| مقـالات
تحدثت في مقالات سابقة عن القائد التربوي وعما ينبغي له من صفات وسمات ومميزات وما ينبغي للمعلم الكفء ان يكون عليه وما يجب ان يتصف به كل قائد تربوي ولعلي هنا الخص اهم الخصائص التربوية للقائد التربوي المميز ولعلها كما يؤكد التربويون لا تزيد على ثلاث خصائص بوجه عام:
اولاً: الذاكرة القوية والحفظ الجيد لكل ما يريد وما يدور عليه فنه وما يريد الاهتمام به وليس ذلك قاصراً على المادة المقررة وانما ذلك يشمل اموراً عدة يدركها الفطن اللبيب.
ثانياً: الشفقة والرحمة.
ثالثاً: قوة الارادة، ولعلي الآن اتحدث عن هذه الاخيرة واؤجل اولاً وثانياً فيما بعد ان شاء الله فأقول:
لا شك ان التربية عندنا كغيرنا من الامم الاخرى مرت بأطوار ومراحل واستسقت من مناهل بعضها عذب وبعضها بخلاف ذلك على اختلاف بين الناس في هذا التفاوت، وتغيرت لدى امم كثيرة من السيطرة الى التوجيه، وهو امر حسن ومقبول تربوياً، ولا شك ايضا ومن واقع الخبرة والمعايشة ان المعلمين السابقين او بعضهم على الاقل لديهم صفات قد لا توجد عند بعض معلمي اليوم ومن اهمها قوة الشخصية والارادة وغزارة المادة وهذه هي أسُّ ولُبُّ العملية التعليمية الصحيحة حيث القائد التربوي لا يمكن ان يستغني عن قوة الارادة بحال ومن الناس ومنهم بعض التربويين لا يدركون ان القائد التربوي بحاجة الى شيء من قوة الارادة ويقول بعض التربويين انهم يَسْتَحْيُون من الشعور بها او يخشونها والبعض يخطئ بتصوره ان كل المدارس مجتمع مثالي ويقول اصحاب الاختصاص كم يواجه المعلم الكفء قبل غيره من المقاومة ومن محاولة المخالفة وبطرق شتى وكم ينبغي له ان يذلل من العقبات وان يفهم طبيعة التلاميذ وكراهية بعضهم للدراسة حتى جُعِلت مثالاً سائراً حيث يقال « أَكْرَهُ من طالبٍ للكُتَّابِ» ولو تسامحنا معهم فيما يريدون احياناً لكنا سبباً في افساد حياتهم وتشويه اخلاقهم ويرى التربويين وكما هو مشاهد ان الصغار يمقتون السيطرة والاذلال فطرةً ويحبون الانطلاق على سجيتهم ولكن واقع الحياة ليس هكذا ولا مناص من ان يتعلم الشباب والطلاب احترام النظام واذا هم لم يتعلموا ذلك في المدرسة فذاك قصور تربوي ولاشك وخلل تعليمي تجب معالجته تربوياً وواجب القادة التربويين ملاحظته وتداركه، وكما انه لابد ان يفرق تربوياً بين السيطرة الخاطئة وبين السيطرة الحكيمة الواعية والواعدة ايضاً ولا يستطيع تحقيق ذلك والتمييز بين هذه وتلك الا القائد التربوي العازم الجازم الحكيم الفاهم لواجبه ورسالته التربوية وليعلم المعلمون وفقهم الله ان الشاب في مستقبل حياته لا يطيق التركيز طويلاً فهو مَلُولٌ وهو جهد شاق وعسير بالنسبة له، وكثير من الشباب لا يطيقون سيطرة عقل آخر عليهم ولذا نجد التباين الكثير في المواقف بين بعض الطلاب وآبائهم وبينهم وبين بعض مدرسيهم، والقائد التربوي في مثل هذه المواقف لابد له من قوة الشخصية ومتانة الادارة وصدق التوجه وسلامة الاتجاه ونضج الادارة ايضا والمدرسة الناهضة تربويا تستوعب نشاط الطلاب هذا وتستنفد قوتهم فيما هو نافع ومفيد فتفسح لهم فرص الابداع والامتاع والاسماع فيما يعود على الجميع بالخير ويكون القائد التربوي يقظا وحذرا متخذا من الضبط والربط اسلوبا ومنهجها لئلا يطفى هذا الدلال والاهمال احيانا وحنيئذ لابد من ضبط الامور تربويا وعلماء التربية يؤكدون ان النفس البشرية فيها خطوط متقابلة وهي باختلافها وتقابلها تؤدي مهمتها في هذا الكيان البشري شديد التركيب والتعقيد احياناً والتربية بالمثوبة يقابلها تربويا التربية بالعقوبة. واذا لم تفلح التربية بوسائلها المختلفة في ضبط الشباب والطلاب ومن اهم وسائلها القدوة الصالحة والموعظة الحسنة فلابد والحالة هذه من وسيلة اخرى تضع الامور في نصابها الصحيح، وحيث ان القاعدة تقول لكل مقام مقال ونظراً لتكرر بعض المخالفات من بعض الطلبة في دنيا الناس وهذه المخالفات قد تأخذ اشكالا مختلفة وبعضها اهون من بعض، واذا كنا قبلاً ممن يؤيد منع العقاب البدني للطالب ومازلنا كما هو رأي الكثير من مشاهير التربويين في الوقت الحاضر لاسباب عديدة يدركها فرسان الميدان حيث يطول ذكرها فإنني في مثل هذه الايام وبصفة استثنائية فقط ولان الحكم يدور مع العلة وجوداً وعندما اقول في بعض الحالات لابد ان يكون التربوي حازما لصالح الطلبة قبل صالح الآخرين. وهذا الحزم في بعض المواقف ليس دائماً وليس هذا اول ما يدور في ذهن رجل التربية والتعليم فلابد من الصبر والمصابرة والدعوة الى فعل الخير وهذا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يقول له ربه «ومن أحسن قولاً» الآية ويقول له «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة» الآية ويقول أيضاً «واصبر على ما يقولون» ولكن الواقع المُعاش احياناً بيَّن ان بعضاً وهم قليل لا يصلح معهم ذلك وليس من السداد في شيء ان نتصنَّع الرِّقة، الرقة الذائبة كحال بعض مدعي التربية ان التربية الرقيقة والرحمة تصلح وتفلح وتنجح في كثير من الاحوال وخصوصاً في الصغر ولكن بحدود وقيود ويقول علماء التربية من المسلمين ان التربية التي تزيد في الرقة والعطف واللطف تضر ضررا ظاهرا وبالغا لانها تنشيء احيانا كيانا ليس له قوام وخصوصاً من قبل الابوين وانظر اخي الكريم الى بعض شباب اليوم تجد الشاهد والدليل في دنيا الناس المليئة بالعجائب والغرائب واذا كان الشاعر الحكيم يقول في مناسبة «ما»:
والنفس كالطفل إن تُهملهُ شَبَّ على
حب الرضاع وإن تَفْطِمه يَنْفَطِمِ |
فان التربويين يقولون هم كذلك ان النفس في ذلك كالجسم ان رفقت بجسمك رفقاً زائداً فانه لا يقوى ابداً وتشقي صاحبها دوماً فهو لا يستطيع ضبط مشاعره ورغباته وشهواته حال بعض من تشاهدون اليوم في دنيا الناس فيصطدم بالواقع المعاش الذي لا يعطي للناس كل ما يريدون بل الحياة كما قال القرآن «لقد خلقنا الإنسان في كبد» مكابدة ومشقة وجهد وكد وكدح «يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه» وهذه حال الدنيا ولبعض رجال التربية المجيدين كلام جيد ومتين ورصين في تربية الصغار والكبار ومختلف الاعمار حيث يقول ما نصه «فمن الناس من تكفيه الاشارة البعيدة فيرتجف قلبه ويهتز وجدانه ويعدل عما هو مقدم عليه من انحراف ومنهم من لا يردعه الا الغضب الجاهر الصريح، ومنهم من يكفيه التهديد بعذاب مؤجل التنفيذ ومنهم من لابد من تقريب العصا منه حتى يراها على مقربة منه ومنهم بعد ذلك فريق لابد ان يحس لذع العقوبة على جسمه كي يستقيم.
«خوارم التربية الجادة لدى بعض المسلمين»
1 من خوارم التربية الجادة لدى بعض المسلمين انه ادخل على هذه المهنة النظيفة والشريفة من لا يعرف اصولها وقواعدها المتينة.
2 تسلم القيادة التربوية في بعض ديار الاسلام اناس مائعون ضائعون تربوياً يهرفون بما لا يعرفون. يحملون افكاراً وَبِيلَةً هزيلةً تستسقى من زبالة الشرق او الغرب، فهم في الاعم الاغلب مقلدون مخطئون على حد قول القائل:
يقول ما يقولون له
كما تقول الببغاء
3 كثرة التنظير والكلام الكثير والقول العسير ممن لا يحملون فكراً تربوياً صحيحا واذا بليت بالاستماع الى واحد منهم تذكرت قول القائل:
كلامك بارد من غير معنى
يحاكي برد ايام العجوز |
4 كثرة التعاميم والنشرات، واللقاءات غير المفيدة ولا المعدة احياناً فلا تحس وانت تقرأ اوتسمع بالمشاركة الوجدانية ولا تثير في نفسك مشاعر تتفجر وتفيض كما يحصل لك ذلك «ممن اوتي العلم والحكمة».
5 اللوم الكثير للمدرس غير المُقيّد ولا المُقعّد وكأنه قد صار هدفاً لكل من قعد به الزمن عن القيل والقال، واذا زاد الشيء عن حده انقلب الى ضده.
6 كانت النتيجة المتوقعة لهذا الدلال وهذا الاهمال من قبل بعض اولياء الامور لبعض الطلبة ومن قبل بعض القادة التربويين ايضا تَصَوُّر بعض الطلبة خاطئاً تصوُّرات مخلة فحصل التجاوز وحصلت المخالفة احياناً وصعب العلاج وكثر القيل والقال.
7 التسطيح والاغراق في البساطة في توصيف الواقع التربوي المعاش ممن لا يملكون القدرة التربوية وليس عندهم الممارسة الميدانية الصحيحة وبخاصة ممن تشكَّل فكره التربوي خليطاً متناثراً ومتنافراً من ثقافات متباينة.
وثيقة تربوية مهمة
قال الرشيد لمعلم ولده الامين: «يا احمد ان امير المؤمنين قد دفع اليك مهجة نفسه وثمرة قلبه فصير يدك عليه مبسوطة وطاعته لك واجبة فكن له بحيث وضعك امير المؤمنين اقرئه القرآن وعرفه الاخبار، وروه الاشعار وعلمه السنن، وبصره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك الا في اوقاته وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم اذا دخلوا عليه، ورفع مجالس القواد اذا حضروا مجلسه ولا تمرنّ بك ساعة الا وانت مغتنم فائدة تفيده اياها، من غير ان تحزنه فتميت ذهنه ولا تمعن في مساحته فيستملي الفراغ ويألفه وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة فان اباهما فعليك بالشدة والغلظة» هذا والله المستعان. والحمد لله رب العالمين.
القصيم بريدة
|
|
|
|
|