|
| الثقافية
إن نكسة حزيران وضعت حركة التحرر الوطني العربية ، وجها لوجه أمام تحديين مصيريين: التحدي الخارجي المتمثل في الإمبريالية والصهيونية وما تملكانه من إمكانات وقدرات هائلة، والتحدي الداخلي المتمثل في التخلف الحضاري وضعف البنية الداخلية للفرد والمجتمع وطبيعة التحرر الوطني العربية نفسها وأزماتها.
والأدب أكثر من غيره إحساسا بما حدث وتعبيراً عنه. واذا كان الشعر لعب دوره البارز في اعقاب الهزيمة المباشرة لانه الأكثر تناسباً مع الانفعال السريع واللحظة الراهنة. ولكن سرعان ما أن خلى مكانه للرواية التي شهدت منذ مطلع السبعينات ازدهاراً لم تعرفه من قبل في هذا القطر العربي السوري لانها كانت الأقدر على نقل الرؤية الجديدة والاوضاع الاجتماعية والسياسية المعقدة، ولقد كانت مواجهة الرواية لهذه الاوضاع عاملاً أساسياً في تطويرها وتجديدها الى جانب المؤثرات الثقافية الأجنبية التي ما فتئت تتوارد وتفعل وتؤثر. ولاشك في أن حصة أوربا والولايات المتحدة الأمريكية هي الأكبر بين هذه المؤثرات، إلا ان ثمة أثراً آخر هو أثر أدب العالم الثالث وبخاصة أمريكا اللاتينية.
والتراث العربي بدأ مؤخراً يمد الكتاب ببعض التقنيات والأساليب الفنية ولكن الافادة من هذا التراث لا تبلغ مستواها ما لم يدرس دراسة نقدية فنية تستقرىء بنية أنواع القصص فيه وأدواتها، وقوانينها. وبما ان لكل كاتب خصوصيته في مجال الرواية وأساليبها الفنية لأن لكل رؤيته الخاصة لذا ادرس الرواية الجديدة عند ممثلها في القطر السوري الكاتب وليد إخلاصي في روايته )شتاء البحر اليابس(.
فالمؤثرات الثقافية التي وجهت الكاتب وليد اخلاصي غربية في مصدرها وجوهرها ولا تقتصر على أعمال روائية معينة بل تضيف إليها الفكر الفلسفي الوجودي والثقافة الفنية بعامة. والكاتب يعترف بأنه في رواياته الاولى )شتاء البحر اليابس، أحضان السيدة الجميلة، أحزان الرماد( قد تأثر بالشكل الغربي المحصن، وبأنه في الاعمال التالية استفاد من الحكاية العربية مثلما استفاد من الشكل الغربي.
ولقد عدت رواية «شتاء البحر اليابس».. لوليد اخلاصي، المحاولة التجديدية الأولى المهمة في الرواية السورية وهو رائدها الاول بلا منازع ويتعلق التجديد ببنية الرواية، فقد تمكن من الثورة على البناء التقليدي المتماسك القائم على وحدة العضوية وعلى علاقات منطقية قوية تؤمن خطاً متصاعداً من تطور الأحداث وأحل محله بناءً جديداً اذا كان له رابط يؤمن من تماسكه، فليس الا الجو العام والرؤية الواحدة.
فرواية )شتاء البحر اليابس..( تتألف من أقسام وهذه الأقسام تبدو مستقلة عن بعضها ويمكن ان يقرأ كل فصل وحده دون حاجة الي الاقسام الاخرى. وهذا يعني غياب الوحدة العضوية للرواية التي كانت شرطاً فنياً لا غنى عنه في الرواية التقليدية وربما كان هذا ناتجاً عن طبيعة الرؤية العبثية التي أدت الى تغيب العلاقات المنطقية عن جو الرواية.
ونجد التجديد في رسم الشخصيات اذ يبتعد عن مفهوم البطل الايجابي أو السلبي ويقدم أشخاصا يتحركون في المطلق مواجهين وجودهم وكونهم. فيتحولون الى رموز ونماذج مجردة. وأهم ما يعنى به الكاتب رسم دواخل الشخصيات هذه من خلال رسم )الحركة النفسية الداخلية( لهم وهم يصطدمون بقشرة الواقع الخارجي ويبدو هذا مناسباً للتعبير عن رؤية الكاتب الوجودية التي تنهض عليها الرواية.
3 إن استقلال الرواية عن الواقع لا تقع في المتشابه والتقليد. هذا ما يراه الكاتب ضرورة لتبدو الرواية عملاً ذهنيا صرفا لا تقوم العلاقات بين مكوناته وفاقا لقوانين الواقع، فالرواية هي بناء فني، عمارة ابداعية اي أنها تصميم هندسي يخضع لقوانينه الخاصة به، وواضح أن هذا الموقف شديد الشبه لموقف الرواية الجديدة من الواقع في الغرب وهو موقف يفقد الأحداث حرارتها والشخصيات حيويتها، ويحول دون تتبع التطور في الاثنين.
ولغة السرد ايحائية، والسرد يختلط بالحوار الخارجي والحوار الداخلي وتكثر الصور والتشبيهات الجميلة كقوله: الباب الخشبي يقرع، يد رقيقة هي التي فعلت، فتح الباب ويداه مغمرتان بنشارة الخشب، قالت امرأة، عيناها قالت أيضا.
أما الوصف فهو شاعري موح مكثف مهيب في لغته وصوره من الشعر، نستنتج أن الفلسفة الوجودية والرؤية العبثية للحياة كانتا سبب تشابهه مع كتاب الرواية الجديدة في الغرب فهذا ما جدده وليد إخلاصي في روايته التي كانت محور فترة ما قبل نكسة حزيران.
د. هند حتاحت
|
|
|
|
|
