| محليــات
لا أعرف لمن نكتب هذه الأيام. حتى الجريدة التي بين يديك ضمرت وتكاد ان تتلاشى والشوارع فاضية والحرارة تتزايد ولا تسمع إلا همس المكيفات او هديرها )همس اخذتها من اخواننا الحداثيين وهدير اخذتها من اخواننا التقليديين( ولكي اضع نفسي في سياق الحياة اليومية اضطر أن أقرأ الجريدة أكثر من مرة وأتعرف على كل شيء ينشر فيها حتى الاعلانات خصوصاً اني لا أشترك إلا في جريدة الجزيرة وحدها فمن غير المعقول ان اشترك في كل الجرائد وأحمد الله أني لا اقرأ في اليوم إلا جريدة واحدة. لا يصدقني أحد إذا قلت هذا الكلام، فأنا لا اقرأ من الجرائد إلا التي تقع بالصدفة أمامي. ومن النادر أن أذهب الى البقالة لشراء جريدة إلا اذا كان فيها موضوع محدد اريد ان اطلع عليه، لذا استغرب من بعض الاخوة الذين يقرأون كل الصحف. اتخيل لو أنني قرأت كل الصحف المحلية يوميا مدة سنة كان اخذني أهل الخير لشهار او اقرب مصحة نفسية )كثرت هذه الأيام ولله الحمد(.
فالصحف افضل مصدر للهبال أتذكر في الأزمنة القديمة كان يمر علي الكاتب المميز عبدالله نور وبعد ان يشرب الشاهي يقول: وش رأيك نروح نصغر عقولنا شوي؟ ويقصد ان نذهب لإحدى الجرائد ونسولف مع المحررين والصحفيين فيها. بالفعل لو جلست تقلب الجرائد جيدا وتزن المكتوب فيها تلاحظ انها تنطوي على تمارين منتظمة لتصغير العقل كل شيء فيها مبعوج من وسطه فاذا دخل عقلك معلومة عن طريق الجريدة ستكتشف انها معلومة مغلوطة وناقصة. وأهم سمة في الجرائد هي التكرار فالذي يكتب اليوم هو الذي يكتب غدا وبعد غد كما تتوفر على كمية مهولة من التناسخ العجيب. بالاضافة الى الغرور الذي يسم كثيراً من الكتاب والمشكلة ان كثيراً من الناس مازال يعتقد ان الصحف مصدر من مصادر المعرفة والأزفت من ذلك ان كثيراً من كتاب الجرائد مصدرهم المعرفي الوحيد هو الجرائد. أتذكر نصحني كاتب جرايد متمرس في بداية حياتي مع الزاوية المنتظمة قائلاً: الموضوع الواحد يكتب عشر مرات عليك فقط ان تغير العنوان وتغير المقدمة وتخلط السطور وتخض المقال حتى يصير الذي فوق تحت والذي تحت فوق ثم تنشره مرة ثانية وثالثة. اكتشفت بعد فترة من المتابعة والتروي ان كلام صاحبي هذا ليس مجازا وإنما حقيقة تحدث كل يوم في الصحف. وقبل ان نمضي في جلد الذات علينا ان نعرف ان هذا حال الصحف في كل أنحاء العالم فلو تابعت الجرائد البريطانية لما وجدت حالها افضل من حال الجرائد في زمبابوي.
حتى وقت قريب كنت اظن ان السياحة هي الصخب: العاب واغاني ومطاعم وجوائز وجرائد ولكن في الآونة الأخيرة بدأت أؤمن ان روح الإنسان في حاجة للسياحة الصامتة والمعزولة منتجعات في الربع الخالي لا يصلها هذا كله وخاصة صخب الجوائز التجارية والجرائد.
لمراسلة الكاتب
yara4me@yahoo.com
|
|
|
|
|