجتهاد في : الآثار على غير مثال قد كان ت سنة «218» بمصر، رحمه الله رحمة واسعة.
2 هو:
سيد كريم ورع بار قليل الكلام بسيط في معيشته ومركبه ومسكنه مع توفر هذا له كان فيه طول وسمارة لون وفي صوته بحة محبوبة كريم المعشر، ماقال أو نصح أو ذكر إلا بنص صحيح كان يقوم على نفسه بنفسه فيعيش بذل وصبر ولزم الآثار العالية عن أبيه رحل إليه الناس من المشرقين، جدد في الدراية تجديداً موهوباً مع حسن سمت وصدق نظر وتمام عفاف ولعله أحد صناع الرجال، وكان ذا اجتهاد في نظر تفيق الآثار مع كثرة عبادة أطنب المترجمون له بما لا يسع ذكره، روى له المحدثون والفقهاء في الجملة، هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام يكنى: بأبي المنذر أو بأبي عبدالله رأى جلة من الصحابة حال صفره، ولد سنة «145» في العراق. رحمه الله رحمة واسعة.
3 كان أسمر اللون مع بياض خفيف جميل الطلعة نادر الاختلاط عرفت عليه علامات النجابة مبكراً فقد كان كثير الصمت محباً للخلوة مع كثرة عمله وفضله ومعروفه، وكان ذا دهاء سخر حياته لتجديد الرواية عن الليث بن سعد وسواه فجدد وسدد وكان له حضور نفسي تقي ورع تبسط في معيشته فقد كان بسيط العيش تراه وتظنه من «العامة»، إذا مشى وحده وهو الإمام المجدد. ما رآه أحد إلا ذكر الله هو يحيى بن عبدالله بن بكير القرشي ولد سنة 155 ه وتوفي سنة 231 روى له أبو عبدالله البخاري ومسلم.
كان ذا هيبة خلقية بعيداً عن التصنع ومن هذا أخذ بطريقته اكتساباً. كثير ممن خالطه من كبار العلماء ما بين سنة 180 حتى وفاته وقد استفادوا من ذلك بما رأوه من خير من أمر الهيبة الورعة كان لوفاته صدى رحمه الله رحمة واسعة.
4 كان صريح الكلام ما قال أو نصح أو دل إلا بنص صحيح، جدد الرواية والدراية عن الإمام: الوضاح بن عبدالله اليشكري، وسار ذكره في الأرض وبذل جملاً من: الإضافات التي سرت عنه تجديداً واضافة، كان عفيف الحال ورعاً جم التواضع حسن الصحبة حسن المنطق جميل الصوت مع هيبة ووقار وتأن وبساطة ظاهرة عليه.
هو: موسى بن إسماعيل المنقري البصري ثقة كبير الشأن روى عنه كبار العلماء مثل: البخاري وأبو داوود ويحيى بن معين، وأخرج له مسلم والترمذي بواسطة إذ رويا عنه عن رجل، كان غاية في الحفظ والفهم وسداد الرأي وبذل المعروف.
وكان من قلة قليلة تراه وتظن ليس ذلك فإذا هو الإمام كان جم التواضع يكره السير أمامه ليلاً والسير خلفه نهاراً مهما كان الأمر.
أقبل الناس إليه من المعمورة فأخذوا عنه، لعله توفي سنة 223 في البصرة رحمه الله رحمة واسعة.
5 كان أسمر اللون لبق الصحبة جدد الدراية في مكة والمدينة ثم العراق كان طويل الصمت كثيف الشعر له هيبته ووقار مع حسن خلق جم بسيط المعيشة والسكنى والمركب، ما كان يقول في عموم أو خصوص، وما كان ينصح ويبذل الإجابة إلا بنص صحيح أي مكان يحله يحف به أهله كانت رؤيته تذكر بالله، حفظ وفهم وأسس وأصَّل وقاد الأمة إلى نظر فقه النص بما لم يكن قد سبق إليه أطنب مترجموه بما هو عليه من سمت وسداد نظر وبساطة بينة.
أخذ العلم عن كبار العلماء خاصة صالح بن كيسان .
هو الحجة الورع المؤسس: إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف سمع من كبار علماءهذه الأمة وأخذ عنهم مثل هذه الثلة الجليلة:
1 سعد بن إبراهيم «والده».
2 محمد بن شهاب الزهري.
3 هشام بن عروة.
نقل عنه العلم والتجديد علماء كبار مثل:
1 شعبة بن الحجاج.
2 عبدالرحمن بن مهدي.
3 أبناوه يعقوب ومحمد.
4 أخذ بعلمه أهل المشرقين.
أجمعوا على ورعه وبساطته وفهمه وأنه ثقة ثبت لم تزل الأمة تسير على كثير مما روى، رحمه الله رحمة واسعة. توفي في بغداد سنة 183ه.
6 لعله كان إلى السمرة أقرب بين الطويل والقصير اختلف إلى: مكة، المدينة، مصر، الشام والعراق، كان شديد الشخصية مع بساطة ولين جانب ودهاء تراه وتقول هو: فلاح «مزارع»، أو «راعي غنم أو ابل» بسيط الحال محبوب مأمون سيد مسدد، اجتهد «فأسس ونبغ»، واجتهد فأصل وبرع يقول العيني عنه: «عبدالله بن مسلمة القعبني المدني جاء إلى المدينة فقال مالك: قوموا بنا إلى خيار أهل الأرض «عمدة القاري»، م 1 ما بين 30 200.
كان شهماً قوياً حكيماً عاقلاً أخذت الأرض بتجديده ولم تزل قال جل مترجميه: كان مجاب الدعوة.
مات يوم مات وما من عالم إلا وهو بحاجة إلى تأصيلاته.
7 اتفقوا على أنه أحد المجددين في حال الأسانيد واستخلاص الحكم من النص الصحيح. وأنه ذو باع في تأصيل كثير من المسائل النقدية.
كان يميل إلى البياض رحل كثيراً ولقي كبار العلماء كان ذا وقار وسمت وكان ذا بساطة يعمل بيده ما حل في بلد إلا رحل الناس إليه.
كان البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل وابن راهوية وابن مهدي وعبدالرحمن بن المبارك، أبو بكر بن أبي شيبة وخلق من كبار العلماء يجلونه لعله من قلة قليلة من أفذاذ مؤسسين لسياسة فقه النص بما حباه الله تعالى من نباهة وموهبة مع ضعف حال مع أنه كان واجداً.
ويعتبر أحد الذين صبروا على كثير من المنغصات، روى عنه كبار علماء الحديث وهو شيخ الجماعة هو حماد بن زيد بن درهم يكنى بأبي إسماعيل الأزرق الأزدي البصري.
سمع جلة جليلة منهم:
1 ثابت البناني.
2 محمد بن سيرين.
3 عمرو بن دينار.
4 أيوب السختياني.
5 روى عنه أئمة كثيرون مثل:
1 سفيان بن عيينه.
2 سفيان الثوري.
3 عبدالله بن المبارك.
4 يحيى بن سعيد القطان.
5 وكيع بن الجراح.
قال عبدالرحمن بن مهدي: أئمة الناس في زمانهم أربعة ثم ذكر «حماد بن زيد».
قال فيه عبدالله بن المبارك:
أيها الطالب علماً
ائت حماد بن زيد
فخذ العلم بحلم
ثم قيده بقيد
ودع البدعة من
آثار عمرو بن عبيد
ولد سنة 98ه وتوفى سنة 179ه.
رحمه الله تعالى كان صابراً محتسباً ناله من الأذى الشيء الكثير لعله توفي في العراق.
8 هو:
جليل القدر ذو سمت ودل تخاله ليس الإمام من بساطته وتواضعه ولين جانبه وبعده عن تصنع الشخصية حباه الله تعالى هيبة ووقاراً كان إلى الطول أقرب حاد الطبع حاد الذكاء سريع البديهة فتق أبكار كثير من نظر من كان قبله شديد الورع والعفاف.
أصَّل وجدَّد فنبغ رحل إليه العلماء ينشدون إنقداح عقليته وحفظه وفهمه، كان صابراً ذا إرادة واعية قوية ومع كثرة مالقي في وقته من الأذى لكنه تغلب عليها بالانسحاب والخلوة وطول الدعاء في دياجي الظلم حيث لا يراه إلا علام الغيوب.
في العمدة ص 213 وما قبلها قال العيني: أبو الوليد هشام بن عبدالملك الباهلي البصري انقطعت إليه الرحلة بعد أبي داود الطيالسي»، ثقة ثبت كبير الشأن، لعله توفي في العراق.
9 كان ذا حيوية وجد ونباهة وسمو علم وفهم قليل الكلام ما حدَّث أو وعظ أو ذكر إلا بدليل صحيح، أسس ما نقله عن: سفيان بن عيينه وسفيان الثوري وشعبة بن الحجاج، ومن سموه علماً وفهماً وخلقاً وصدقاً تقاطر إليه الكبار الذين لهم فضل على هذه الأمة بتجديد الرواية والإضافة العلمية في الجرح والتعديل مثل:
أحمد بن حنبل، علي بن المدني، محمد بن بشار، جملة كثيرة من أهل الحجاز، الشام والعراق.
عاش بعد معاناة كثيرة من التعب مما لقيه من البعض في حين مبكر، كان كثير الصيام وقيام الليل وكثير الدعاء سراً في الظلمات الحوالك، أخذ الله بيده وأعزه وان لقي ما لقي حتى نال ما ناله من الله السوء.
هو محمد بن جعفر الهذلي البصري يعرف بصاحب الكراديس ويعرف «بغندر»، إمام بسيط ورع تقي أثنت عليه الناس.
ليس ما كتبته هنا «تراجم علماء» جددوا وأسسوا وأضافوا كلا إنها إشارات منتقاة تشير أول ما تشير إليه إلى حقيقة علمية مذهلة تحتاج إلى أضعاف مضاعفة من البيان والطرح عن مؤسسين كبار بذلوا وأجادوا فسددوا على حال صعبة من شظف العيش وبساطة في كل شيء مع أن بعضهم قادر على أن يكون ذا أبهة خالدة لكنهم لم يروا شديد حاجة إلى هذا فسار الركبان بذكرهم وما أضافوه من اجتهادات علمية وعقلية كانوا مسددين فيهما أيما تسديد، وما كنت قد ذكرته من كتب «التراجم» قبل قليل أجزم كل الجزم أن كل أحد بحاجة إليها ليرى كيف حصل لأولئك هذا الأمر الجليل والتسديد الفريد والإضافة الموهوبة.
إن هذا مني إشارات مختلفة شديدة الاختصار لينظر الأحياء حقيقة الحياة ولينظروا المجد حقيقة المجد.
ثم ليقفوا على حقيقة الإضافة والاجتهاد، إن كتب التراجم لذوي الهمة العالية الصادقة التقية تولد دافعاً قوياً وشحذاً للعقل ليكون ذا همة عالية باذلة تقية حكيمة عاقلة.
كتب التراجم كتب عجيبة ذات سند وصدق وأمانة، فيها عجب من علم وفهم وسداد وموهبة ونبوغ، فيها ما يجعل المرء العاقل عاضاً بنانه على وقت قد يكون ذهب هدراً أمام حياة الكبار الأحياء بحفظ الله لهم حالاً بعد حال وطوراً بعد طور.
|
|
|
|
|