| مقـالات
الحمد لله الذي يحيي ويميت وهو الحي القيوم الدائم الذي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة خاتم الأنبياء والمرسلين وخير خلق الله أجمعين وعلى آله وأصحابه البررة الطاهرين والتابعين ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين. وبعد:
نشهد ان الموت حق والبعث حق والجنة حق والنار حق والآخرة حق وان كل من على هذه الدنيا فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام؛ ولقد تابعت بشغف ما كتبه الأخوة الأعزاء عن صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلمان بن عبدالعزيز يرحمه الله عن سجاياه وأخلاقه وعن كرمه وجوده وعن أعماله الطيبة ونشاطاته الخيّرة وهذا كله والحمد لله علامة مضيئة وبشرى حسنة لفقيدنا الغالي فالناس شهداء لله في أرضه كما ورد في الحديث النبوي الشريف أن جنازة مرت بالنبي صلى الله وسلم وأصحابه فأثنوا عليها بخير فقال صلى الله عليه وسلم (وجبت) ومرت جنازة اخرى فأثنوا عليها بشر فقال صلى الله عليه وسلم (وجبت) فسأله أصحابه صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأجابهم صلى الله عليه وسلم: بأن الجنازة الأولى أثنيتم عليها بخير فوجبت لها الجنة وأن الثانية أثنيتم عليها بشر فوجبت لها النار فأنتم شهداء الله في أرضه أو كما قال عليه الصلاة والسلام وقد حصل الثناء من الجميع على الفقيد الغالي بخير وهذه بشرى وعلامة خير لفهدنا الغالي؛ وبالتالي فقد فقدنا جميعا رجل خير وإنسان بر وهنا لابد لنا أن نحزن على فراقه ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا على فراقك يا فهد لمحزونون.
لقد عرفت الفقيد الغالي قبل حوالي ثلاثين سنة وقد كان والدي يرحمه الله موظفا بامارة منطقة الرياض وكنت أتشرف بزيارة سمو سيدي الأمير سلمان بمكتبه بمقر الأمارة وقد التقيت مرتين بسمو الأمير فهد ومنذ لقائي الأول معه والذي استمر لحوالي عشر دقائق كان قريبا من قلبي وكأنني أعرفه منذ سنوات طويلة وقد لاحظت على سموه تواضعه الجم وتودده من كل من يقابله فلم يكن ليجلس بمكتب والده سمو الأمير سلمان بل كان ينتقل من مكتب إلى مكتب يسلم على هذا ويتحدث مع هذا كان يوزع وقت وجوده بالامارة بين الجميع مما جعله قريبا من نفوس الجميع ودودا للصغير والكبير، ثم شرفت بصحبة صاحب السمو الملكي الامير الدكتور فيصل بن محمد بن سعود بن عبدالعزيز في زيارته للمنطقة الشرقية بعد تعيينه وكيلا لامارة منطقة الباحة منذ حوالي اربعة عشر عاما ليلتقي بحملة الشهادات العليا من ابناء منطقة الباحة بالمنطقة الشرقية وكان وقتها فقيدنا الغالي نائبا لامير المنطقه الشرقية وسمو أمير المنطقة الشرقية خارجها ولقد أحسن استقبالنا وأكرم وفادتنا، فقد كان يرحمه الله يأتينا إلى مقر إقامتنا بالخبر وهو يقود السيارة بمفرده وأحيانا معه الأستاذ حسن الجاسر مدير العلاقات العامة بالأمارة ليصحب سمو الأمير الدكتور فيصل معه وأنا برفقتهم ليطوف بنا مدن المنطقة الشرقية شارحا وموضحا ومبينا ومجيبا على أسئلتنا ومكثنا ثلاثة أيام في ضيافة سموه الكريم في كل يوم بل في كل ساعة بل كل لحظة يزداد مكانة وقدرا في أعيننا جميعا.
ثم جاءت أزمة الخليج لتؤكد على حنكته وحكمته فقد تحمل بكل اقتدار مسؤولية الجبهة الداخلية حيث كان أمير المنطقة الشرقية مع القيادات العليا على الحدود بالجبهة الخارجية، وقد احسن فقيدنا الغالي القيادة واستطاع بما يحمله من مؤهلات ومزايا خصه الله العلي القدير بها أن يكون قريبا من الناس حتى كان ملء السمع والبصر داخليا وخارجيا والمعروف أن من آثار الحروب انتشار الخوف والهلع بين السكان وازدياد الأسعار والقلاقل وهروب السكان واللافت للانتباه عكس ذلك تماما بجميع أنحاء مملكتنا الغالية عامة وفي المنطقة الشرقية خاصة استطاع فقيدنا الغالي أن يبيت الطمأنينة والأمن ويجعل الأسواق تعمل ليل نهار وبأسعار أقل ويبقى الناس في أعمالهم وبيوتهم ومنتزهاتهم حتى غدت المنطقة الشرقية مضرب مثل أمنا واستقرارا وطمأنينة ورخاء وأشاد بذلك البعيد والقريب كل ذلك بفضل الله تعالى ثم بفضل القدوة الحسنة الأمير فهد الذي كان قريبا من الناس في أسواقهم وأعمالهم ومنتزهاتهم، وانتهت أزمة الخليج وبقيت آثارها وبالذات انتشار دخان آبار بترول الكويت التي احرقها الاعداء ووصلت بكثافة إلى مدينة الخفجي وكعادة سموه كان حريصا على تفقد أحوال المواطنين بالخفجي فشرفت بصحبته في هذه الزيارة وقد هيأت الدولة أعزها الله سكنا وأكلا ومصروفا لكل مواطن يرغب الانتقال من الخفجي إلى الخبر لتفادي آثار الدخان ولكن بعض الأهالي آثروا البقاء بها فحرص سموه على زيارتهم بالخفجي وبقي معهم يوما كاملا بالرغم من كثافة الدخان وآثاره السلبية.
كان فهد بن سلمان جوادا كريما ينفق ما بيده كل يوم بيومه وأشد ما يؤلمه وجود محتاج وليس لديه ما يعطيه، هذه سجيته وليس غريبا عليه ذلك فالشيء من معدنه لا يستغرب فهو ابن سلمان بن عبدالعزيز وحفيد الملك عبدالعزيز.
واستمرت علاقتي بسموه يرحمه الله اهاتفه بين فترة وأخرى وقد كان آخر اتصال لي بسموه يرحمه الله قبل حوالي شهرين عندما طلب مني بعض الزملاء والأصدقاء الطلب من سموه قبول ترشيحهم له ان يكون اميرا على منطقتهم لما عرفوه عنه من حكمة وحنكة ومن حيوية ونشاط واتصلت بسموه هاتفيا ونقلت له رغبتهم وبأدبه الجم وتواضعه الكبير طلب مني أن انقل لهم شكره وتقديره على ثقتهم به مع اعتذاره عن قبول الترشيح وقال بأن في الاسرة المالكة الكريمة من هو أكثر كفاءة منه واكثر خبرة وحنكة وولاة الامر اعرف بذلك فنقلت اعتذاره لهم وللتاريخ فإنني أعرف أن فقيدنا يرحمه الله قد اعتذر قبل ذلك عن قبول مناصب اخرى فقد كان عزوفا عن المناصب وكذلك الاعلام ولا يحب الظهور بل كان يعمل بصمت وجل عمله لآخرته الباقية بعيدا عن الدنيا الفانية وقد أحسن الاختيار.
رحم الله الفقيد الغالي وأسكنه فسيح جناته ورزقنا الله جميعا الصبر والسلوان و«إنا لله وإنا إليه راجعون».
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
|
|
|
|
|