*
الحديث عن مواقف وخصال ومحاسن فقيد الوطن الراحل الكبير الأمير فهد بن سلمان بن عبدالعزيز يحتاج الى صفحات كثيرة لسردها ولكن أن يأتي بعض منها من رجال عاصروه وكانوا شهوداً على أفعاله وأعماله الخيرة فإن ذلك هو الدليل الدافع على الصيت والمكانة اللتين كان يتمتع بهما طوال حياته رحمه الله..
إن الموت حق وكلنا سائرون في هذا الدرب ولكن خير البشر منا من تبقى ذكراه خالدة بأفعاله وأعماله الخيرة وهكذا كان الأمير فهد بن سلمان طيب الله ثراه..
لقد شهد لهذا الإنسان البعيدون قبل القريبين ولكن أن تأتي بعض العبر والقصص المؤثرة والمواقف الإنسانية النبيلة التي خلفها وراءه على ألسنة بعض رفاق دربه وعلى رأسهم الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الخزيم مدير عام المكاتب الخاصة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله.. الذي وصف الأمير الراحل بالرجل الوفي الشهم.. الكريم.. المخلص لدينه ووطنه وشعبه..
يقول الشيخ عبدالرحمن الخزيم إننا فقدنا إبناً باراً لايعوض وفقدنا إنساناً قلّ أن يجود الزمان بمثله.. ويسترسل ابو محمد حديثه مع «الجزيرة» والدموع لاتكاد تفارق عينيه قائلاً انني مهما تحدثت عن فهد بن سلمان فلن أوفيه جزءا يسيراً من حقه انه رمز للوفاء والشهامة والكرم ونبراس لمساعدة الفقراء والمساكين والمحتاجين وحبيب مقرب من المرضى وعاشق لأعمال الخير لايبحث عن سمعة أورياء يعمل الخير ولايريد الا جزاء رب العالمين. فهد باختصار رجل متواضع بشوش لايطلبه أي انسان في شيء الا وتجده ملبياً له دون انتظار لشكر أو مديح ولقد جمعتني به رحمه الله على مدى 46 عاماً عاصرته فيها العديد من المواقف الطريفة والانسانية التي اكشفها لأول مرة لقراء «الجزيرة».
* حوارات أجراها عبدالله الكثيري
* صورها فتحي كالي
الأمير فهد بن سلمان رحمه في لقطة خاصة في أسبانيا قبل عدة سنوات
الأستاذ محمد الخزيم
الهروب على القدمين والصقر!!
ومن هذه المواقف انه رحمه الله انسان يعشق الصحراء والقنص ويهيم حباً في صحاري نجد وفي احدى المرات كنت مرافقاً لسموه مع مجموعة من أصدقاء الأمير و«الأخوياء» وكنا في المخيم وفجأة «هدّ» يرحمه الله صقره «لتلب» الحبارى ولحق به بسيارته وطلب مني والأخ عتيق بن طليان ومحمد بن شعيل اللحاق به وفي منتصف الطريق عدنا مرة أخرى الى المخيم بتصرف خاطئ منا وتركنا سمو الأمير يتابع رحلة القنص وكان الوقت في الشتاء وحين عاد رحمه الله كان متجهم الوجه غاضباً علينا وطلب منا نحن الثلاثة مغادرة المخيم والعودة الى الرياض وكان الوقت كما ذكرت لك قارس البرودة وعلى بعد عدة مئات من الأمتار حطينا الرحال عند بعض الأعراب القريبين من مخيم سموه وفجأة اذا بالأمير فهد يأتي الينا ويطلب منا العودة معه في سيارته الى المخيم مرة أخرى..
أرانب «هريسان»!
ويواصل أبو محمد حديث ذكريات القنص مع الأمير فهد بن سلمان يرحمه الله ويقول في إحدى المرات ذكر للأمير أن هناك مئات الأرانب في منطقة تسمى «هريسان» وكان يرحمه الله يعشق هواية صيد الأرانب وطلب منا الاستعداد لهذه الرحلة وكان معنا أصحاب السمو الأمراء سلطان بن سلمان وأحمد بن سلمان وعبدالعزيز بن سلمان وحين وصلنا إلى منطقة هريسان لم نجد الأرانب المذكورة واذا بأحد الأخوياء ويدعى عبدالهادي الهماش يطلب من الأمير فهد رحمه الله أن يتوجه الى منطقة بالقرب من حفر الباطن مشهورة بالأرانب وقال لي رحمه الله ياعبدالرحمن لاتصلون الفجر الا والسيارات محملة وجاهزة للرحلة الجديدة واستمرت رحلتنا 24ساعة مع وعورة الطريق ولم نصل تلك المنطقة المشهورة بالأرانب الا في صبيحة اليوم التالي وبالفعل استمتع سموه ومرافقوه بتلك الرحلة التي لا أنساها حتى الآن.
وعن المواقف الانسانية للراحل الكبير يقول الشيخ عبدالرحمن الخزيم إن مواقف الأمير فهد بن سلمان يرحمه الله لاتعد ولا تحصى وخصوصاً في مساعدة الفقراء والمحتاجين والأيتام ووقوفه الدائم مع المرضى وحبه لزيارة المستشفيات وتفقده لأحوال المرضى الذين يحتاجون الى رعاية خاصة ومن هؤلاء الأخ محمد بن فراج السوداء القباني الذي كان يعاني من فشل كلوي تام وأرسله سموه على حسابه الخاص الى مصر للعلاج هناك واستمر ستة أشهر دون أن يعثر على كلية أو متبرع يناسب نفس فصيلته وبعد أن علم الأمير بذلك أرسله مرة أخرى وعلى حسابه الى الولايات المتحدة وأمضى فيها وقتاً طويلاً ووقع في نفس معضلة مصر ولم يبق أمامه الا حل واحد وهو أن يتبرع له ابنه الذي يطابق فصيلته بإحدى كليتيه ولكن والده القباني رفض لكن الأمير فهدبن سلمان يرحمه الله استطاع اقناع الأب وامتثل لأمره وكان سمو الأمير مع العائلة في لندن وقد ابلغوه بموعد العملية وبعد يومين جاء اتصال من أمريكا يفيد الأمير بعدم نجاح أداء الكلية 100% وان الرجل يخضع لعناية مكثفه في العناية المركزة وفجأة طار الأمير فهد يرحمه الله من لندن الى أمريكا ووصل الى المستشفى ومكث داخل غرفة العناية المركزة يوماً كاملاً بجوار الرجل وبعد 12 ساعة أبلغوا الأمير بنجاح العملية واداء الكلية وفرح رحمه الله بهذا الخبر. وقال هذا الرجل الذي توفي منذ أربع سنوات بعد أن عاش عدة سنوات بعد العملية قصيدة مطولة في سموه جاء فيها:
غز مقامي لين صحيت وأقوم
وجت لى على المطلوب باحسن وسيله
عز الخوي اللي من الضيق مزحوم
يرقى سنوده هضاب رأس الطويله
ولاجاه يشكي ضد الأيام مهموم
يبرك لحمله لاتصعب يشيله
فهد مقر الطيب توكيد معلوم
يفزع جنابه مع فضايل جميله
منتوب من سلمان من صلب شغموم
اللي خذا كاس الشجاعه نفيله
مفراس ماهي للبواتيع جازوم
ماله حتين ولايوصف مثيله
ومن المواقف الانسانية أيضاً يقول الشيخ عبدالرحمن الخزيم انه لايرد أي انسان يطلبه في أي مكان وأي زمان.
خبر مثل «الصاعقه»!!
وعن سماعه لنبأ وفاة الراحل الكبير فهد بن سلمان قال أبو محمد والحزن لايفارق محياه انه في يوم الأربعاء كنت أنا والعائلة وعدد من الأخوياء في طريقنا إلى «ملقا» وقبل الوصول بنصف ساعة أتاني اتصال من السيد أياد كيالي وكيل الأمير سلمان في أوروبا يبلغني ضرورة العودة الى الوطن دون إبداء أي أسباب وعدت مرة أخرى لأجري اتصالا بأياد فقال إذا وصلت الرياض أبلغتك الأسباب حينها دخل الخوف الى قلبي وبدأت الشكوك تساورني وقلت في نفسي خيراً ان شاء الله وبعد أربع ساعات من الطيران وصلنا الى الرياض فإذا بابني محمد يصعد الى الطائرة ويبلغني بوفاة فهد رحمه الله ونزل الخبر على مسمعي كالصاعقة ولم أتمالك نفسي من الحزن والفاجعة التي ألمت بنا جميعاً..
على الغداء بلا موعد!!
ومن الرجال الذين عاصروا الأمير فهد بن سلمان طيب الله ثراه الأستاذ سلمان بن عبدالرحمن الخزيم نائب مدير المكاتب الخاصة وأحد أبناء الشيخ عبدالرحمن الخزيم فيروي عن سموه أحد المواقف التي تنم على تواضع الأمير فهد يرحمه الله..
يقول سلمان أول ما نزل الوالد في بيت جديد قبل أربع سنوات تقريباً وبينما كنت والوالد واخوتي نتناول طعام الغداء الساعة الثانية ظهراً فإذا بسمو الأمير فهد يطرق الباب مباركاً ومهنئاً بالمنزل وجلس معنا على الغداء قائلاً لا أريد الا غداء المنزل والمشروك مبروك وحاولنا احضار غداء من أحد المطاعم فرفض سموه قائلاً وهل هناك أجمل من غداء المنزل.
ويضيف سلمان قائلاً ان من سجايا هذا الانسان وخصاله الحميدة أنه طيب القلب عطوف متواضع يهتم بمساعدة الضعيف قبل الغني..
«سيارة» لهذا الرجل!!
أما الأستاذ عبدالرحمن العوشن مدير مكتب صاحب السمو الملكي الأمير سلمان في جدة فيحتفظ ببعض المواقف الانسانية الخالدة لسموه فيقول في إحدى المرات اصطحبني يرحمه الله الى المعرض الدولي للسيارات وكنا نتجول للاطلاع على أحدث ما ابتكره العالم في السيارات وفجأة شاهدت أحد الأشخاص وكنت على معرفة به واذا به يتوقف عند احدى السيارات ويلف حولها كثيراً وقد لمحه الأمير فهد يرحمه الله فذهب اليه وسلم عليه وقال له لماذا هذا التركيز الشديد على هذه السيارة فرد الرجل على سمو الأمير حلمي يا سيدي أن أملك سيارة مثلها أقدمها هدية للعيال فإذا بالأمير يطلب مني أن أشتريها على حسابه رحمه الله وأسجلها باسم هذا الرجل الذي ذهل من هذا الموقف الانساني الكبير من لدن رجل الشهامة والكرم الأمير فهد بن سلمان يرحمه الله..
مساعدة لمريضة الكلى..
ويسترسل عبدالرحمن العوشن قائلاً وفي احدى المرات كنت مرافقاً لسمو الأمير فهد يرحمه الله في زيارته لمركز الكلى في جدة والمركز للدكتور فيصل شاهين وأثناء خروجنا شاهد امرأة مسنة ومعها ابنها كانت تعالج في المركز وأوقف سموه سيارته وسألها وابنها هل من مساعدة أو خدمة البيها لكم فشكره الابن وشكرته السيدة المسنة وأمرني يرحمه الله أن أقدم لهم مساعدة مالية كبيرة في الحال وفعلت كما طلب سموه رحمه الله مما كان له أطيب الأثر في نفس هذه الانسانة وابنها بعد أن علمت أن هذا الرجل هو الأمير فهد بن سلمان.
يحاسب للناس في الفنادق!!
ويتحدث الأستاذ فهد بن ابراهيم العوشن من المكتب الخاص لسمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز عن بعض المواقف الانسانية لفقيد الوطن الأمير فهد بن سلمان يرحمه لله فيقول ان عشرات المواطنين في مدينة جدة الذين فقدوا أمتعتهم وحقائبهم وعليهم التزامات مالية كبيرة في فنادق جدة يقوم سموه رحمه الله بالتسديد عنهم وايفاء التزاماتهم نحو هذه الفنادق دون أن يعرف عنهم شيئاً ولاهو يريد أن يعلموا أنه هو الذي قام بالتسديد عنهم .
وموقف آخر يرويه العوشن أن والده ابراهيم العوشن وهو وكيل آل فهد في جدة كان يرقد في المستشفى هناك وصادف وصول الأمير فهد من الرياض الى جدة وفي المطار سألني عن صحة والدي فقلت انه في المستشفى فاتجه سموه رحمه الله الى المستشفى لزيارة الوالد رغم أن عنده ارتباط واجتماع مهم لايحتمل التأخير و.
هذا الموقف لن أنساه ماحييت من سموه رحمه الله حيث تجلت فيه معاني الانسانية والنبل والأخلاق وكل ما أقول رحمك الله يا أبا سلطان.
على هامش الحوارات
* * كان التأثر بالغا على محيا الشيخ عبدالرحمن الخزيم في رحيل الفقيد الغالي الأمير فهد بن سلمان طيب الله ثراه.
* * محمد الخزيم قال :
إن أصعب موقف في حياتي هو إبلاغ والدي بخبر وفاة الأمير فهد في الطائرة التي أقلته الى الرياض وقد حزنت كثيراً في ذلك الموقف العصيب.